فيلم هوليوود "علاء الدين" 2019 - هل تفادى إسلاموفوبيا نسخته السابقة؟

إقبال عالمي واسع حظي به فيلم علاء الدين والمصباح السحري في نسخة عام 2019 الهوليوودية. يأمل الفيلم -رغم مصدر روايته الاستشراقي القديم المثير للريبة- في تقديم قصة أفضل من نسخة عام 1992 ذات الرسوم المتحركة، المحتوية -من منظور معاصر- على صور نمطية عنصرية حول المنطقة الإسلامية. شتيفان فايدنَر شاهد الفيلم لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Weidner

يعتبر التعامل بحرّية مع مادة قصة علاء الدين أمرًا تقليديًا (في الغرب): وذلك لأنَّ مصدر هذه الحكاية الأصلي بحسب الفهم المعاصر ليس اللغة العربية مطلقًا، بل اللغة الفرنسية. إذ يعود تاريخها إلى عام 1712 وهي موجودة في المجلد التاسع من كتاب "Les mille et une nuit"، الذي يُمثِّل أوَّل ترجمة لـ"ألف ليلة وليلة" إلى اللغة الفرنسية للمستشرق الفرنسي أنطوان غالان.

تعتبر حكاية علاء الدين واحدة من نصوص "ألف ليلة وليلة"، التي لا يمكن العثور لها على أي أصل عربي. وبحسب ما دوَّنه أنطوان غالان في دفتر مذكِّراته في عام 1709، فقد سمع عن "علاء الدين" في باريس من شخص مسيحي ماروني من حلب. وهذه القصة في إصداراتها المطبوعة اليوم طويلة بحجم رواية صغيرة. وهذا يطرح السؤال حول مدى مشاركة أنطوان غالاند في إخراج هذه القصة.

من المعروف أنَّ بعض الباحثين الأدبيين مقتنعون بأنَّ هناك عددًا من الزخارف الأوروبية الخيالية قد تسللت إلى جوهر القصة العربية. ولكن من الواضح على أية حال أنَّ القصة كانت بالفعل عند ظهورها الأوَّل في باريس عام 1712 قصةً هجينة - عملًا أدبيًا لقيطًا. وبالتالي من غير المفيد الحكم على تعديلاتها اللاحقة وترجماتها وتحويلاتها الدرامية بمعايير الإخلاص للأصل أو الإخلاص لمسرح الأحداث والبيئة، ناهيك عن النوايا الكامنة خلف رسائل مؤلف ما.

ولكن هذا يعني من ناحية أخرى: أنَّ استوديوهات والت ديزني تعاملت مع قصة علاء الدين تمامًا مثلما كان يتم التعامل معها دائمًا. فإذا كانت هناك قصة يتم التعامل معها بكلّ حرّية ولا توجد لها أية حقوق تأليف وحقوق نشر وهي مفتوحة أمام جميع أنواع السرقات الفكرية والانتحال، فإنَّ هذه قصة هي قصة علاء الدين بالذات. إذْ يكاد لا يوجد أي وسيط أدبي أو نوع سينمائي في الثلاثة قرون الماضية إلا وأعاد قولبة قصة علاء الدين بقالب جديد.

 

 

{بعض الباحثين الأدبيين مقتنعون بأن هناك عددًا من الزخارف الأوروبية الخيالية قد تسللت إلى جوهر قصة علاء الدين العربية.}

 

بين الانتحال والمحاكاة الساخرة والتعديل الحرّ

لقد سجَّل القرن التاسع عشر - إن أردتم التصديق أَم لا - عرض سبعة أعمال أوبرا ألمانية وعملين باللغة الفرنسية وعملين باللغة الإنكليزية وأوبرا باللغة الإيطالية وأوبرا باللغة الدنماركية. يعتبر فيلم الرسوم المتحرّكة المُنتَج من شركة والت ديزني في عام 1992 - وكذلك إصدار سنة 2019 مع ممثِّلين حقيقيين - أحدث تحديث لمادة هذه القصة الهجينة، التي لم يَعُدْ من الممكن التمييز فيها بين السرقات الفكرية والانتحال والمحاكاة الساخرة والتعديل الحرّ. فكيف يجب علينا أن نحكم على مثل هذه القصة إن لم يكن من خلال نجاحها (الجماهيري الواسع) الذي لا يمكن إنكاره؟

لقد كان من المعروف دائمًا أنَّ القصص والحكايات الخرافية الشرقية كانت مادة أدبية ترفيهية يمكن تسويقها بسهولة - وكان هذا هو السبب الذي جعل أنطوان غالان، الذي كان بالطبع المخترع الحقيقي لـ"ألف ليلة وليلة"، يجمع المزيد من القصص والحكايات العربية الشفوية عندما نفدت المخطوطات التي كان قد أحضرها معه من رحلاته في الشرق (بما فيها قصة عربية حقيقية تحمل العنوان نفسه). وبالمناسبة، لقد كان العرب المتعلمون في العصور الوسطى ينظرون بازدراء إلى هذه القصص وغيرها من القصص والحكايات الشعبية مثلما ينظر المتعلمون اليوم إلى فيلم والت ديزني.

وعلى الرغم من ذلك فها هو "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية" (CAIR) قد حذر من فيلم علاء الدين وأشار إلى أنَّ مادة هذه القصة - بحسب وصفه - مُتَجَذِّرة بعمق في العنصرية والاستشراق والإسلاموفوبيا.

ومع ذلك فقد بذل هذه المرة صنَّاع هذا الفيلم بحسب زعمهم جهودًا كبيرة من أجل تجنُّب الصور النمطية العنصرية، التي كانت لا تزال واضحة في فيلم الرسوم المتحرّكة المنتج في عام 1992. إذ لم تعد توجد في الفيلم إشارات صريحة إلى الإسلام، بصرف النظر عن أنَّ الأماكن تعتمد بوضوح على الأماكن التي نعرفها من العمارة الإسلامية. حيث تشير الأبراج العديدة إلى المآذن، ويشبه قصرُ السلطان كنيسة آيا صوفيا (في إسطنبول).

الشرق كمكان للحنين والشوق

ولكن هل هذا سيّءٌ في حدِّ ذاته أم أنَّ له أيضًا أثرًا سلبيًا فقط؟ صحيح أنَّ هذا الشرق الخيالي يمثِّل عالمًا آخر غريبًا، غير أنَّه ليس عالمًا نخشاه ونواجهه بالإسلاموفوبيا، بل هو وعلى العكس من ذلك عالمٌ نشتاق إليه. وإن لم يكن الأمر كذلك فإنَّ منظمي الرحلات السياحية لن يستطيعوا الدعاية إلى موضوعات مشابهة، وكذلك لن تتمكَّن شركة والت ديزني من إشباع الرغبات الطائشة لجمهور السينما العالمي. لقد كان الشرق ولا يزال مكانًا للشوق - على على الأقل بالنسبة للغرب. وهذا لا يمكن اعتباره بأية حال من الأحوال موقفًا سلبيًا.

وبالمناسبة هذا الفيلم الجديد مبالغٌ فيه إلى درجة أنَّه لم يعد يبدو نمطيًا وحسب، بل يبدو في الوقت نفسه كمحاكاة ساخرة غامزة للصورة النمطية عن الشرق - إن لم نقل إنَّها إشارة بالغة الوضوحية بصورة غير مباشرة. يمكن ملاحظة ذلك في فيلم سنة 2019 المصوَّر مع ممثِّلين حقيقيين أيضًا من خلال حقيقة أنَّهم لا يمثِّلون أدوارهم فقط، بل يمثِّلون شخصياتهم باستمرار أيضًا: على سبيل المثال الممثِّل ويل سميث في دور جنِّي يُغنِّي موسيقى الراب.

زد على ذلك أنَّ علاء الدين ليس مجرَّد بطل القصة المحبوب، بل إنَّ اسمه يبيِّن وبكلِّ وضوح أنَّه مسلمٌ وعربي. ربما يكون قد تم صبغه - مثلما يقول النقَّاد - بأسلوب الشاب الأمريكي الأبيض، إلَّا أنَّه يبقى بطل عالم خيالي، لا أحد فيه فوق العرب والمسلمين. ولذلك فإنَّ أية محاولة من أجل استغلال هذه القصة لأهداف عنصرية ستكون - بسرعة كبيرة - محاولة محدودة.

إصابة نقطة حساسة

ومع ذلك فقد أصابت انتقادات "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية" نقطةً حسَّاسة، وذلك من خلال إشارته إلى أنَّ مادة قصة علاء الدين في حدِّ ذاتها تطرح بالفعل الصور النمطية العنصرية والاستشراقية. يعيش علاء الدين بحسب النسخة الأصلية في الصين، أمَّا الساحر الشرير، الذي يندمج في الفيلم مع الوزير الشرير (على العكس من نسخة غالاند)، فهو أفريقي. ما من شكّ في وجود عنصرية هنا، وذلك لأنَّ: لا العرب ولا الأوروبيين كانوا في القرن الثامن عشر ينظرون باحترام كبير إلى الأفارقة السود. وبالمناسبة حتى اليهود توجد لهم ببساطة صورة سيِّئة في النسخة الأصلية.

 

صورة من نسخة فيلم 2019  "علاء الدين والمصباح السحري" - بطوله الممثل الأمريكي ويل سميث.
Die Fallstricke des Aladdin-Stoffs holen jetzt auch Hollywood ein: "Dieser Film ist so überdreht, dass es nicht mehr nur klischeehaft erscheint, sondern zugleich die augenzwinkernde – um nicht zu sagen: mit dem Zaunpfahl winkende – Parodie des orientalistischen Klischees. In der neuen Version mit den echten Schauspielern merkt man es auch daran, dass diese nicht nur ihre Rollen, sondern stets auch sich selbst spielen: etwa Will Smith als rappender Flaschengeist", schreibt Weidner.

 

{التعامل مع مادة قصة علاء الدين تقليدي في الغرب لأن مصدر الحكاية ليس اللغة العربية بل اللغة الفرنسية، إذ يعود تاريخها إلى عام 1712 لكتاب فرنسي يُمثِّل أول ترجمة لـ"ألف ليلة وليلة" إلى اللغة الفرنسية للمستشرق الفرنسي أنطوان غالان.}

 

إنَّ العنصرية الفعَّالة في مادة هذه القصة مثلما هي الحال في العديد من مواد القصص والحكايات القديمة، ليست غربية أو استشراقية بشكل خاص، بل هي كذلك عربية وإسلامية بطبيعتها. ولذلك يجب علينا أن نعترف بوجود عنصرية في مادة قصة علاء الدين، ولكن يجب علينا الاعتراف أيضًا بأنَّ هذه العنصرية ليست خاصية من خصائص الثقافة الغربية، حتى لو ظهر في يوم ما أنَّ قصة علاء الدين هي مجرَّد اختراع من المستشرق أنطوان غالان. إذ إنَّ التاريخ العربي والإسلامي يظهر فيه ما يكفي من التحفُّظات العنصرية والصور النمطية المتعلقة بالأفارقة واليهود، الموجودة أيضًا في قصص "ألف ليلة وليلة"، التي لها بوضوح أصول عربية.

ولذلك فإنَّ تصوير فيلم علاء الدين لا يبدو مناسَبة صحيحة من أجل أن نضرب هوليوود بمدافع انتقادية ثقافية كبيرة. بدلًا من ذلك يجب علينا أن نسأل أنفسنا إلى أي مدى فقدنا القدرة على تحمُّل الغموض وماذا فَعَل بنا عقدان من الحرب على الإرهاب طالما أنَّنا بتنا نستغل مثل هذا الفيلم كفرصة من أجل محاسبة الذات.

على الرغم من بشاعة العنصرية والصور النمطية دائمًا في الفنّ، لكن يبدو من المنطقي أكثر أن تتم محاربة العنصرية الموجودة على أرض الواقع في حياتنا اليومية، بدلًا من محاربة تلك العنصرية الموجودة في القصص والحكايات القديمة.

 

 

شتيفان فايدنَر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de

 

 

شتيفان فايدنَر باحث في العلوم الإسلامي. يصدر له قريبًا كتابه: "ألف كتاب وكتاب - آداب الشرق"، عن دار نشر إديتسيون كونفيرسو.