شعائر الحزن الشيعية على الحسين في لبنان
تقام كل سنة في منطقة النبطية أهم تظاهرات ذكرى عاشوراء في لبنان. ومن طقوسها شعيرة التطبير (الإدماء) المعبرة عن الحزن والمثيرة للجدل. وخلالها تنزف دماء كثيرة من الرجال حين يضربون رؤسهم بأدوات حادة ويجرحونها. ورغم أن كبار رجال الدين الشيعة يدينون ممارسة التطبير، إلا أن العديد من الشيعة يقومون به إحياءً لذكرى وفاة الإمام الحسين. المراسلة الصحفية الفرنسية-اللبنانية مايا أوتفوي تصحب موقع قنطرة في شعائر الحزن الشيعية في لبنان.

الممثلون -الذين يعيدون تجسيد معركة كربلاء- مجتمعون خلف مسرح العرض. ويلعب هؤلاء الرجال (على الصورة) أدوار الأمويين السنة الذين حاربوا جيش الحسين، وقاموا في نهاية المطاف بقتله. ومن خلال تجسيد عملية الإعدام يلمّح الممثلون بتهكم إلى مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" السنة (داعش)، الذين أدخلوا اليوم الرعب إلى المنطقة عبر قطع رؤوس الرهائن والمقاتلين الخصوم.

يشارك في عرض تجسيد معركة كربلاء (التَعْزِية) ممثلون محترفون والخيول أيضاً. فلمدة عشرة أيام حاصرت جيوش الأمويين -التي قدمت من دمشق- مخيم الحسين قرب كربلاء وقتلت تقريبا كل أفراد هذه العائلة من آل الرسول محمد. وتم الاحتفاظ بهذه اللحظة الحاسمة في التاريخ لأكثر من ألف سنة للأجيال اللاحقة من خلال محاكاتها.

كما يظهر في هذه الصورة، تخرج مجموعات من الرجال إلى الشوارع للقيام بالتطبير. بعدها يقومون لساعات عديدة بحركات متمايلة وانحناءات شديدة لرؤوسهم ذهابا وإيابا، ويمكن رؤية التعزية كذلك. ويشكّل كل من التعزية والتطبير المعنى المزدوج لعاشوراء: الحزن على الشهيد الحسين في كربلاء، وطلب المغفرة نظرا للتقاعس عن مساعدته.

أسفل إحدى صورة زعيم حزب الله حسن نصر الله يضرب الشبان على صدروهم العارية ويصرخون "حيدر" (وهو اسم آخر للإمام علي)، كما يصرخون بأسماء أفراد عائلته الذين ضحوا بأنفسهم في كربلاء. وفي الليلة قبل عاشوراء 2014 ناشد زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، الذي يظهر نادراً، أتباعه بتعزيز الولاء للحسين الذي وقف في وجه ثلاثين ألف رجل في معركة كربلاء.

مواكب الرجال -النازفة دماؤهم والسائرون على الأقدام- تطوف حول الساحة التي تتم فيها التعزية. سيكولوجية السياسة الشيعية تأثرت بشكل قوي بتاريخ الحسين. وفي لبنان، يُفهم من حديث حسن نصر الله -عن "المقاومة ضد جيش العدو" التي جاءت في خطابه- على أنها إشارة مباشرة إلى التدخل العسكري لحزب الله في سوريا.

ترتدي النساء الشيعيات ملابس كأفراد من عائلة حسين، ويمشين في الشوارع حاملات للافتات بأسماء علي والحسين. ورغم أن النساء لا يشاركن غالباً في طقوس التطبير الرجالية التي تنزف فيها الدماء، لكنهن يلعبن دوراً مهما خلال شعائر الحزن على الحسين، التي تدوم عشرة أيام وتبلغ ذروتها في يوم عاشوراء. وتجتمع النساء بملابس الحداد السوداء ليلاً ويتنهدن ويبكين، في الوقت الذي يلقي فيه علماء الدين خطباً حول تاريخ الشيعة.

في الحسينية (وهي قاعة خاصة بإقامة الشعائر الشيعية) -حيث يبدأ التطبير- يصرخ الأطفال، بسبب حلق شعر رؤوسهم الأمامي. ويتم القيام بذلك حين يبلغون ثلاثة أعوام من العمر، نظرا للاعتقاد بأن ذلك يغرس حب الحسين في نفوسهم ويعزز ارتباطهم به طيلة حياتهم. ويتم جرح بضعة سنتيمترات على طول سطح رأس الطفل بواسطة شَفرة حلاقة حادة من قبل الأقارب أو الفقهاء عادةً. غير أن ذلك لا يتسبب في إصابات خطيرة.

يقوم المشاركون في الغالب بحركات عنيفة برؤوسهم، لكي يتواصل الدم في التدفق، ولتصبح ثيابهم البيضاء مصبوغة باللون الأحمر. وثمة رجلان يقفان وعليهما دماء كثيرة وهما في حالة تشبه الإعياء في موكب التطبير. وفي الخلف يراقب الجنود اللبنانيون الحشود الحاضرة.

وحين تنهي مجموعات التطبير صباحاً جولاتها حول ساحة التطبير (الحسينية)، تكون كل أرجاء الحسينية مغطاة بالدم. غير أن الأمطار سقطت هذا العام 2014 خلال ذكرى عاشوراء، الأمر الذي ساعد في أن تكون الشوارع نظيفة، لكن الأمطار تركت سيولاً وبركاً من الدماء في كل أنحاء المدينة. تصوير وإعداد: مايا أوتفوي - ترجمة: عبد الرحمان عمار- حقوق النشر: قنطرة 2014



