ألمانيا...المكان الأمثل لمحاكمة الأسد وشبيحته

رفع ستة محامين ألمان دعوى جنائية ضد الحاكم السوري بشار الأسد بتهمة ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. قد يبدو هذا ساذجًا، لكنه في الواقع خطوة طال انتظارها في سياق تطبيق القانون الدولي. كريستين هيلبيرغ تبين لموقع قنطرة لماذا ألمانيا هي المكان الأمثل لمحاكمة الأسد وشبيحته.

الكاتبة ، الكاتب: Kristin Helberg

منذ عدة أعوام يستطيع نظام الأسد في سوريا أن يفعل ما يريد - مثل التعذيب حتى الموت والتجويع وقصف المستشفيات وكذلك قتل الأطفال بالغازات السامة - من دون الخوف من أية عواقب. ولذلك فإنَّ الادِّعاء على الرئيس السوري بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدَّ الإنسانية يبدو كأنَّه فكرة بديهية، كان لا بدَّ من القيام بها في وقت سابق.  بيد أنَّ حدود تطبيق القانون الدولي في حالة سوريا باتت واضحة. حيث لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تمارس عملها هناك، لأنَّ دمشق لا تعترف بها، كما أنَّ روسيا والصين تمنعان في مجلس الأمن تقديم الأسد إلى محكمة لاهاي. وحتى أنَّ ما تعرف باسم المحاكم المختلطة، التي يعمل فيها رجال قانون محليون ودوليون في مكان مناسب (مثلما حدث ذلك حتى الآن مثلاً في سيراليون وكمبوديا ولبنان)، تحتاج موافقة الأمم المتَّحدة. إبادة جماعية بطيئة والآن هناك مجموعة من المحامين الألمان الذين سئموا من مراقبة ما يحدث في سوريا. يصف محمد دايماغولر ما يحدث في حلب على أنَّه "إبادة جماعية بطيئة". وهو واحد من ستة محامين تقدَّموا بشكوى جنائية ضدَّ بشار الأسد في ألمانيا. وقد سجَّل هؤلاء المحامون إحدى وأربعين قضية، وقعت في مدينة حلب في الفترة بين السادس والعشرين من نيسان/أبريل والتاسع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2016. وحول ذلك يقول المحامي محمد دايماغولر: "اقتصر عملنا على هذه الأحداث بالذات، لأنَّها موثَّقة بشكل جيِّد". وفي الواقع توجد أدلة بما فيه الكفاية على الفظائع المرتكبة في سوريا. فالمنظمات غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تثبت بانتظام وجود حالات محدَّدة من المجازر وجرائم الحرب. والنظام ليس المسؤول الوحيد عن هذه الجرائم، بل إنَّ جميع الأطراف المتحاربة في سوريا تخرق القانون الدولي. ولكن أعمال عنف الأسد ممنهجة: فهي تصدر بأوامر يتم تنفيذه وتوثيقها من قبل جهات رسمية. حيث يوجد جهاز دولة برمَّته منشغل في إبادة الأهالي - وهذا يفسِّر الاختلافات الكبيرة في عدد الضحايا. وبحسب معلومات الشبكة السورية لحقوق الإنسان SNHR فإنَّ النظام هو المسؤول في الفترة بين آذار/مارس 2011 وتشرين الثاني/نوفمبر 2016 عن أكثر من اثنين وتسعين في المائة من عدد القتلى المدنيين، وستة وثمانين في المائة من عدد الأطفال المقتولين، وتسعة وتسعين في المائة من الذين تعرَّضوا للتعذيب حتى الموت، وثمانين في المائة من قتلى أفراد الطواقم الطبية.

Mehmet Daimagüler; Foto: DW
Als „Völkermord in Zeitlupe“, bezeichnet Mehmet Daimagüler das, was in Aleppo passiert. Er ist einer von sechs Anwälten, die in Deutschland Strafanzeige gegen Baschar al-Assad gestellt haben. 41 Fälle haben die Juristen zusammengetragen, die zwischen dem 26. April und dem 19. November 2016 in Aleppo stattfanden.

المصوِّر السوري قيصر - ألبوم صور لأعمال وحشية في شهر شباط/فبراير 2016 اتَّهمت لجنة الأمم المتَّحدة لتقصي الحقائق في سوريا الحكومة السورية بارتكاب "إبادة جماعية بحقّ المدنيين". كما أنَّ الصور البالغ عددها أكثر من ثلاثة وخمسين ألفًا، التي تمكَّن المصوِّر العسكري السابق المعروف باسم قيصر من تهريبها إلى خارج سوريا في عام 2013، تقدِّم أدلة لم تشاهد النيابة العامة في محاكم الحرب السابقة ما يشبهها قطّ. ومن جانبها قامت لجنة العدالة والمساءلة الدولية Cija، وهي منظمة غير حكومية مكوَّنة من محقِّقين سابقين في المحاكم الدولية، بخطوة أبعد. فقد هرَّبت وثائق رسمية إلى خارج سوريا من أجل إثبات التسلسلات القيادية. ففي آخر المطاف يجب في المحكمة ألاَّ يتم فقط إثبات وقوع الجرائم ضدَّ الإنسانية، بل يجب أيضًا وقبل كلِّ شيء إثبات هوية الذين أمروا بارتكابها. وتحتفظ لجنة العدالة والمساءلة الدولة بأكثر من مليون وثيقة في أماكن سرية، وقد تم إنجاز الملفات الأولى بأسماء المشتبه بهم، كما أنَّ هذه الملفات تنتظر الآن محكمة على استعداد للنظر في هذه القضايا. وفي الوقت الراهن يمكن فقط للمحاكم الوطنية أن تهتم بهذا الأمر. وهذه المحاكم لديها ثلاثة احتمالات لبدء التحقيقات. أولاً: إذا ارتكب مواطن من البلد التابعة له المحكمة جريمة في سوريا - على سبيل المثال الجهاديون الألمان في جماعة تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابية. ثانيًا: إذا أصيب مواطنوها بأضرار في سوريا - مثلما هي الحال مع رجلين فرنسيين من أصل سوري (أبٌ وابنه)، تم اعتقالهما في دمشق في عام 2013 ومنذ ذلك الحين لم يعد لهما أي أثر. وقد بدأت محكمة في باريس التحقيق في قضيتها منذ شهر تشرين الأول/كتوبر 2016.  وثالثًا: إذا كانت هذه الجرائم بالغة الخطورة، بحيث أنَّها تثير اهتمام العالم كله - مثل الجرائم المذكورة في الفقرة الأولى من القانون الجنائي الدولي، أي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضدَّ الإنسانية. غير أنَّ هذه الحالة الأخيرة لا تسير إلاَّ في بلدان مثل ألمانيا، تعترف بما يعرف باسم مبدأ الولاية القضائية العالمية.

[embed:render:embedded:node:25888]

قضية مهمة للغاية على الأرجح أنَّ الأسد لن يضطر قطّ للمثول أمام محكمة ألمانية. ولكن مع ذلك فإنَّ توبي كادمان، وهو محامٍ من بريطانيا مختص في القانون الجنائي الدولي، يصف هذه القضية بأنَّها "مهمة للغاية"، وذلك لأنَّها مثلما يقول هي الأولى من نوعها. وتوبي كادمان يقوم منذ عدة أعوام بتأمين الأدلة على الجرائم المرتكبة في سوريا وقد تألم أيضًا بمعاينة صور المصوِّر السوري قيصر - التي تُعَدُّ "أسوأ" ما شاهده على الإطلاق.  وبالاستناد إلى ملف المصوِّر قيصر يعمل مكتبه على البدء بمحاكمة جنائية في بلد أوروبي، لا يريد ذكره حتى الآن. ويقول توبي كادمان كلما زادت التحرِّيات كان ذلك أفضل، حتى لا يتم جمع الأدلة والاستماع إلى الشهود بعد عشرة أعوام، بل الآن. وكذلك ليزداد الضغط على المجتمع الدولي من أجل وضع حدّ للإبادة الجماعية المستمرة في سوريا. وألمانيا هي المكان الأمثل من أجل هذه المحاكمة، وذلك بسبب عدم وجود أي مكان في الغرب يعيش فيه هذا العديد الكبير من السوريين مثلما هي الحال في ألمانيا - حيث يعيش نحو نصف مليون من اللاجئين المحتملين كشهود على الفظائع المقترفة في وطنهم سوريا. والمحامون يستمعون كلَّ يوم للكثيرين من هؤلاء السوريين، عندما يُمَثِّلونهم في إجراءات لجوئهم في ألمانيا. ومن هنا جاءت الرغبة في استخدام هذه البيانات لتقديم شكوى ضدَّ الأسد. ضرورة وجود نظام عدالة انتقالية ووجود السوريين هنا في ألمانيا يتيح فرصتين. أولاً: يجب أن يشارك السوريون في المحاكمات القانونية في أسرع وقت ممكن، لكي يتمكنوا بعد انتهاء الحرب في سوريا أيضًا من معالجة هذه الجرائم. "يجب على السوريين تطوير نظام عدالة انتقالية"، مثلما يقول توبي كادمان. إذ إنَّ هذا الحجم الهائل من الجرائم لا يمكن البت فيه أمام محكمة دولية واحدة، بحسب قول توبي كاديمان:  "حتى في محكمة لاهاي سيتم في يوم ما اختيار بعض القضايا الفردية فقط"، بحسب تعبير المحامي توبي كاديمان. أمَّا جميع القضايا الأخرى، وهذا يعني قضايا مئات الآلاف من السوريين، الذين اختفى أقاربهم وذووهم، أو تعرَّضوا للتعذيب حتى الموت أو تم قتلهم، يجب أن تستمع لهم المحكمة في سوريا، وإلاَّ فإنَّ هذا البلد لن يهدأ أبدًا، مثلما يقول توبي كادمان: "من دون العدالة لا توجد مصالحة ولا استقرار ولا سلام".

Folteropfer aus Aleppo; Foto: Getty Images/AFP/J. Lawler
Krieg und Folter gegen das eigene Volk: Ermittler der Vereinten Nationen hatten der Regierung des syrischen Präsidenten Baschar al-Assad bereits im Februar 2016 Verbrechen gegen die Menschlichkeit vorgeworfen. Tausende Häftlinge seien in den vergangenen vier Jahren in Haft gestorben, erklärte das Gremium. Dies komme einer Vernichtung der Zivilbevölkerung gleich. Den islamistischen Rebellengruppen IS und Nusra-Front warfen die Experten zudem Kriegsverbrechen vor. So seien Hinrichtungen und die Folter von Gefangenen belegt.

والفرصة الثانية تكمن في حقيقة أنَّ السوريين الذين لجؤوا إلى ألمانيا لا يوجد من بينهم ضحايا فقط، بل يوجد من بينهم جناة أيضًا: مثل المسؤولين في أمن الدولة السوري أو الجيش السوري أو الميليشيات الأجنبية الموالية للأسد. إذا تمت إدانتهم بنجاح هنا في ألمانيا، فمن الممكن حينئذ أن يبني مواطنوهم الثقة في المؤسَّسات والإجراءات القانونية. وعلى الرغم من وجود العديد من الدلائل التي تشير إلى وجود أفراد من ميليشيات الشبيحة المختفين عن الأنظار في ألمانيا، لكن حتى الآن لم يتسنى رفع دعوى جنائية في أية قضية. والأفراد الوحيدون، الذين يمثلون بانتظام أمام المحكمة، هم من الجهاديين الألمان بعد عودتهم من سوريا. وكون شبيحة الأسد يتمتَّعون باللجوء في ألمانيا ويتجوَّلون بحرِّية، فهذا وضع لا يطاق بالنسبة للكثيرين من السوريين. ولهذا السبب أيضًا فإنَّ هذه الشكوى الجنائية ضدَّ حاكم سوريا تحمل الرسالة الصحيحة: نعم، لقد فهمنا أنَّ الأسد لا يعتبر أهون الشرَّين، بل هو مجرم حرب. وتنظيم "الدولة الإسلامية" ليس هو الوحيد الذي يقتل معظم المدنيين في سوريا، بل النظام الحاكم في دمشق (وروسيا قتلت حتى الآن مدنيين أكثر ممن قتلهم تنظيم "الدولة الإسلامية" وجبهة النصرة معًا). وهذا الزعيم المُدَّعى عليه هنا في ألمانيا بتهمة ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية، لن نجعله شريكًا لنا في محاربة الإرهاب. كريستين هيلبيرغترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2016ar.Qantara.de