شيخ الأزهر: الإرهاب صنيعة عالمية أُلصق بالإسلام في وعي الغرب ولم يستهدف غير المسلمين إلا استثناءً

يؤكد أحمد الطيب شيخ الأزهر أن "الإرهاب" الذي "أُلصِق" بالإسلام "دون غيره" من الديانات الأخرى ليس "صناعة عربية إسلامية خالصة"، معتبرا أن "إمكانات المنطقـة (العربية) التقنيَة والتـدريبيَة والتَسليحيَة لا تَـكفي لتفسير ظهـور هذا الإرهاب ظهورا مباغتا بهذه القوَة الهائلة التي تمكنه من التنقل والتحرك واجتياز حدود الدول".

وقال الطيب ، في خطاب ألقاه يوم الأربعاء  10 / 10 / 2018 في افتتاح المؤتمر السادس لـ"زعماء الأديان العالمية والتقليدية" في أستانا عاصمة كازاخستان: "أطَلَّ القرن الحادي والعشرون فجاء امتدادا لنوع آخر من الحروب، هي حروب  الإرهاب، وسرعان ما ألصق اسم الإرهاب بالإسلام وحده من بين سـائر الأديان، وبالمسلمين وحدهم من بين سـائر المؤمنين بهذه الأديان". 

وأضاف: "يحزنني كثيرا... أن أقول إنَنا كدنا نصَدق هذه الأكذوبة الماكرة. وقد أهدَرْنا كثيرا من الجهد والطَاقة فيما يشبه الدفاع عن الإسلام، وتَبرئته من تهمَة الإرهاب مع أنَ المقام ليس مقام دفاع بقَدر ما هو مقام فضح للنوايا السَيئة والحمَلات الإعلاميَة الممَنهَجة التي أفلَحت - نعم أفلحت، وأقولها بكل أسى ومرارة- في أن تربط في وعي جماهير الغرب بين الإسلام والإرهاب، والمسلمين والوحشية والبربرية ، واستطاعت أن تروعَ شباب العالَم وأطفاله ونساءه ورجاله من هذا الدين".

ورأى أن "إمكانات المنطقـة (العربية) التقنيَة والتـدريبيَة والتَسليحيَة لا تَـكفي لتفسير ظهـور هذا الإرهاب ظهورا مباغتا بهذه القوَة الهائلة التي تمكنه من التنقل والتحرك واجتياز حدود الدول، والكَر والفَر في أمان تام، ممَا يحملنا على الشَك، كل الشَك في أن هذا الإرهاب الذي وُلدَ بأسنان وأنياب ومخالب (هو) صناعة عربيَة إسلاميَة خالصة".

وتابع: "نقول هذا ونحن نعترف بأن المسرح فعلا مسرح عربي إسلامي، وأنَّ اللاعبينَ مسلمون وعَرَب، لكننا نرتاب كثيرا في أن يكون أي من نص المسرحية وإخراجها عربيا خالصا أو إسلاميا خالصا".

ولاحظ أن الإرهاب "الذي مارس جرائمه البشعة تحت لافتة الإسلام، استهدف المسلمين رجالا ونساء وأطفالا، ولم يستهدف غيرهم إلَا استثناء من قاعدته التي روَع بها المنطقة العربيَة بأسرها من أقصاها إلى أقصاها، واستهدف قطع رؤوس المسلمين وحدهم في صـور بشعة نكراء مقترنة بصيحـة (الله أكـبر) ليترسَخ في وجـدان الآخرين أن هذا هو دين الإسلام، وأن الصبر عليه وعلى المؤمنين به لم يعد محتمـلا، وأنَ سـياسـات عالميَة جـديدة يجـب أن تَنزلَ على الأرض لتغير هـذه الأوضاع الوحشية".

واعتبر الطيب أن الإرهاب "صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضَلَت الطَريق وفَقَدَت الإحساس بآلام الآخرين من الفقَراء والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدونَ سبيلا".

ومضى يقول: "هذا التفسير يكشف لنا عن سر استقطاب جماعات الإرهاب طائفة من الشَباب في أوروبا لم يعرف لهم ولا لعائلاتهم سابقة في التدين أو الالتزام بأحكام الشَريعة".

وذكر أن نتائج إحدى الدراسات أظهرت أن "أغلبية الشباب المجنَدين من الشباب الأوروبي في العراق وسوريا ليسوا من المتدينين". وخلص إلى أن "القضية ليست قضية شباب مسلم وجهـاد إسـلامي، وإنما هي قضيــة الظلم والتَهميـش، والإحســاس بالدونيَة وانتقَاص الحـقوق، أو قَسـوَة الاغـتراب النَفسي عند بعض الشباب، نتيجة فراغ الحضارة المعاصرة من قيَم الدين وأخلاقياته وتعاليمه".

وقال الطيب إن "المسؤولينَ عن السياسة الدوليَة أنفَقوا تريليون ونصف تريليون دولار على الحروب المندَلعة في أفغانستان والعراق وسوريا في الفـترة من 11 أيلول/ سـبتمبر 2001 وحتى 31 آذار/ مارس 2018 ـ و إن هذا  المبلغ يعادل ميزانيَة دولة كبرى مثل ألمانيا لمـدَة خمس سَنوات". وتساءل الطيب :"لماذا؟ ولمصلحة مَن؟ وهل كان يسمَح بإنفاق عشر معشار هذا الرَقم لمصلحة الشعوب البائسة المحتاجة، ولمحاربة الفَقر والمرَض والجهل؟ ومن أجل الجوعى والمشرَدين والمهجرين من بيوتهم وأوطانهم رغم أنوفهم، في ميانمار وفي القدس وغيرهما؟".

وبحث المؤتمر السادس لـ"زعماء الأديان العالمية والتقليدية" الذي تواصل لمدة يومين، تعزيز دور القيادات الدينية في استتباب "الأمن الدولي"، من خلال مكافحة التطرف الديني المؤدي إلى الإرهاب، ونبذ الكراهية والعنف، بحسب المنظمين. 

ويحظى المؤتمر بدعم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي أقرت السنوات العشر ما بين 2013 و2022 "عقدا دوليا للتقارب بين الثقافات" وذلك باقتراح من كازاخستان. وبحث المؤتمر مواضيع مثل "دور الزعماء الدينيين والسياسيين في التغلب على التطرف والإرهاب" و"الأديان والعولمة: التحديات والمواجهات". وشهدت السنوات الماضية تنامي ظاهرة الإرهاب وبروز تنظيمات تستخدم الدين ذريعة لارتكاب فظائع مثل تنظيم داعش.

وفي عام 2017، وقعت هجمات إرهابية في مئة دولة حول العالم، بحسب التقرير السنوي لمكافحة الإرهاب الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في 19 أيلول/سبتمبر 2018. ووقع 59 بالمئة من هذه الهجمات في خمسة بلدان هي أفغانستان والهند والعراق وباكستان والفلبين. كما وقع 70 بالمئة من جميع الوفيات الناجمة عن هجمات إرهابية في  أفغانستان والعراق ونيجيريا والصومال وسوريا، وفق التقرير. 

وتقدم كازاخستان، وهي جمهورية سوفيتية سابقة وموطن لأكثر من 130 عرقا إثنيا وأكثر من 40 طائفة دينية، نفسها كنموذج للتعايش السلمي بين الديانات والأعراق. وتطمح كازاخستان للتحول إلى "مركز دولي للحوار بين الأديان". د ب أ