لبنان في أعقاب الانفجار في مرفأ بيروت.

صدمة ما بعد انفجار مرفأ بيروت في لبنان
صرخة من أعماق الروح اللبنانية

انفجار صدم لبنانيين بحثوا على إثره عن فرص للعلاج الجسدي والنفسي في ظل مغادرة أطباء للبلد ونقص الأدوية وارتفاع أسعارها. ديانا هودالي تحدثت إلى بعض اللبنانيات.

استغرق الأمر وقتا طويلا، لكن الآن بإمكان ميرا أن تتحدث عمَّا عايشته.

ففي يوم الانفجار المروع لمرفأ بيروت، كانت تجلس في مقهى على الجانب الآخر من حوض الميناء.

"فجأة سمعنا انفجارا مدويا، وتساقطت النوافذ وكان الجميع يبحثون عن مأوى على الأرض"، تحكي ميرا.

كان ذلك في الرابع من أغسطس/ آب 2020.

في ذلك الوقت، تطايرت في سماء الميناء نيران 2750 طنا من نترات الأمونيوم، كانت مخزنة بشكل غير آمن هناك، وهو ما أودى بحياة أكثر من 200 شخص وتسبب في إصابة الآلاف.

تقول ميرا، التي لا تريد ذكر اسمها الحقيقي: "منذ ذلك الحين بالنسبة لي، لم يعد هناك شيء كما كان من قبل. يتملكني الخوف عندما أسمع أصواتا عالية وعندما يتصاعد الدخان في أي مكان؛ أبحث فورا عن الحماية في غرف بالداخل".

ولا يغيب عن بالها بشكل خاص المصير المأساوي لسيدة إطفاء شابة، لم تتمكن من النجاة من الانفجار آنذاك.

"أفكر فيها كثيرا. كانت، مثلي في ذلك الوقت، مخطوبة وأرادت الزواج".

 

مستشفى في بيروت - لبنان.  Krankenhaus in Beirut; Foto: AP
تفاقم معاناة اللبنانيين مع خفض الحكومة لدعم الأدوية: أنفق كثير من اللبنانيين جزءا كبيرا من رواتبهم على أدوية قد تكون لا غنى عنها لأنفسهم وأحبائهم، لكن ذلك كان يحدث إلى أن قلصت الحكومة اللبنانية، التي تعاني ضائقة مالية شديدة، هذا الأسبوع دعمها للأدوية. فقد أصبحت أسعار تلك الأدوية تلتهم معظم دخلهم في وقت يعاني كثيرون منهم من أمراض مزمنة ولا يمكنهم الحصول عليها بأسعار معقولة.

 

مصير تلك الشابة انتشر في جميع وسائل الإعلام اللبنانية في ذلك الوقت ولا يزال يمس ميرا حتى يومنا هذا: "لطالما أردت الانضمام إلى فرقة المتطوعين بفوج الإطفاء. لكن والدَيَّ منعاني من القيام بذلك".

ومنذ ذلك الحين، تشعر ميرا بنوع من الذنب، على الرغم من أنها لم تكن تعرف الشابة شخصيا: "ضميري يؤنبني لأني نجوت".

 اكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة

 

كانت صور الانفجار التي وصلت إلى جميع أنحاء العالم في ذلك الوقت صادمة بالنسبة لكثيرين.

وعلى الرغم من إعادة بناء بعض الأشياء وإصلاحها في الشوارع المحيطة بمنطقة الميناء، إلا أن الجروح الداخلية ماتزال لا تريد أن تلتئم لدى العديد من اللبنانيين بعد عام ونصف العام من الواقعة.

وتقول الشابة البالغة من العمر 30 عاما: "لدي العديد من الأصدقاء الذين يطلبون الآن المساعدة النفسية".

جوزيف خوري، أستاذ الطب النفسي ورئيس الجمعية اللبنانية للطب النفسي، يقول إنه على الرغم من عدم وجود دراسات استقصائية حول تطور المرض النفسي في لبنان، إلا أنه يمكن ملاحظة توجه نحو الزيادة.

"في العامين الماضيين، قدمت إلينا أعدادا متزايدة من الناس للحصول على المساعدة من الأطباء النفسيين أو علماء النفس أو المعالجين.  وعزا العديد منهم مشاكلهم، مؤقتا على الأقل، إلى ذاك الوقت أو إلى الأحداث التي وقعت خلال ذاك الوقت. كما شهدنا زيادة في الاضطرابات النفسية اللاحقة للصدمة الناجمة عن الانفجار الذي وقع في بيروت".

الأزمات يمكن أن تكون محفزا للمرض

 

غير أن خوري يشدد أيضا على أنه ليس من الممكن دائما تحديد سبب معين للأمراض النفسية وأنه ليس بالضرورة دائما أن يكون مرتبطا بمختلف الأزمات في البلد.

لكن عدم الاستقرار السياسي وجائحة كورونا والمخاوف الاقتصادية بشكل فردي أو مجتمعة يمكن أن تكون عوامل ضغط تعزز الأمراض النفسية مثل الاكتئاب أو القلق، كما يقول خوري.

تطارد لبنان الأزمة تلو الأخرى، فالبلد يقترب بشكل خطير من الإفلاس.

فقد فقدت الليرة اللبنانية، التي كانت مرتبطة بالدولار لمدة ثلاثين عاما، حوالي تسعين في المائة من قيمتها في العامين الماضيين.

ويتحدث البنك الدولي في تقريره الأخير، مرصد لبنان الاقتصادي، عن واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث على مستوى العالم.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك جائحة كورونا وارتفاع معدلات البطالة: فأربعة من كل عشرة لبنانيين بدون عمل.

وقد اضطرت العديد من المصانع والشركات بالفعل إلى إغلاق أبوابها ولا يحصل الناس على مدخراتهم بسبب الأزمة الاقتصادية.

مخاوف اللبنانيين بشأن المستقبل

 

كل هذا كان له تأثير على ميرا حتى قبل الانفجار.

ففي نهاية عام 2019، عندما كان الوضع الاقتصادي في دوامة هبوط بالفعل، لاحظت أن سلوكها الاجتماعي يتغير.

وتقول: "أصبح لدى مخاوف حول المستقبل وكيف يمكنني بناء حياة لنفسي في هذا البلد؟ كيف سيكون لدي أطفال في هذا البلد؟ لقد انسحبت أكثر وأكثر، وأحيانا لا أغادر غرفتي لأيام.

وتضيف "كنت على قيد الحياة فقط".

وأكمل عليها في نهاية المطاف تسميم كلبها لأنّ الأخبار المزيفة انتشرت في بداية الوباء بأن الحيوانات الأليفة يمكن أن تنقل الفيروس أيضا. 

وتقول: "كان ذلك صعبا جدا بالنسبة لي".

في تلك الأثناء، بدأت ميرا تجتمع مع الأصدقاء من جديد وتذهب إلى مقهى من وقت لآخر.

لكن الخوف من الضوضاء غير المتوقعة والدخان ظل قائما.

نقص الأطباء النفسيين في لبنان

 

صارحت ميرا أصدقاءها وسعت للحصول على نصائح من كل مكان.

وتقول: "حتى الآن، لم أجد طبيبا نفسيا. وأود أن أجد شخصا لديه خبرة في الصدمات النفسية".

وتوضح أن العديد من الأطباء النفسيين يقدمون خدماتهم عبر الإنترنت.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة