
لماذا تصدّر "الإسلاميون" انتخابات المغرب؟
يطرح حزب العدالة والتنمية، الإسلامي المغربي، نفسه حالةً جديرة بالدراسة، تحيّر الباحثين بمختلف مشاربهم. فهذا الحزب، منذ فُتح له الباب للمشاركة في الحياة السياسية "الشرعية"، نهاية تسعينات القرن الماضي، وهو يتقدّم بخطىً ثابتة وتصاعدية.
ففي العام الأول لمشاركته في الانتخابات عام 1997، حصل على 9 مقاعد في البرلمان، وارتفع العدد إلى 42 مقعدا عام 2002، ثم إلى 46 عام 2007، وقفز هذا العدد إلى 107 مقاعد عام 2011، وفي انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تصدّر الحزب مرة أخرى نتائجها، وحصل على 125 مقعدا.
وكان يمكن لهذا الحزب أن يحصد مقاعد أكبر، لولا بعض "الإجراءات" القبلية، التي جاءت أصلاً للحد من "اكتساحه" الانتخابات، من قبيل إعادة تقسيم بعض الدوائر الانتخابية، لتشتيت أصواتها، وخفض العتبة الانتخابية إلى 3%، بعدما كانت محددة في 6% في الانتخابات السابقة. وكان الغرض من هذا الإجراء "بلقنة" الساحة السياسية، بفتح الباب لأحزاب صغيرة، عل وعسى أن تساهم في تشتيت الأصوات.
وقُبيل بدء الحملة الانتخابية، أبطلت وزارة الداخلية نحو مائة ألف ناخب مسجل، بدعوى أن تسجيلهم تم عبر الإنترنت، لكن السبب الحقيقي لهذا الإلغاء أن حزب العدالة والتنمية هو من أقنعهم بالتسجيل، في إطار الحملة التي أطلقتها وزارة الداخلية لتشجيع المواطنين على المشاركة بكثافة في الانتخابات، وهذا الدور يسمح به القانون المغربي للأحزاب السياسية "الشرعية"، بل هذا هو أحد أهم الأدوار التي يحدّدها لها الدستور، أي تأطير المواطنين.

يضاف إلى ذلك أن "العدالة والتنمية" حصل على هذا العدد الكبير من المقاعد، على الرغم من الضربات القوية التي كانت تنزل عليه من جهاتٍ نافذة داخل الدولة العميقة، ومن أعلى سلطة في البلاد، وحملات التشويه الإعلامي التي شنتها ضده وسائل إعلام مقرّبة من السلطة، استهدفت رأسماله القيمي المبني على الأخلاق. وقُبيل الانتخابات، سمحت السلطة نفسها لمظاهرةٍ "مجهولةٍ" (لم يتبنّها أي فاعل سياسي في المغرب) للخروج إلى شوارع الدار البيضاء، تندد بما سمتها الشعارات التي رفعها المشاركون فيها بـ "أخونة الدولة وأسلمة المجتمع"، وهذه تهمٌ توجهها السلطة في الخفاء للحزب الإسلامي الذي قاد الحكومة المنتهية ولايتها، وكانت تواجهه بها الأحزاب السياسية المقرّبة من السلطة، وأصواتٌ تدور في فلكها.