كيف ينقذ اليمن إرثه المعماري بينما ينقصه الغذاء؟

معمار عربي إسلامي عتيق في صنعاء القديمة: تراث عالمي مهدد بالضياع إلى الأبد بسبب الأمطار وتغير المناخ وويلات الحرب. نظرة من الصحفي الألماني باول-أنتون كروغَر على مكامن خطر محدق بإرث اليمن المعماري.

الكاتبة ، الكاتب: Paul-Anton Kruger

عندما ينظر ماجد طعمة إلى منزله في مدينة صنعاء التاريخية القديمة وعاصمة اليمن، يشاهد مباشرة غرفة نومه السابقة. تجويفان في الجدار المطلي باللون الأبيض كان يمتد أمامهما السرير. عوارض خشبية مكسوة بملاط أبيض فوقها دعامات كانت تحمل الأسقف طيلة قرون. ولكن في شهر آب/أغسطس 2020 انهارت الواجهة وانهار الجدار الحامل وسقط أمام المنزل في الشارع.

وحول ذلك يقول ماجد طعمة إنَّ بوادر الكارثة كانت واضحة منذ فترة طويلة. وفي النهاية، عمل المطر على انهيار المنزل. كان الماء يتساقط من السقف ويسيل من الشقوق. ويضيف أنَّه تمكَّن من نقل أسرته إلى مكان آمن مع ما تبقى من ممتلكاتهم، وهي: بعض القِطَع من الأثاث وأواني الطبخ والملابس.

غير أنَّ هذا المنزل -الذي وُلِد فيه، مثل والده ووالد والده من قبل- قد تَدمَّر. وماجد طعمة لا يعرف إن كان سيتمكَّن من إعادة بنائه. وبعد الحادث بأسابيع لا يزال ركامُ الطين والطوب مكَّومًا في الشارع، وفيه أغطية بلاستيكية حاول بها من دون جدوى منع الانهيار الوشيك.

بقيت منازل الأبراج البنية اللون المبنية من الطين، بزخارفها البيضاء المميَّزة، خالدةً في المدينة منذ قرون من الزمن. غير أنَّ المزيج المُدمِّر من تغيُّر المناخ والحرب يمكنه أن يُدمِّر وإلى الأبد المجموعة المكوَّنة من ستة آلاف مبنى والمُصنَّفة منذ عام 1986 كموقع تراث عالمي، والتي تعتبر جوهرة فريدة من العمارة الإسلامية العتيقة.

أدى هطول الأمطار الغزيرة منذ عقود إلى تدمير أربعة منازل بالكامل في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس 2020، مثلما قال لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية المهندسُ عقيل صالح نصاري، رئيس الفريق الهندسي في الهيئة العامة للحفاظ على المدن والمعالم التاريخية في اليمن (GOPHCY). في أكثر من مائة مبنى انهارت الأسقف جزئيًا أو كليًا، بحسب تعبيره: يجب التدخُّل السريع وتجديد مئتين وواحد وخمسين مبنى لمنعها من الانهيار في حالة حدوث المزيد من العواصف الرعدية أو خلال موسم الأمطار القادم على أبعد تقدير. وأضاف أنَّ خمسة آلاف مبنى تعاني في أسطحها من التسرُّب - مما يشير في الغالب إلى بداية الانهيار.

الفيضانات تقوم بتليين طين المباني المضغوط التي يصل عمرها إلى ألف عام

 

 

يؤدِّي تغيُّر المناخ في الجمهورية اليمنية وكذلك في غيرها من بلدان شبه الجزيرة العربية إلى تفاقم الظواهر الجوية المتطرِّفة. فقد لقي أكثر من مائة وسبعين شخصًا مصرعهم في صيف عام 2020 بجميع أنحاء اليمن بسبب الفيضانات، وأصبح الآلاف من دون مأوى.

صنعاء - الواقعة في حوض على ارتفاع 2200 متر فوق سطح البحر - تشهد دائمًا هطول كميات غزيرة من الأمطار خلال موسم الأمطار بسبب الجبال المجاورة البالغ ارتفاعها حتى 3600 متر، وهذه نعمة في بلد يعاني من نقص حاد في المياه. ولكن منذ سنوات بدأت العواصف الشديدة تتدفَّق على العاصمة اليمنية بشكل متزايد، مما يؤدِّي بانتظام إلى فيضانات.

وتعمل الفيضانات على تليين طين المباني المضغوط التي يصل عمرها إلى ألف عام. كان ارتفاع المياه يصل حتى الركبة في الأزقة الضيِّقة بالمدينة القديمة، مما جعل أساسات المنازل تبدأ في الانزلاق. والشقوق الموجودة في جدران أكثر من ألف مبنى من منازل الأبراج المستخدمة في الغالب كمبانٍ سكنية هي علامة واضحة على وجود مشكلات هيكلية.

تضرَّرت الأساسات في أربعة أخماس المباني وتآكلت على أية حال بسبب الرطوبة والملح والكائنات الدقيقة. "وستنهار في النهاية ببساطة تحت ثقلها"، مثلما قال لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ قبل خمسة أعوام الرئيسُ السابق للهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، الدكتور ناجي ثوابة: "وعندما يسقط واحد منها، لا تعد المباني الآخرى ثابتة أيضًا". وذلك لأنَّ هذه المباني مبنية مباشرة بقرب بعضها ومتراصة في الكثير من الشوارع الضيِّقة.

تضاف إلى ذلك الحرب. صحيح أنَّ صواريخ وقنابل التحالف العسكري بقيادة السعودية نادرًا ما أصابت المدينة القديمة بشكل مباشر، ولكن موجات ضغط الانفجارات في الجبال المجاورة -حيث سيطرت مليشيات الحوثي المسلحة على قواعد الجيش المحصنة- تزلزل المدينة القديمة وتقتلع النوافذ من إطاراتها. أطلق الحوثيون مؤخرًا صواريخًا على أهداف في المملكة العربية السعودية، فعادت طائرات التحالف لتسقط قنابلها على صنعاء من جديد بعد شهور من الهدوء.

بيد أنَّ هذا النزاع المستمر (حتى وقت كتابة هذا المقال) منذ أكثر من ست سنوات له عواقب أكثر خطورة بكثير: فهذه المنازل هي في معظمها لعائلات عريقة. صحيح أنَّ بعض سكَّانها وجدوا المباني الخرسانية الحديثة عمليةً أكثر وقد انتقلوا من المدينة القديمة، ولكن معظم السكَّان يفتخرون باعتنائهم بالمباني القديمة ويعتبرونها تراثًا عائليًا وكذلك شاهدة على الثقافة اليمنية.

ولكن المال نفد من معظمهم منذ فترة طويلة ولم يعد لديهم ما يكفي لإجراء الإصلاحات الضرورية. فقد فقدوا عملهم ومصادر دخلهم واستنفد الكثيرون منهم كلَّ ثرواتهم. وكذلك تزداد دائمًا صعوبة العثور على الحرفيين ذوي الخبرة. ولا يمكن للناس توقُّع أي شيء من الدولة - وخاصة من الحكومة -التي يقودها الحوثيون- غير المعترف بها دوليًا.

وفي هذا الصدد قال أحد سكَّان المدينة القديمة: "الحكومة لا تملك حتى المال لدفع الرواتب، فكيف ستدفع من أجل إصلاح المنازل؟". أمَّا منظمات الإغاثة فلا تملك حتى ما يكفي من المال من أجل المساعدات الغذائية، التي يعتمد عليها أكثر من عشرين مليون يمني من أجل البقاء على قيد الحياة. ويضاف إلى ذلك ارتفاع الأسعار. يقوم بعض رجال الأعمال بجمع التبرُّعات من أجل شراء أغطية بلاستيكية يغطون بها على الأقل بعض الأسطح للحدّ من الأضرار الناجمة عن المطر.

 

 

الأموال اللازمة للإصلاحات الضرورية نفدت منذ فترة طويلة من معظم أصحاب المنازل

ناشد المهندس عقيل صالح نصاري من هيئة المعالم والمدن التاريخية منظمة اليونسكو من أجل التدخُّل السريع والحفاظ على المدينة القديمة. وهو يأمل أيضًا في أن تعود المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) إلى صنعاء، حيث كانت تقوم في السابق بإدارة وتمويل مشاريع للحفاظ على المدينة القديمة.

ويضيف عقيل صالح نصاري أنَّ في مدينتي زبيد وشبام حضرموت لا تزال توجد مشاريع مدعومة من ألمانيا. ولكن ما لم يَقُلْهُ هو أنَّ: التعاون مع الحوثيين صعب للغاية بالنسبة للمنظمات الدولية. فهي من ناحية ملزمة بالعمل مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًا، والتي تواجدت أكثريتها في المنفى بالرياض.

ومن ناحية أخرى يريد الحوثيون المشاركة في اتخاذ قرارات توزيع الأموال وهم يعرقلون عمل منظمات الإغاثة. وكذلك استبدل الحوثيون العديد من الخبراء الحكوميين بأفراد موالين لمسارهم السياسي. تحدَّث سكَّان من المدينة القديمة عن الفساد، وقالوا إنَّ الأموال تتسرَّب ويتم اختلاسها.

وها هو ماجد طعمة غير قادر على تكاليف إعادة بناء منزله. وهو يريد إنقاذ أكبر قدر ممكن من مواد البناء. لقد تمت إعادة بناء بعض المنازل ذات القيمة التاريخية الخاصة بحسب طريقة بنائها الأصلي، وكان من بينها منزل تم تدميره في غارة جوية سعودية. ولكن ما دامت الحرب مستعرة وما دام هطول الأمطار مستمرًا، فلا يمكن التفكير في ذلك. ينتهي موسم الأمطارفي العادة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر - ولكن في اليمن لم يعد يوجد منذ سنوات أي شيء عادي.

 

 

باول-أنتون كروغَر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:33761]