صوت أصغر مؤذني المسجد الأقصى يصدح في القدس - الأذان يُسْمَع في زمن كورونا أكثر من أي وقت مضى

ينعكس شعاع نور الشمس في ساعات الصباح الأولى على قبة الصخرة في مدينة القدس، فيما يستيقظ أوائل المصلين على عذوبة صوت المؤذن فراس القزاز الذي تعاقب أفراد عائلته على رفع الأذان في المسجد الأقصى من جيل إلى جيل منذ أكثر من 500 سنة.

وينطلق صوت المؤذن داعياً إلى الصلاة "الله أكبر..." بصوت جميل ورقة بها شجن يلامس القلب. يتردد صدى نغمات صوته بأولى كلمات الأذان ثم يتبعه مؤذنو المساجد القريبة في مدينة القدس كأنهم في جوقة واحدة فتتردد الدعوة في كل أنحاء المدينة.

 

 

وعلى وقع أصوات المؤذنين، تصحو المدينة القديمة بقلبها النابض برموز عبادة الأديان التوحيدية الثلاث، وأحيائها المسلمة والمسيحية واليهودية المتجاورة.

وفي وقت تم تقييد الحركة وإغلاق أماكن العبادة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد الذي أثّر على كل مناحي الحياة، بات صوت المؤذنين يسمع أكثر من أي وقت مضى بسبب الهدوء السائد في كل مكان.

ولا تسمع أبواق السيارات خلال النهار، ولا ضجيج الحركة في الشوارع، ولا أحاديث المقاهي وقهقات الناس، إنما لا تزال تسمع ترددات أصوات المؤذنين التي تختلط مع زقزقة العصافير وأحيانًا مع قرع أجراس الكنائس.

عادةً يسير فراس القزاز (32 عاما) بعد الصلاة في شوارع القدس القديمة المرصوفة بالحجارة التي مشى عليها الأقدمون، يصافح صديقا يلتقي به ويدعوه لشرب القهوة الممزوجة بالهيل في بيته.

لكن مع انتشار وباء كوفيد-19، باتت القدس القديمة "مثل مدينة أشباح وصار المشهد في الأقصى حزينا"، وفق ما يقول فراس القزاز، أصغر مؤذني الأقصى والذي يحب التحدث باللغة العربية الفصحى.

ويضيف أنه بسبب الوباء "أقول في نهاية الأذان: الصلاة في بيوتكم. هذه صيغةٌ صعبة على قلبي وعلى الناس، لكن من منطلق الحرص والحفاظ عليهم من هذا الوباء يجب عليهم الاستجابة للمؤذن".

 

 

 

والمسجد الأقصى هو ثالث أقدس موقع في الإسلام. ويؤمن المسلمون بأنه المكان الذي شهد صعود النبي محمد إلى السماء على ظهر دابة (البراق).

وعرفت عائلة فراس القزاز بأنها عائلة مؤذن الأقصى عبر الأجيال منذ القرن الخامس عشر عندما وصل أجداده من أرض الحجاز الى القدس.

وكان فراس القزاز يرافق والده إلى الأقصى وتعلّم أن يؤذن مثله ويتلو القرآن. ويروي "كان عمري 14 عاما عندما قمت بأوّل تجربة أذان لي. كان الطقس باردًا وكانت الثلوج تهطل، فقلت لأبي: أريد رفع الأذان، فوافق على طلبي. كنت خائفا من رد فعل الناس حين يسمعونني الناس. فللمسجد الاقصى رهبته وهيبته".

ويضيف: "سأل مدير أوقاف القدس المشرف على المكان: من الذي رفع الأذان، فردّ والدي: ابني فراس. فعلّق مدير الأوقاف: صوته جميل لكنه صغير". تدرّب القزاز في دار القرآن الكريم، ثم معهد الأنغام الصوتية في القدس لمدة سنتين. ويقول "لكي أتعلّم كيفية استخدام المقام الموسيقى في الأذان، تخرجت من هذا المعهد وتعلمت من أساتذته. كذلك تعلمت على يدي الشيخ محمد المصري في جامع الأزهر في القاهرة عندما جاء من مصر. بقي هنا سنة كاملة وأخذت منه معلومات كثيرة أفادتني".

ثم سافر إلى مصر للتعلم، وبقي فيها بضعة أشهر. في شوارع القاهرة، كان هناك صوت آخر مهيمن، صوت مذهل وفريد، صوت الراحلة أم كلثوم الذي يعتبر ربما أشهر صوت موسيقي عربي.

 

 

 



ويقول فراس القزاز "بدأ الفنانون العرب الكبار بتلاوة القرآن الكريم، قامت أم كلثوم بذلك، وكان صباح فخري المطرب السوري الشهير مؤذنا".

ويضيف: "سيكون من السهل بالنسبة إلي أن أغني، لكن من الصعب جدا على المغني أن يكون مؤذنا لأن العمل يتطلب أيضا معرفة القرآن، وهناك قواعد له ليست سهلة". ويتابع "في نهاية المطاف، يدعو المؤذن الناس للصلاة، ولكن الجزء الأكثر جمالا هو أنه يترك أثراً على أرواحهم".

وفراس القزاز أب لفاتن، ابنة الخمس سنوات. ويشارك فراس القزاز مؤذنين آخرين مئذنة الأقصى، وهم يعملون وفقًا لجداول محددة مسبقا.

في أسواق المدن العربية الكبرى، يمكن العثور على أشرطة أو أقراص مدمجة للأذان تدعو لأداء الصلاة، ولكن مع انتشار شبكة الإنترنت والمحمول، بات كثيرون يلجأون إلى موقع "يوتيوب" للاستماع إلى المؤذنين ودراسة وتحليل أسلوبهم وتأثيرهم.

ويوضح القزاز: "كل شيء موجود على موقع يوتيوب. أنا أستمع إلى الكثير من المؤذنين، لكنني غير مقتنع بكثيرين. أقتنع بمن لديهم صوت قوي مؤثر في الناس".

ويرى القزاز أن صوت المؤذن يجب أن يتغير وفق وقت الأذان، فمثلا مؤذن صلاة الفجر يجب أن يكون صوته أكثر عذوبة وليونة، لأن الجو يكون هادئا. في المساء، يجب أن يكون لطيفا ومنخفضا ليقدّم لهدوء الليل". أ ف ب