"تطبيع التغطية الإعلامية لقضايا وواقع المسلمين في ألمانيا ضرورة ملحة"

تثبت الكثير من الدراسات وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدّم أنَّ صورة الإسلام التي تنقلها وسائل الإعلام الواسعة الانتشار مازالت تركز على الجوانب والمدلولات السلبية. الخلاف والاختلاف حول هذه الجوانب كان محور مؤتمر خاص عقد في برلين. لؤي المدهون يعرض أهم مجريات هذه النقاشات ومحاور هذا المؤتمر.

الكاتبة ، الكاتب: لؤي المدهون

​​من الواضح والمعروف أنَّ وسائل الإعلام تلعب دورًا هامًا في اندماج المسلمين، كما تشارك في صنع القرار، فيما إذا كانت عملية" دمج الإسلام" في إطار المنظومة السياسية لدولة القانون سوف تتم في آخر المطاف بنجاح. كذلك من الجائز أن يكون هذا الرأي قد دفع وزير الداخلية الاتحادي، فولفغانغ شويبله، إلى المناشدة أثناء المؤتمر الذي عقد تحت عنوان "صورة الإسلام في ألمانيا - كليشيهات جديدة وصور عدائية قديمة؟" بأن تبتعد التقارير الإعلامية والريبورتاجات عن الصور الاختزالية التبسيطية التي تضع المسلمين في بوتقة واحدة عندما يتعلّق الأمر بتصوير المسلمين وواقعهم المتنوّع.

يعد هذا المؤتمر الذي رعته وزارة الداخلية الاتحادية ومؤسسة هربرت كڤاندت Herbert Quandt جزءا من "مؤتمر الإسلام الألماني DIK". التقى في هذا المؤتمر صحفيون وسياسيون وخبراء إعلاميون وممثلون عن الجمعيات والروابط الإسلامية، من أجل تبادل الآراء حول مدى تغيّر الصورة الشائعة عن المسلمين في ألمانيا منذ الدعوة لعقد "مؤتمر الإسلام الألماني DIK" قبل أكثر من عام - وقبل كلِّ شيء من أجل دراسة الفرص المتاحة لمواءمة التقارير والريبورتاجات التي تتناول الإسلام مع الواقع.

أجواء من انعدام الثقة

"لقد تغيّرت هذه الصورة ولا شكّ في أنَّ انعدام الثقة بالإسلام أضحى منتشرا بشكل واسع في ألمانيا. لو نظرنا إلى نتائج الاستطلاعات، فسنلاحظ أنَّ حجم هذه التحفظات وحتى الخوف المنتشر داخل المجتمع الألماني من الإسلام قد ازداد في السنين الأخيرة"، هكذا يصف شويبله التطوّرات الراهنة التي تهدّد برامجه الوطنية للاندماج بالفشل. ​​فمن ناحية لا تزال تتم بشكل متزايد وخاطئ مساواة الإسلام في مجتمع الأكثرية الألماني مع الإسلام السياسي والتعصّب. ومن ناحية أخرى "يشتكي المسلمون من العزل والاستثناء والرفض الشامل. فهم يشعرون، بغض النظر عن آرائهم الشخصية حول الدين والمجتمع الذي يعيشون فيه، بزيادة تعرّضهم لاتّهام يُشعرهم بأنَّهم معزولون.

"جدل الاندماج"

أشار في هذا الصدد عالم الاجتماع من مدينة بيليفيلد، فيلهلم هايتمَيَر، مرارا وتكرارا إلى نتائج دراساته التي يتم إعدادها سنويًا منذ عام 2002، كما تحدَّث عن "جدلية الاندماج، حيث إن البشر يتصرفون وفق تقييمات مسبقة مختزنة لديهم وليس وفق الصورة الواقعية".

صحيح أنَّ "شدّة الخلاف حول عملية الاندماج" تعتبر أمرًا طبيعيًا جدًا وأنَّ "البعد الثقافي" لا يشكّل معاداة للأجانب، لكن لا بدّ من التحذير بإلحاح من سوء توظيف هذه المخاوف لأغراض حشد الناخبين وجمع أصواتهم في المعارك الانتخابية، حسب قول فيلهلم هايتمَيَر، لأنَّ ذلك يلحق أضرارًا كبيرة بعملية الاندماج. أقرّ هاينر بيلفيلدت، مدير المعهد الألماني لحقوق الإنسان، بأنَّ التثقيف لا يعتبر إجراءً لمواجهة ظاهرة الخوف من الإسلام "الإسلاموفوبيا": "إنَّ الريبة من الإسلام مترسّخة في كلّ الأوساط السياسية ولدى مختلف شرائح المواطنين - وحتى في الملحق الثقافي الخاص بصحيفة فرانكفورتر ألغماينة".

وعلى الأرجح أنَّه وجد نفسه لهذا السبب مطالب بالدعاية إلى المزيد من العدالة: "عندما يدعو المرء إلى "التمييز" بمفهومه الإيجابي في التقارير والريبورتاجات التي تتناول الإسلام، فعندئذ يكون وقع ذلك أكاديميًا للغاية، بيد أنَّه يعتبر بالدرجة الأولى مسألة عدالة".

مواءمة تقارير وريبورتاجات تتناول الإسلام مع الواقع؟

احتلت النتائج التي توصل إليها فريق العمل الإعلامي الخاص "بمؤتمر الإسلام الألماني DIK" والتي تظهر أنَّ التقارير والريبورتاجات تركّز كثيرًا جدًا على مواضيع العنف عندما يتعلّق الأمر بالإسلام مكان الصدارة في النقاشات التي قوبلت باستحسان لما تم فيها من تبادل آراء مختلفة حول "الحالة (غير) الطبيعية" للتقارير والريبورتاجات التي تتناول الإسلام. أما كاي حافظ، الخبير في الشؤون الإعلامية في جامعة إرفورت والذي سبق له إعداد دراسة مرموقة حول صورة الإسلام في محطتي التلفزة الألمانيتين العامتين الـ"ARD وZDF"، فقد أكَّد صحة هذه النتائج: "لقد خلق هذا الاهتمام حالة من الاعوجاج، بحيث أصبحنا نواجه في الوقت الحاضر تركيزًا بعيد المدى على التقارير والريبورتاجات السلبية، حيث لا يكاد يتم عرض تقارير وريبورتاجات حول العمل الخيري الذي يقوم به الإسلامويون على مستوى البلديات والخدمات العامة أو حول مقاومتهم السلمية التي لا يستخدم فيها العنف".

من المؤسف وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدّم أنَّ تنطبق هذه النتائج أيضًا على وسائل الإعلام العامة، حسب قول كاي حافظ. اعترف نائب رئيس هيئة تحرير محطة الـZDF الألمانية، إلمار تيفيسين، بأنَّ وسائل الإعلام العامة ارتكبت بدورها بعض الأخطاء، مباشرة بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. كما أشار في الوقت نفسه إلى أنَّ المعنيين قد تعلّموا الكثير في هذه الأثناء وأنَّ وسائل الإعلام صارت تتحدّث أكثر عن المسلمين وواقعهم الحي المتنوّع. كذلك قال راينهارد باومغارتن من قناة تلفزيون SWR منتقدًا ذاته ووسائل الإعلام العامة: "يجب علينا أن نتساءل عما إذا كانت وسائل الإعلام العامة تؤدي مهمتها التثقيفية".

انتقادات شديدة لوسائل إعلام واسعة الانتشار

كان العديد من وسائل الإعلام الواسعة الانتشار، مثل المجلات الإخبارية الأسبوعية، في هذا المؤتمر تحت مرمى سهام النقد والنقاد، إذ اتَّهمت الخبيرة المختصة في الشؤون الإعلامية، زابينه شيفر، هذا النوع من وسائل الإعلام بنوع من التقصير والتركيز الأشبه بلغة الملصقات على مواضيع ذات مدلولات سلبية في التقارير والريبورتاجات التي تتناول الإسلام. بيد أنَّ غونتر لاتش من مجلة دير شبيغل رد على هذا النقد الموجّه إلى مجلته، منوهًا إلى أنَّ الصحفيين لا يستطيعون تحسين صورة الواقع: "يتحدّث الصحفيون ويكتبون عما يحرّك الناس؛ وعندما نتحدّث عن الإرهاب الإسلاموي فلا بدّ لنا بطبيعة الحال من الإشارة إلى الإسلام". كذلك رأى الخبير في شؤون الشرق الأوسط والصحفي، ميشائيل لودرس، أنَّ هناك ما يدعو إلى الأمل نحو تطبيع للتغطية الإعلامية التي تتناول المسلمين وقضاياهم في ألمانيا وأن ذلك سيجد طريقه إذا ما بدأ المسلمون الألمان بالعمل في المؤسسات الإعلامية.

اتَّفق لودرس وشويبله على نقطة محورية: سوف يكون من المفيد جدًا لو قامت وسائل الإعلام بتوظيف المزيد من الموظفين ذوي أصول مهاجرة من أجل عكس التنوّع الثقافي داخل المجتمع الألماني. كما وصفا بعض التطوّرات في وسائل الإعلام، مثل برنامج "منتدى الجمعة" الخاص بقناة الـZDF التلفزيونية، بأنَّها "خطوة مهمة نحو خلق حالة طبيعية".

لؤي المدهون- برلين

ترجمة: رائد الباش

حقوق الطبع: قنطرة 2008