النسوية ليست فقط بيضاء البشرة

مكافِحة النسوية "البيضاء": الكاتبة والمحامية الباكستانية الأمريكية رافيا زكريا.
مكافِحة النسوية "البيضاء": الكاتبة والمحامية الباكستانية الأمريكية رافيا زكريا.

المحامية والمؤلفة الأميركية-الباكستانية رافيا زكريا تنتقد النسوية الغربية وتدافع عن نسوية واسعة النطاق لا تعالج فقط هموم النساء البيضاوات. تقرير كريستين لينين.

الكاتبة ، الكاتب: Christine Lehnen

عاشت رافيا زكريا حياة قد تبدو غير مألوفة بالنسبة إلى نسوية أميركية: فقد وُلِدت وترعرعت في باكستان، واغتنمت فرصة للهجرة إلى الولايات المتحدة حين كانت في 17 عاماً من خلال زواج مُرَتَّب مُدَبَّر.

تكتب في مقدمة كتابها الذي يحمل عنوان "ضد النسوية البيضاء": "ذات ليلة بعد العشاء، وأنا جالسة على حافة سريري في كراتشي منتصف التسعينيات، وافقت على زواج مدبّر". أما عن دافعها؟ فقد أرادت الذهاب إلى الكلية. وتابعت: "كانت حياتي حتى ذلك الحين مقيّدة بكافة الطرق الممكنة، وبالكأد تمتدُّ إلى ما وراء الجدران المحيطة بمنزلنا. لم أختبر الحرية قَطُّ، ولذا تنازلتُ عنها بكل سرور".

تفتتح زكريا كتابها المشهور بهذا الاعتراف، قبل أن تروي كيف بدأت بدراسة القانون رغم رفض زوجها. وقد تركته في نهاية المطاف وأصبحت خبيرة في قانون الهجرة. ولكن هذه مجرد خلفية تستند إليها القصة الرئيسية: كيف تتشكّل النسوية من خلال الأولويات المهيمنة للنساء البيض.

ما هي "النسوية البيضاء"؟

الغلاف الإنكليزي لكتاب "ضد النسوية البيضاء" للمحامية والمؤلفة الأميركية-الباكستانية رافيا زكريا. Cover of Rafia Zakaria's "Against White Feminism" (published by Penguin Books)
تتشكل النسوية الغربية من خلال أولويات النساء البيض: تحدّد النساء البيض والثريات والمتعلمات في الجامعات ما الذي ينبغي أن تكون عليه النسوية، وأهدافها السياسية. ومن ناحية أخرى، ينبغي أن تظهر النساء السود بوصفهن ضحايا في ملاجئ النساء أو يعملن بجد في المصانع. وتقول زكريا إنّ بعض النسويات البيض لا يمكن أن يتصورن أنّ "النساء الملونات" قد يملكن أهدافاً سياسية مختلفة عن النساء البيض.

في حياة رافيا زكريا، النسوية ليست مجرد نظرية، بل ضرورة مطلقة. لو لم تكن هناك ملاجئ للنساء، فربما ما كانت لتتمكن من ترك زوجها. ولو كانت النساء ما زلن محرومات من دخول الجامعات، فربما لم تكن زكريا قادرة على دراسة الحقوق.

وعلى النقيض من العنوان الاستفزازي للكتاب، فهو عبارة عن ملاحظة دقيقة وحساسة لنقاط ضعف النسوية الأمريكية. لكن بينما يشيد بإنجازات النسوية، تكشف كذلك تجارب زكريا الشخصية عن إخفاقاتها في وطنها المُتبنى.

تروي زكريا أنها دُعيت لإلقاء محاضرة عن وضع المرأة في باكستان. وعند وصولها، اكتشفت أنها لن تقف على خشبة المسرح خلف الميكروفون، بل خلف طاولة تحمل صوراً مطبوعة لنساء باكستانيات قرويات يرتدين الزي التقليدي وطاولة أشغال يدوية صغيرة، يمكن شراؤها منها لجمع المال للمشاريع في الخارج.

شعرت منظمة الأمسية بالصدمة حين لم تظهر زكريا بزيها "التقليدي"، مثل بعض النساء النيباليات ضمن الحضور. تقول زكريا إنها شعرت وكأنها حيوان في حديقة الحيوانات.

وجهة نظرها أنّ النساء البيض الثريات خريجات الجامعات في كثير من الأحيان يحدّدن ما ينبغي أن تكون عليه النسوية وأهدافها السياسية. ومن ناحية أخرى، ينبغي أن تظهر النساء السود بوصفهن ضحايا فحسب، مرتعدات في ملاجئ النساء أو كادحات في المصانع. وتقول إنّ بعض النسويات البيض لا يمكنهن تصوّر أنّ النساء الملونات قد يكون لهن أهداف سياسية مختلفة عن النساء البيض.

تذكر زكريا مثالاً عن منظمة غير حكومية غربية تشجّع النساء الريفيات الهنديات على استخدام "مواقد طهي نظيفة" أكثر كفاءة، بحيث يكون لديهن المزيد من الوقت للبحث عن عمل مأجور خارج المنزل. وهي مواقد لا تحتاجها هذه النساء ولا تريدها، ويعود ذلك جزئياً إلى عدم قدرتهن على إصلاح هذه المواقد محلياً. وقد رفضت العديد من النساء ببساطة "فكرة أنّ السبيل إلى التمكين هو حصولهن على عمل مأجور".

إضافة إلى ذلك، لفتت الانتباه إلى الطريقة التي شاركت بها النسويات البيض الحرب في أفغانستان باسم النسوية في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2011. وقد وقّعت نسويات من الولايات المتحدة الأميركية، مثل الناشطة غلوريا ستاينم وممثلتا هوليوود سوزان ساراندون وميريل ستريب، رسالة مفتوحة وعدت بتحرير المرأة الأفغانية من طالبان.

النسوية "البيضاء" بين الماضي والحاضر

كما تسلّط زكريا الضوء على أمثلة من التاريخ في كتابها: في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، طالب بريطانيون مدافعون عن حق المرأة في التصويت، بأن تقوم النساء في الهند الاستعمارية بحملة من أجل حق المرأة في التصويت. وحين لم تمتثل النسويات الهنديات، أرادت النساء البيض المدافعات عن حق المرأة بالتصويت النضال من أجل حق المرأة الهندية بالتصويت بيد أنهنّ لم يحاولن تحريرهن من سيطرة الاستعمار. تكتب زكريا: "أرادت النساء الهنديات التصويت، لكن في بلد لا يخضع للحكم البريطاني الاستعماري. ما القوة التي يتمتع بها التصويت في بلد مستعبد؟".

وتحلّل زكريا النسوية البيضاء في كتاب من 250 صفحة بدقة وبتعاطف. وكما تقول رافيا زكريا في مقابلة، فإنّه يمكن ملاحظة عواقبها في العديد من الأماكن اليوم، بما في ذلك أفغانستان. قالت: "استخدمت الولايات المتحدة النسويةَ كغطاء حين غزت أفغانستان، لذلك لم تعد حملات حقوق المرأة في أفغانستان تُعتبر شرعية، بل أصبحت تُعتبر علامة على التعاون الموالي للغرب. وهذا يحزنني بشدّة". وأضافت أنّ الولايات المتحدة عرفت منذ البداية أنها ستغادر البلاد مرة أخرى. بيد أنها لم تفعل أي شيء لحماية النساء بعد ذلك.

من الحقوق إلى التعبئة السياسية

 

صورة رمزية للنسوية الإسلامية - مصدر الصورة: رصيف22
الفكر النسوي غير مقتصر على الفكر الليبرالي - هل من نسوية إسلامية؟ رحلة للبحث عن حقوق المرأة في الإسلام: مصطلح "النسوية الإسلامية" أثار الكثير من الجدل على وسائل التواصل الإجتماعي. لكن لماذا ينكر البعض وجود نسوية في الإسلام؟ فالحركات النسوية التي تقوم من داخل الأديان ليست جديدة، والفكر النسوي غير مقتصر على الفكر الليبرالي.

 

تقول سياني صوفيا هودر، وهي صحفية ومؤلفة كتاب "الغضب والشر" الصادر في عام 2021، إنّ الحركة النسوية في ألمانيا تتشكّل من خلال آراء النساء البيض كذلك. وتشير إلى "معايير الاستبعاد" الخاصة بالنسوية البيضاء، وتعترف في مقابلة أنها ليست منجذبة للمشاركة في "قضايا نسوية لا تتوافق مع حياتي اليومية". إذ تكاد الأسئلة المتعلقة بعمل المرأة تخلو من الإشارة إلى العمل غير المستقر للنساء المهاجرات. وقالت: "تدور النسوية الألمانية حول تحسين أوضاع النساء البيض الثريات".

بيد أنّ رافيا زكريا متفائلة بالمستقبل، فهي تؤمن بقوة النسوية. وكما تقول، فإنّ ما يهم الآن الاستماع إلى بعضنا والمشاركة السياسية. تقول زكريا: "من الجيد أن يكون لديك حقوق. لكن لا يمكننا الاحتفاظ بحقوقنا إن لم ننظّم أنفسنا سياسياً، وإلا فستسلبنا الحكومات الجديدة حقوقنا من جديد".

 

 

كريستين لينين

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2022

 

ar.Qantara.de