عائلات سورية وطالبو لجوء تقطعت بهم السبل وانتهى حالهم إلى غابة تركية لا يفصلهم عن اليونان سوى نهر

انتهى الحال بهذه العائلة السورية التي تتألف من سبعة أشخاص في غابة تركية، يفصلهم عن اليونان نهر. لقد تقطعت بهم السبل هناك بعدما اتضح أن الشائعات التي تتردد عن فتح الحدود لم تكن سوى ضربا من الخيال.

وتقول هناء (30 عاما): "في اللحظة التي غادرت فيها منزلي وأتيت إلى هنا، فوضت أمري إلى الله". وخلال نزوحها المتكرر على مدار السنوات الخمسة الماضية، حاولت عائلة هناء إعادة بناء الشعور بوطن. وتنحدر العائلة من مدينة اللاذقية الساحلية في سورية، وقد فرت منها إلى منطقة قهرمان مرعش على البحر المتوسط، وها قد وجدت الأسرة نفسها عالقة في قرية "دويران" بأدرنة. ولكن أفراد الأسرة يشعرون أن الحرية قريبة جدا، فقط على الضفة الأخرى من نهر "مريج"، المعروف باسم إفروس في اليونان.

وقادتهم آخر محطات رحلتهم للبحث عن الأمان إلى أدرنة، المتاخمة لليونان وبلغاريا، مرورا بمدينة إسطنبول التركية. وقد تكلفت سيارة الأجرة وحدها 4000 ليرة (660 دولارا).

وجاءت مغامرتهم الأخيرة بعدما نفذت تركيا تهديدها بفتح حدودها مع أوروبا أمام المهاجرين، رغم الرفض الأوروبي القاطع لاستقبال المزيد منهم.

ويقول زوج هناء، حسام الحردان، والذي يبلغ من العمر 38 عاما: "لم يعد لدينا الكثير من المال. وإذا لم يأت أحد ليأخذنا، سنمشي على أقدامنا إلى أوروبا". ووقف الحردان يتحدث، وخلفه لافتة حمراء عليها صورة حارس يحمل بندقية، وكتب عليها بخط أسود "منطقة محظورة".

وبدت حركة المهاجرين منظمة من جميع أنحاء تركيا إلى الحدود الشمالية الغربية للبلاد، حيث نقلتهم الحافلات الكبيرة والصغير والسيارات بانتظام من إسطنبول.

 

 

ورغم تعدد الأسباب وراء سعي اللاجئين إلى مغادرة تركيا، فقد اكتشفوا جميعا أن رحلتهم لن تأخذهم إلى ما هو أبعد من أدرنة. وتتمسك كل من تركيا وأوروبا بموقفهما في مسألة اللاجئين، حيث تقول تركيا إنها لم تعد مستعدة لاستقبال المزيد من المهاجرين، بينما يؤكد الجانب الأوروبي ضرورة التزام أنقرة باتفاق إعادة المهاجرين الذين كان تم التوصل إليه بين الطرفين في عام 2016 والذي يتضمن تقديم أموال لتركيا لإبقاء المهاجرين على أراضيها. 

وجاء التغير في الموقف التركي بعد مقتل عشرات من قواتها في غارة جوية شنتها قوات النظام السوري بمحافظة إدلب، شمالي سورية، حيث أدى التصاعد في التوترات خلال الأسابيع الماضية إلى نزوح أكثر من مليون سوري باتجاه الحدود الجنوبية لتركيا.

ورغم توصل الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في المنطقة، خلال لقاء جمعهما في الأسبوع السابق، لا يزال مسار الأزمة الحالية للمهاجرين بين تركيا والدول الأوروبية غير واضح، إلا أن مراقبين يتوقعون استمرار التصعيد لفترة.

وهدد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أمس السبت بأن التدفقات الحالية للمهاجرين "مجرد بداية" وأن العدد سيرتفع بشكل كبير. وقال صويلو إن عدد المهاجرين الذين دخلوا اليونان تجاوز 143 ألف شخص، غير أنه لا يمكن التحقق بشكل مستقل من الأرقام من مصدر آخر. وعلى الجانب الآخر، تؤكد اليونان أنها لن تسمح لأي مهاجر بدخول البلاد بأي شكل، سواء برا أو بحرا.

ووفقا لرئيس وحدة الاتصالات بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون فإن سبب الموقف التركي الأخير هو أن الاتحاد الأوروبي لم يفِ بالتزاماته المتعلقة بالدعم المادي والقبول الطوعي، في إطار اتفاقية إعادة المهاجرين بين تركيا والاتحاد.

وشدد ألطون على أنه نتيجة لذلك، وجهت تركيا مواردها لاستقبال موجة لاجئين محتملة من إدلب، بدلا من توظيف طاقتها في منع اللاجئين من الذهاب إلى أوروبا. وقال صويلو إن المزيد من المهاجرين سوف يتمكنون من التحرك صوب الحدود بفضل حالة الطقس المؤاتية. وقال إن مستوى المياه في بعض نقاط نهر "مريج" تراجع إلى نحو 45-40 سنتيمترا، وهذا يعني أن المهاجرين بإمكانهم "العبور بسهولة مشيا على الأقدام".

وربما يكون هناك بصيص أمل في التقارير التي تشير إلى أن إردوغان يعتزم التوجه إلى بروكسل غدا الإثنين 09 / 03 / 2020 في زيارة تهدف إلى "التوصل لحل لأزمة المهاجرين الحالية على الحدود التركية اليونانية، وإعادة توجيه العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا".

وعلى أي حال، ورغم أن الأفق يبدو مسدودا أمام المهاجرين الذين يحتشدون اليوم على الحدود التركية الأوروبية، يبدو أنه لا سبيل أمامهم إلا التشبث بهذه الفرصة التي لن تتكرر.

ويقول زكريا (45 عاما) وهو طبيب من محافظة دير الزور بشرق سورية، وطلب عدم ذكر اسمه كاملا، إنه قضى أربع سنوات في تركيا ولم يعد قادرا على الصمود أكثر من ذلك. لقد كان يأمل في فتح مركز صحي بمدينة اسطنبول، لكن تم إبلاغه بأنه بحاجة إلى رخصة مزاولة تركية.

وجاء أبناؤه الستة وشقيقته، التي تبلغ من العمر 40 عاما، من إدلب الشهر السابق. ويضيف الطبيب السوري: "لم أكن هنا في عام 2015 عندما كانت الحدود مفتوحة ... وهذه هي فرصتنا الأخيرة". 

أما وقار، وهو باكستاني من مدينة لاهور، فيقول بصوت يملأه الأسى: "نحن هنا منذ أيام. يبدو الأمر وكأنه نهاية العالم. لن نعود إلى اسطنبول... وإذا لم تكن تركيا قادرة على أن ترسلنا إلى أوروبا، لماذا لا ينهون حياتنا ويرحلوننا إلى باكستان؟". د ب أ 08 / 03 / 2020