عباس مدني - قائد تاريخي للإسلام السياسي في الجزائر - حين تتحول المساجد إلى منابر سياسية

ارتبط اسم عباس مدني، الرجل القصير القامة والممتلئ البنية وصاحب النظرة المليئة بالمكر، بالحرب الأهلية الجزائرية التي أدمت البلاد لسنوات طويلة. وكان مدني الذي توفي الأربعاء 24 / 04 / 2019 عن 88 عاما، قائداً تاريخيا للإسلام السياسي.

توفي مدني الأربعاء في مستشفى في الدوحة التي يقطنها منذ غادر الجزائر في 2003 بعد خروجه من السجن حيث كان يقضي حكما لمدة 12 عاماً بتهمة تهديده أمن الدولة. وكان ممنوعاً أيضاً من ممارسة أي نشاط سياسي. 

ومدني من مواليد عام 1931 بمدينة سيدي عقبة الغنية بأشجار النخيل في شرق الجزائر. تلقى تعليمه في مدرسة قرآنية. 

في تشرين الثاني/نوفمبر 1954، شارك في حرب الاستقلال ضد السلطات الاستعمارية الفرنسية، لكن سرعان ما أوقف بعد محاولة للهجوم على إذاعة الجزائر ليقضي نتيجة ذلك السنوات السبع للصراع في السجن. 

وحاز مدني الذي يحمل إجازة في الفلسفة على دكتوراه في العلوم التربوية والتعليمية بمنحة دراسية في بريطانيا. 

كان أستاذاً لعلم النفس التربوي في جامعة الجزائر، ونشط باكراً في الترويج للإسلام السياسي في بلد كان خاضعا لحكم الحزب الواحد، وبات زعيماً لهذا التيار. لكن نشاطه هذا أوصله الى السجن العام 1982 حيث أمضى عاما كاملا.

بعد تحويلهم المساجد إلى منابر سياسية، أخرج مدني وآخرون الإسلام السياسي من الظلّ، نتيجة إصلاحات بينها التعددية الحزبية، أُطلقت بعد أعمال شغب وقعت في تشرين الأول/أكتوبر 1988. وأسسوا الجبهة الإسلامية للإنقاذ في عام 1989. وكان هدف هذا الحزب تأسيس دولة دينية في الجزائر لتكون أول دولة إسلامية في المغرب العربي. 

ترأس مدني الجبهة وإلى جانبه ذراعه الأيمن علي بلحاج الذي يصغره بـ25 عاماً. وبات مدني، الداعية الذي لا يتعب والمتنقل من مسجد لآخر، زعيماً بلا منازع للإسلام السياسي في الجزائر، ومحبوباً من الملايين.

كان يوصف بأنه سياسي محنك، علما بأن الرجل ذا اللحية الحمراء المشذبة لم يكن يملك مواهب خاصة في الخطابة. رغم ذلك، كان يتكلم على مهل وقادرا على الإقناع. وترك لعلي بلحاج مهمة التوجه إلى الحشود بعباراته الحماسية. 

ولعب مدني على التناقض بين شخصيته وشخصية بلحاج النارية ليبدو هو بمظهر المعتدل. 

لكن بعض الأفكار حول أهمية اعتماد الإسلام كنهج شامل، دفعت معارضيه الى القول إن تعهداته باحترام الديمقراطية والتعددية في حال تولت جبهة الإنقاذ السلطة، هي "محض تكتيك". 

وبعد الفوز الساحق لجبهة الإنقاذ في حزيران/يونيو 1990 في الانتخابات المحلية في أول اقتراع تعددي بتاريخ الجزائر، تصرّف مدني كخلف افتراضي للرئيس الشاذلي بن جديد في نهاية ولايته. وقدّم حزبه على أنه بمثابة "حامي" الشرعية "الشعبية" بمواجهة جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم الأوحد سابقاً الذي استأثر بالسلطة لثلاثين عاماً. 

وتحولت دعوته لإضراب عام مفتوح في حزيران/يونيو عام 1991 لإجبار الرئيس بن جديد على تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، إلى اختبار قوة وتطورت إلى مواجهات بين قوى الأمن والمحتجين. 

وأعلن الجيش في الخامس من حزيران/يونيو 1991 حالة الطوارئ وألقى القبض على عباسي وعلي بلحاج. 

ومن زنزانته، ساهم مدني في أواخر العام نفسه بتمكين جبهة الإنقاذ من الانتصار في الدورة الأولى للانتخابات التشريعية التي أنذرت بفوز ساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدورة الثانية. لكن تمّ إلغاء الانتخابات وحُلَّ حزب عباسي مدني في أوائل عام 1992. 

ووضع حلّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ حداً للعملية الديمقراطية وأغرق البلاد في عقد من الحرب الأهلية بين جماعات إسلامية وقوات الأمن. وذهب مدنيون أيضاً ضحايا في النزاع الذي أسفر، بحسب الأرقام الرسمية، عن 200 ألف قتيل، معظمهم قتلوا في هجمات أو مجازر تنسب إلى الإسلاميين.

في عام 1999، أعلن مدني دعمه قرار الجيش الإسلامي للإنقاذ، الذراع العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ، بإلقاء السلاح. ودعا مدني إلى وضع حدّ للقتال لدى إطلاق سراحه في عام 2003. 

وفي منفاه في قطر، عاش مدني بعيدا عن الأضواء. وكان آخر نشاطاته في عام 2004 حين أعلن إضرابا عن الطعام في الدوحة من أجل تحرير رهائن في العراق بينهما الصحافيان الفرنسيان كريستيان شينو وجورج مالبرونو. أ ف ب