الفكر المتطرّف؛ كيف يصبح الناس العاديّون متعصّبين؟

هذا الكتاب يكسر الصور النمطيّة عن التطرّف السائدة عند عموم الناس، من قبيل أنّ الفقر هو الأرض الخصبة لتفشّي التطرّف، وأنّ المتطرّفين "مجانين" ومعتقداتهم غير عقلانيّة، وأنّهم يتعرّضون إلى عمليّات "غسل دماغ"، وغيرها من الأفكار الشائعة.
هذا الكتاب يكسر الصور النمطيّة عن التطرّف السائدة عند عموم الناس، من قبيل أنّ الفقر هو الأرض الخصبة لتفشّي التطرّف، وأنّ المتطرّفين "مجانين" ومعتقداتهم غير عقلانيّة، وأنّهم يتعرّضون إلى عمليّات "غسل دماغ"، وغيرها من الأفكار الشائعة.

هذا الكتاب يكسر الصور النمطيّة عن التطرّف السائدة عند عموم الناس، من قبيل أنّ الفقر هو الأرض الخصبة لتفشّي التطرّف، وأنّ المتطرّفين "مجانين" ومعتقداتهم غير عقلانيّة، وأنّهم يتعرّضون إلى عمليّات "غسل دماغ"، وغيرها من الأفكار الشائعة.

يركّز جيرالد برونر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ديدرو بباريس، أعماله على المعتقدات الجماعيّة، مهتمّاً بشكل أعمّ بظواهر الإدراك الاجتماعيّة، وهو يرى وجوب اهتمام علم الاجتماع المعرفي بالحالات التي تتعلّق بالتهجين بين الثوابت المعرفيّة، وبين ارتباط الأفكار التي يحملها الفرد بالمتغيّرات الاجتماعيّة، بما في ذلك السياق الثقافي الذي تتمّ فيه.

وقد غطّت أبحاثه موضوعات متنوّعة، مثل إواليّات الانضمام إلى نِحْلة (Secte)(*)، وكيفيّات إدراك المخاطر، ودوافع التطرّف الشديد في المجال الديني أو السياسي... وهو يسعى في أعماله إلى المساهمة في إضفاء طابع شكلاني على مسألة ثبات التمثّلات والمعتقدات وحركيّتها على أساس تجريبي، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن هذا السؤال: ما هي السيرورات التي تؤدّي بالأفراد إلى اعتناق معتقدات بعينها أو نبذها؟

وبنشره كتاب إمبراطوريّة المعتقدات (باريس، 2003)، ثمّ حياة المعتقدات الجماعيّة وموتها (باريس، 2006)، أضحى جيرالد برونر شخصيّة بارزة في علم الاجتماع المعرفي، وخاصّة من خلال مساهمته في تطوير النظريّة العامّة للعقلانيّة كما صاغها أستاذه عالم الاجتماع المعروف ريمون بودون (Raymond Boudon). وقد ركّز برونر في كتابيه المنوّه بهما بالخصوص على فكرة أنّ عقلنة المجتمعات الغربيّة لم تؤدّ - ولن تؤدّي – إلى القضاء على المعتقدات، حتّى تلك التي تبدو "مجنونة". فالفكرة التي تنصّ على أنّ التقدّم العلمي والمعرفي يؤدّي إلى اختفاء المعتقدات الموسومة من قبل الحسّ العامّ بأنّها "بالية" أو "مجنونة"، إنّما تنبع في الواقع من رؤية قديمة خاطئة تصنّف المجتمعات بحسب تطوّر خطّي مزعوم يؤدّي إلى تصنيف المجتمعات إلى مجتمعات "بدائيّة"، تتميّز بنوع من الفكر "ما قبل المنطقي"، وأخرى "حديثة" تتميّز باختفاء تكوينات معرفيّة أو معتقدات معيّنة، أو محكوم عليها بالتلاشي. وقد كان الرأي السائد عند معظم المؤلّفين الحديثين أنّ "الجهل" آخذ في الاضمحلال والتلاشي بشكل متناظر مع تقدّم "المعرفة" وانتشارها، كما تشهد بذلك من بين الكثير، كتابات كلّ من الفيلسوف والأنّاس لوسيان ليفي بريل (Lucien Lévy-Bruhl) ورائد التحليل النفسي سيغموند فرويد (Segmund Freud)، وفيلسوف الوضعيّة أوغست كونت(Auguste Comte).

الفكر المتطرّف

ويأتي كتاب الفكر المتطرّف: كيف يصبح الناس العاديّون متعصّبين الصادر بالفرنسيّة في عام 2009، الذي نقدّمه هنا، مراهناً على رفع التحدّي المتمثّل في تطبيق هذا المنهج على معتقدات المتعصّبين، أولئك الذين نستسهل وصفهم عادة بـ"المجانين"، بما أنّنا نعتقد أنّ أفكارهم وسلوكيّاتهم "غير منطقيّة".

وقد جاء الكتاب في 348 صفحة من القطع المتوسّط، وينقسم إلى مقدّمة وخاتمة وبينها ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل: هل المتطرّفون مجانين؟

الفصل الثاني: كيف يصبح المرء متطرّفاً؟

الفصل الثالث: حلّ لغز التفكير المتطرّف: مفارقة انعدام القياس العقلي.

فإذا انتقلنا إلى المضمون، فإنّ أبرز ما يميّز هذا الكتاب هو صياغة مؤلّفه ترسانة مفاهيميّة تمتح من علوم إنسانيّة مختلفة، ومن ثمّة قولبتها بمهارة كبيرة، كاسراً بذلك الحدود بين الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس، وهو ما يجعل من هذا الكتاب عرضاً توضيحيّاً للآليّات التي تؤدّي، بطريقة منطقيّة رغم أنّها مرعبة، إلى اعتناق الناس أفكاراً متطرّفة.

إنّه كتاب يكسر الصور النمطيّة عن التطرّف السائدة عند عموم الناس، من قبيل أنّ الفقر هو الأرض الخصبة لتفشّي التطرّف، وأنّ المتطرّفين "مجانين" ومعتقداتهم غير عقلانيّة، وأنّهم يتعرّضون إلى عمليّات "غسل دماغ"، وغيرها من الأفكار الشائعة.

وهو كتاب يدفع قارئه دفعاً إلى التفكّر حول أسئلة جوهريّة تبدو في الظاهر بسيطة من قبيل: ما هو الفكر المتطرّف؟ من هم المتطرّفون؟ كيف يجعلنا الإيمان بمعتقد ننخرط بلا قيد أو شرط في نسق أفكار، يمكن أن يؤدّي بنا إلى التضحية بحياتنا؟

هذه هي جملة الأسئلة المتعلّقة بهذه القضيّة المعقّدة والمتراكبة التي يسعى جيرالد برونر للإجابة عنها، بل هو يتجاوزها لطرح سؤال مهمّ غالباً ما يتكرّر في نقاش مسألة التطرّف، ألا وهو: لماذا لا يختفي التفكير غير العقلاني مع انتشار المعرفة وتطوّر العلم والتكنولوجيا؟

إنّ أكثر معاصرينا لا يتأخّرون في نسبة الانحرافات المتطرّفة التي تملأ عناوينها الصحف العالميّة والمحليّة إمّا إلى الجنون، أو إلى الحرمان الاجتماعي والعاطفي والفكري الذي يُغرق ملايين البشر. لذا، فإنّ الكتاب ينطلق من معاينة ما ينتشر غالباً في وسائل الإعلام وما تتداوله العموم في أحاديثهم الخاصّة من اعتبار هؤلاء المتطرفّين "مجانين" أو أشخاصاً "غير عقلانيّين"، وصلوا إلى ما هم عليهم بسبب "تدنّي مستواهم التعليمي"، و"انسداد آفاقهم ألاقتصاديّة"، والحال أنّنا نجد نفس النسبة تقريباً من الناس غير المتطرّفين تشاركهم نفس هذه الخصائص. لذا جعل هذا الكتاب هدفه الأكبر البرهنة على أنّ المتطرّفين ليسوا مجانين، أو مرضى عقليّاً، أو كائنات غير عقلانيّة، أو جهلة، أو فقراء، وبيان أنّهم ينحدرون في الغالب من الطبقات العليا وعلى مستوى عالٍ من التعليم(**) إلخ... وذلك مع حذر شديد من الوقوع في ما يسمّيه الكاتب "التواطؤ الفكري" أو "النسبويّة" (وهو مفهوم أطال المؤلّف النقاش بشأنه على طول الكتاب). فواقع الحال، وهذا ما يذكّرنا به المؤلّف، يبيّن أنّ الفكر المتطرّف غالباً ما يكون منتشراً عند شريحة المتعلّمين المنحدرين من أوساط اجتماعيّة متجانسة إلى حدّ معقول ولا تعاني بشكل كبير من الفقر المدقع، أي باختصار، من نعتبرهم "أناساً عاديّين".

ولحلّ هذا اللغز وتجاوز المفاهيم الخاطئة، يستكشف برونر المواقف المتطرّفة والمتعصّبة بجميع أنواعها، من جهاديّي تنظيم القاعدة، إلى هواة التجميع القهري للعاديّات والصور الفوتوغرافيّة والأشياء المستعملة، إلى عاشقي بعض الفنّانين المعاصرين، في عرض واضح وبسيط لمعظم المعطيات البحثيّة المعاصرة الخاصّة بهذه الظاهرة.


لمتابعة العرض النقدي للكتاب الرجاء النقر هنا.

http://www.mominoun.com