هل تمتلك الولايات المتحدة استراتيجية لاحتواء إيران في الشرق الأوسط؟

تغيير النظام الإيراني أم تغيير سلوكه: ما هي الأهداف الحقيقية للعقوبات الاميركية على ايران وتهديدات الرئيس الأمريكي ترامب للدول التي تتعامل معها؟ نخبة من الخبراء والباحثين تحاول الإجابة على هذه الأسئلة.

 

فولكر بيرتس: مدير ورئيس مجلس إدارة المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (Stiftung  Wissenschaft und Politik) في برلين

إنْ كانت الولايات المتحدة تمتلك استراتيجية لاحتواء إيران، فهي مخفية بشكل جيد. تُعتبر سياستها تجاه إيران تصادمية، لكن من غير الواضح ما الأهداف التي تسعى واشنطن إلى تحقيقها، وكيف ستفعل ذلك ومن سيشاركها هذه العملية. فقد سعت إدارة ترامب من دون شك، عبر الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات، إلى زيادة الضغوط على طهران.

مع ذلك، ليس واضحاً ما إذا كانت هذه الخطوة تهدف إلى إجبار إيران على الدخول في مفاوضات ثنائية أو إلى معاقبتها وزعزعة استقرارها. وبدلاً من الحفاظ على نوع من الوحدة الدولية في ما يتعلق بإيران، أحدثت هذه الخطوة شرخاً عميقاً بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

في سورية، تقوم الولايات المتحدة بإرباك حلفائها وأعدائها على السواء عبر توجيه رسائل متضاربة حول هدف وجود قواتها في المنطقة ومصيره. فهل يرمي هذا الوجود العسكري إلى إنهاء القتال ضد الدولة الإسلامية أو تعطيل جهود إيران الرامية إلى مدّ جسر عبور إلى المشرق؟ علاوةً على ذلك، يبدو أن واشنطن تدعم الخطاب الإسرائيلي الداعي إلى منع أي تواجد عسكري إيراني في سورية، بينما تعتمد في الوقت نفسه على روسيا للحؤول دون اندلاع أعمال عدائية كُبرى بين إسرائيل وإيران.

لو أن جورج ف. كينان، الأب الروحي الفكري لسياسة احتواء الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، لايزال على قيد الحياة لقال ربما لدونالد ترامب إن الاحتواء، حين يتجاوز أي نية للحدّ من نفوذ الخصم، يحتاج إلى استراتيجية طويلة الأمد. كما يجب أن تكون هذه الاستراتيجية واضحة، وتشمل أهدافاً محددة جيّداً، ومستوى معيّناً من الانخراط مع الخصم (ولو فقط لتجنّب سوء التفاهم)، فضلاً عن التزام بالعمل يداً بيد مع الحلفاء. لكن السياسات الأميركية الراهنة لن تتضمن الكثير من خطوات كينان هذه.

واشنطن رفضت طلب أوروبا إعفاء شركاتها من العقوبات على إيران
أرسلت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي في 6 حزيران/ يونيو طلباً رسمياً مشتركاً إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب لإعفاء شركاتها من العقوبات الجديدة على إيران. ووجه القادة الأوروبيون طلبهم في وقت يسعون فيه إلى إنقاذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إيران والقوى العظمى في صيف 2015 ووافقت طهران بموجبه على الحد من قدراتها النووية مقابل الحصول على إعفاء من العقوبات الاقتصادية.

ستيفن هايدمان: أستاذ في دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث، وزميل أول غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروكينغز

تتميّز السياسة الخارجية لإدارة ترامب بسمات ثلاث هي الارتباك والتناقض وعدم الاتساق. مع ذلك، تُعدّ مسألة إيران الاستثناء النادر. فقد صنّف الرئيس دونالد ترامب إيران دون غيرها كخصم للولايات المتحدة وشركائها العرب وإسرائيل. ومنذ تسلّمه سدة الرئاسة، تمثّلت الأهداف المعلنة للسياسة الأميركية في إجبار إيران على قبول القيود الدائمة على برنامجها النووي، والحدّ من وجودها ونفوذها في المشرق.

أما الأهداف الرئيسة لهذه السياسة فتتلخّص بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ودعم حرب السعودية في اليمن، والجهود المبذولة لضمان دعم روسيا في الحدّ من دور طهران في سورية. لذلك، أستطيع القول إن ثمة استراتيجية. لكن الأسئلة الحقيقية تتمثّل في ما إذا كان هذا النهج يصبّ في خانة المصالح الأميركية طويلة الأمد، وما إذا كان سينجح، وكيف سيكون رد فعل ترامب إذا مُني بالفشل. لكن في جميع هذه الحالات ثمّة دائماً أسباب وجيهة تدفعنا إلى القلق.

بيار فيمون: باحث أول في مركز كارنيغي- أوروبا في بروكسل

تبحث إدارة ترامب في الولايات المتحدة علناً في مسألة تغيير النظام في إيران. وترغب، من خلال فرض العقوبات وممارسة الضغوط، إما في أن يغيّر النظام الإيراني سلوكه أو أن يغيّر الشعب الإيراني نظامه.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: هل هذه استراتيجية تهدف إلى احتواء إيران أو على الأقل التشجيع على ذلك؟ كما لوحظ من عملية هلسنكي في أوروبا، لكي يكون الاحتواء فعّالاً، فهو يتطلّب دعماً قوياً من الشركاء. وليس هذا ما نشهده اليوم، إذ إن الدول الأخرى الموقّعة على الاتفاق النووي مع إيران ترفض الموقف الأميركي.

كذلك، يتعيّن أن يوفّر الاحتواء مساراً إيجابياً للتعاون ويحثّ الطرف الآخر على التسوية والحوار، وهو الأمر الذي لا تأخذه استراتيجية إدارة ترامب في الحسبان. أخيراً، تواجه الخطوات الأميركية، من خلال جعل الشعب الإيراني رهينة لهذه السياسة برمتها، خطر تأجيج النزعة الوطنية والمواقف القوية المناهضة لأميركا.

وعليه، تبدو هذه الاستراتيجية بمثابة مواجهة لا احتواء، إذ تشعل فتيل التوترات والأزمات بشكل علني. وقد تؤدي إلى انحسار النفوذ الإيراني في أماكن عدّة من المنطقة، لكن ذلك ليس هدف هذه السياسة التي تَعِدُ برحلة مزعجة.

 

 

إيلي ليك كاتب عمود في موقع بلومبرغ فيو

إذا حدّد المرء الاحتواء وفقاً للتعريف التقليدي الذي صاغه جورج كينان، وهو أول من اقترح احتواء الاتحاد السوفياتي، فسيكون الجواب "لا". لكن الأمر يعتمد على ما يقصده المرء بكلمة احتواء. عندما بلور كينان هذا المفهوم، كان ثمة تفاهم على أن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً ضد الدول الأعضاء في حلف وارسو في أوروبا الشرقية. وفي هذا الصدد، ارتدى مصطلح "الاحتواء" بعداً مسالماً أكثر من الحثّ على التراجع، الذي لم يكن يستبعد احتمال استخدام القوة الأميركية من أجل تحرير الدول الأسيرة.

هل تعترف سياسة الولايات المتحدة الآن بدائرة نفوذ إيراني مشابه في الشرق الأوسط؟ كلّا. ومن ناحية أخرى، لم يتم وضع استراتيجية أميركية تدعو إلى استخدام القوة العسكرية لصدّ إيران في سورية.

وفي اليمن، تواصل الولايات المتحدة تزويد دول الخليج بالسلاح ومساعدتها في الصراع مع الحوثيين. وأعتقد أن الاستراتيجية الأميركية في هذه المرحلة هي إعادة فرض العقوبات على إيران وحرمانها من الموارد التي تحتاجها لتتمكّن من البقاء في سورية واليمن. فقد قال ترامب إن هذا جزء من خطة ترمي إلى الضغط على إيران للعودة إلى المفاوضات حتى يتمكن هو، على الأرجح، من الحصول على صفقة أفضل من سلفه باراك أوباما. وقد درست إدارة ترامب، إلى جانب إسرائيل، ما إذا كان من الممكن دق إسفين بين روسيا وإيران من شأنه أن يسمح للرئيس السوري بشار الأسد بالبقاء في سدّة الحكم، لكن يتطلّب من إيران مغادرة سورية.



 وانغ سوولاو: أستاذ مشارك في كلية الدراسات الدولية في جامعة بكين

نعم، أعتقد أن لدى إدارة ترامب استراتيجية لاحتواء إيران، وذلك للأسباب التالية: أوّلاً، انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران.

ثانياً، أعادت فرض العقوبات على إيران.

ثالثاً، وجّهت تهديدات إلى الدول التي ستمتنع عن قطع علاقاتها التجارية مع إيران، مثل الصين وروسيا.

ورابعًا، عزّزت علاقاتها مع الدول المعادية لإيران، من ضمنها إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لتطويق إيران واحتوائها.

 

االمصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط - مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي 2018