تعامل بايدن مع إردوغان - بالعصا أم بالجزرة؟

تصريحات أولية لإدارة بايدن تشير إلى اتباعها سياسة العصا والجزرة مع تركيا بينما قد تعتقد أنقرة أن دورها على الأرض وفي المفاوضات الموازِن لدور روسيا في بلدان عديدة -من ليبيا إلى سوريا وحتى أذربيجان- من شأنه تعزيز قوتها في علاقاتها مع رجل البيت الأبيض الجديد. عائشة كارابات استقصت آراء خبراء لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Ayşe Karabat

أثارَ فوز جو بايدن في الانتخاباتِ الرئاسيةِ في الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ ردودَ فعلٍ مختلفةٍ في تركيا: قلقٌ، وأملٌ، وعدم يقين، ونظريات مؤامرةٍ وفضول بشأنِ ما ينتظرُ الحليفين في حلفِ شمال الأطلسي- الناتو.

وقد أثارَ جو بايدن غضبَ أنقرة في حملته الانتخابيةِ في العام الماضي (2019)، حين قالَ إنَ الرئيسَ التركي رجب طيب إردوغان أوتوقراطي (الحاكم الفرد الذي يحكمُ بنفسه) وأنه ينبغي على واشنطن تشجيعَ قادةِ المعارضةِ التركيةِ "ليكونوا قادرين على مواجهةِ إردوغان وهزيمته، ليس عبر انقلابٍ، بل من خلال العمليةِ الانتخابيةِ".

ولكن بغضِّ النظرِ عن ردودِ الفعلِ المختلفةِ، هناك أمرٌ واحدٌ واضح لجميعِ من يراقب علاقات أنقرة وواشنطن عن كثب: في ظلِّ إدارةِ بايدن القادمة، فإنه من المحتّمِ أن تُعدَّلَ طبيعةُ العلاقاتِ التركية الأميركيةِ، والتي كانت قد تقلّصت إلى حدٍّ كبيرٍ إلى علاقاتٍ غير مألوفة بين رئيس الولاياتِ المتحدةِ دونالد ترامب وإردوغان.

ولن يكون من الخطأ الافتراض بأنّ عدداً أقل من المكالمات الهاتفية المباشرة بين الرئيسين ستُجرى، وأنه لن يكون هناك دبلوماسية غير مباشرة بين الصهرين كذلك.

إذ قام كل من بيرات البيرق، صهر إردوغان -الذي استقالَ مؤخراً من منصبه كوزيرٍ للخزانةِ والماليةِ- وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ترامب، بدورٍ فعّالٍ في الإشرافِ على العلاقاتِ الثنائيةِ بين البلدين. ولن يقوما بذلك بعد الآن.

وكان هناك تخمينات كثيرة داخل تركيا بأنّ استقالةَ البيرق وانتخاب بايدن، واللذين حدثا في الأسبوعِ ذاته، لم يكونا مصادفة، بل إنّ استقالةَ البيرق كانت جزءاً من جهودِ أنقرة استعداداً لفترةِ بايدن.

وكان مايكل كاربنتر، المدير الإداري لمركز الأبحاث "بن بايدن للدبلوماسية والمشاركةِ العالميةِ"، من بين الذين أثاروا هذه التكهنات، حين قالَ إنّ تنحّي البيرق قد يكون "مؤشراً على أنه حين تبدأ الحقائقُ بالتراكمِ، هناك استعدادٌ لإعادةِ تقييم السياساتِ والموظفين". وقد كان يتحدثُ في 11 تشرين الثاني/نوفمبر (2020) خلال بثٍ مباشرٍ نظمته المؤسسةُ اليونانية للسياسةِ الأوروبيةِ والخارجيةِ (ELIAMEP)، وهي معهد أبحاث يوناني غير ربحي، حيث قالَ: فلنختبر هذا.

 

Demokratların ABD Başkanlığı adayı @JoeBiden Türkiye’de muhalefeti destekleyerek @RTErdogan iktidarını değiştireceğini ve en son yapabileceği şeyin Kürtler hakkında Erdoğan’a “taviz vermek” olacağını söyledi. Joe Biden samimi bir Kürt ve Kürdistan dostudur. pic.twitter.com/PqzGuOWWUF

— Arif Zêrevan (@ArifZerevan) August 15, 2020

 

ويبدو أنّ أنقرة تستعدُ للاختبارِ، ليس فقط عبر البحثِ عن لوبيات جديدةٍ لإقامةِ علاقاتٍ جيدةٍ مع الإدارةِ الجديدةِ للولاياتِ المتحدةِ، بل أيضاً عبر تقديمِ إصلاحاتٍ لضمان سيادةِ القانونِ واقتصادٍ أفضل. ويعاني الاقتصاد التركي بالفعل من العديدِ من المشاكلِ، ويكافحُ بشكلٍ خاصٍ منذ عام 2018 حين هدّدَ ترامب تركيا بعقوباتٍ اقتصاديةٍ في تغريدةٍ له تتعلّقُ بسجنِ القس الأنجيلي الأميركي أندرو برونسون، الذي أدين بتهمٍ تتعلّقُ بصلاتٍ بمنظماتٍ إرهابيةٍ قبل أن يطلقَ سراحه في نهايةِ المطافِ بعد سنتين من الاحتجازِ.

ويبدو أنّ أنقرة، التي من المؤكد أنها لم تنسَ هذه التغريدة، تأملُ بحقبةٍ جديدةٍ مع الولاياتِ المتحدةِ وتعوِّلُ على ألا يكون بايدن متهوراً كما ترامب. إذ ترجو أنقرة أنّ يبني البلدان علاقاتهما على أساسِ المصالحِ المشتركةِ وأن يتمكنا من تجاوزِ العقباتِ.

وقد قال كاربنتر في الاجتماعِ ذاته أنّ الإدارةَ القادمةَ لم تعتزم فرضَ عقوباتٍ وخيمةٍ على تركيا وأنّ الهدف ينبغي ألا يكون "دفع تركيا إلى الزاويةِ". وقد اعتبرت أنقرة ذلك بمثابةِ "بداية واعدة"، كما عبّر عن ذلك برهان الدين دوران، المنسق العام لمؤسسةِ البحوث السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ (سيتا) المواليةِ للحكومةِ (SETA)، في عموده في صحيفة دايلي صباح المواليةِ للحكومةِ أيضاً.

ما مدى النفوذ السياسي؟

وفقاً للصحفي المستقل البارز مراد يتكين، تعتقدُ أنقرة أنّ بايدن سيهدفُ إلى إعادة بناء علاقات عبر أطلسية لردعِ روسيا في مناطق مثل البحر الأبيض المتوسط والقوقاز وأنه من الممكن أن يقدِّرَ قيمة تركيا، والتي يمكن أن تساعدَ في الوصولِ إلى هذا الهدفِ.

وقد كتب يتكين على مدونته: "بسبب ديبلوماسية إردوغان العسكرية المحفوفة بالمخاطر، فإنّ تركيا من الناحيةِ العمليةِ أيضاً جزء من المفاوضاتِ حول ليبيا وأذربيجان-أرمينيا، إضافة إلى سوريا، مما يشيرُ إلى أنه من دونها لا يمكن الوصول إلى حلولٍ في سوريا وفي شرق المتوسطِ. وعلى الرغمِ من وجودِ منظور سلبي تجاه إردوغان وتركيا منذ إدارة أوباما، إلا أنه من غير المتوقع اتّخاذ أي إجراءات من شأنها أن تدفع تركيا باتجاه روسيا والصين وإيران".

ووفقاً لدوران، فإنّ لدى أنقرة مساحة للمناورةِ إزاء إدارةِ بايدن لأنها "على طاولة المفاوضات وعلى الأرضِ في الكثير من أجزاء العالم".

وكما يكتبُ في عموده: "توجدُ نقطتان أساسيتان: أولاً، تركيا -بوصفها حليفاً قيادياً في حلف شمال الأطلسي- تُوازِنُ النفوذَ الروسي في ليبيا وسوريا وناغورني كاراباخ . وفي الوقتِ ذاته، يمكن لها أن تلعبَ دوراً بناءً، بينما يسعى التحالف الغربي -الذي ستحاول إدارةُ بايدن استعادته- إلى مواجهةِ موسكو".

بيد أنّ البعض يجادلُ بأنّه من المحتملِ أنّ أنقرة تبالغُ في تقديرِ دورها. ومن هؤلاء سولي أوزال، أكاديمي في جامعة قادر هاس بقسم العلاقات الدولية.

إذ قالَ لإذاعة صوت أمريكا "يعتقدُ الكثيرُ من الأشخاصِ في الولايات المتحدة أنّ بإمكانهم إدارة الأمورِ من دون تركيا"، مشدِّداً على أنّ رسالةَ بايدن إلى تركيا هي "التصرف كحليفٍ أو مواجهة العواقبِ".

وقد أتت واحدة من أولى رسائل إدارةِ بايدن، من كاربنتر، وتُظهِرُ أنّ البيت الأبيض الجديد مدركٌ للدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا، بيد أنه ينبغي القولُ علانيةً إنه بخلافِ ذلك سيكون هناك ثمن لذلك.

فقد قالَ: "بدلاً من التهديداتِ الأحاديةِ الجانب، ينبغي على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تقديم "جبهة موحدة"، والتي من الممكنِ أن تقنعَ إردوغان بوجودِ مجال للتعاونِ، بيدَ أنّ هناك عواقب سلبية للغاية على انتهاجِ سياسة أكثر عدائية".

 

 

قضايا صعبة على الأجندة

على الرغمِ من الرغبةِ الأوليةِ للجانبين باختبارِ الوضعِ والتعاون، توجد قضايا صعبة ينبغي تناولها عاجلاً، بدءاً بمسألةِ منظومةِ الدفاعِ الجوي الروسية S-400. فقد اشترت تركيا إس 400، منظومة صواريخ متطورة من روسيا، على الرغمِ من تحذيرات واشنطن أن عملية الشراء تنتهكُ قوانينَ الولايات المتحدة وأنّ رادار الصواريخ يعرّضُ أنظمة دفاع حلف شمال الأطلسي للخطر.

وعلى الرغم من أنّ أعضاء في مجلسِ الشيوخِ الأميريكي حذّروا بأنّ هذه الخطوة قد تتسببُ في فرضِ عقوبات، اختبرت أنقرة النظامَ في تشرين الأول/أكتوبر 2020. ومن القراراتِ الأولى فيما يتعلقُ بتركيا، يمكن لبايدن أن يفرضَ عقوباتٍ على أنقرة بموجبِ قانون مكافحةِ أعداءِ الولاياتِ المتحدةِ من خلال العقوبات (CAATSA)، والتي تتراوح بين إجراءات ماليةٍ رمزيةٍ إلى قاسيةٍ.

كما أنّ هناك قضية أخرى تثير قلقَ أنقرة وهي القضية التي تتعلقُ بمقرضِ الدولة "بنك خلق"، الذي شهد سجن مسؤول تنفيذي في نيويورك في عام 2018 لمشاركته في مخططٍ لتجاوزِ العقوباتِ الأميركيةِ المفروضةِ على إيران.

ففي أوائلِ عام 2020، واجه بنك خلق التركي اتهامات مجدداً في محكمةِ نيويورك، بيد أنّ وزارة الخزانة الأميركية كان قد أجّلت حتى الآن معاقبة تركيا، ووفقاً لصحيفةِ نيويورك تايمز، يعودُ ذلك جزئياً إلى العلاقاتِ الجيدة بين البيرق صهر إردوغان مع إدارة ترامب.

ولكن في ظلِّ فترة بايدن، فإنه من الواضحِ أنّ العلاقات الشخصية لن تكون مفيدة، لأنّ العلاقات سترتكزُ على أرضيةٍ مؤسسيةٍ، بينما سيُبنَى الباقي من خلال المفاوضات. وبالتالي لن يكون التعاونُ ولا التوترُ أمراً مفاجئاً.

 

 

عائشة كارابات

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:40876]