على المثقفين العرب استنهاض انتفاضات الشعوب أم لجم حماستها الزائدة؟
الربيع العربي جعل المثقف في مرمى نيران المجتمع؟

منذ زلزال الربيع العربي -الذي هز عروشاً كانت لعقود مستقرة- وهذا التساؤل مطروح: هل على المثقفين استنهاض همم الشعوب أم لجم الحماسة الزائدة؟ عماد الدين حسن يتتبع الخيوط لموقع قنطرة.

بعد زلزال عام 2011 الذي اصطُلِحَ على تسميته بالربيع العربي، ومع استمرار هذا الزلزال الذي هز أنظمة وعروشاً كانت مستقرة لعقود، كان المثقف العربي حاضراً في المشهد بشكلٍ دائم. لا يعني ذلك الحضور أن يكون بشخصه على وجه الحصر، بل إن الحضور ممكن من خلال حتى التساؤل الذي طُرح منذ بداية الأحداث وحتى اليوم: أين المثقف العربي مما يحدث؟

قبل عقود طويلة، كتب إيميل زولا، الأديب والكاتب الفرنسي عن دور المثقف في الدفاع عن القيم العليا كالعدالة والحق ومناهضة التطرف والاستبداد. كان هذا دأب الكثير من المثقفين حول العالم ليس في أوروبا وحدها. كانت كتابات وأفكار المثقفين والأدباء إما استنهاضاً لهمم الشعوب وإما لجماً لحماسة زائدة قد تودي بالثورات إلى طريق لا رجعة منه.

يرى كثير من الشباب العربي وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك صدمة ما من رد فعل المثقفين العرب إزاء الثورات العربية. فهم يرون أنهم إما لم يكونوا على قدر الحدث لا قبله ولا بعده، فيما يرى آخرون أن هناك نوعاً من السكوت طوعاً أو كرهاً وهناك آخرون يشيرون إلى مَن التحق من المثقفين بركب الحكام والثورات المضادة. 
 
وجهة نظر في تويتر.
وجهة نظر في تويتر.
 
 
 
 
في هذا الصدد يرى ياسين عدنان، الروائي والكاتب والإعلامي المغربي، في حديثه مع موقع قنطرة أن "المثقف يتعرض للابتزاز في المجتمعات العربية بشكل غير مقبول، وأن الكل يبكي غيابه ويندب تخلّيه عن الشعب وتقاعُسه عن الاضطلاع بأدواره التاريخية".
 
ويقول عدنان إن "وجه الابتزاز الأوضح يتجلّى في أننا نتذكّر المثقف فقط بعدما تصدح الحناجر بالشعارات في الشوارع لحظة الاحتقان والتصعيد. ليُطلب منه بلورة موقفٍ سريعٍ وواضحٍ في شرطٍ ملتبسٍ بالغ التعقيد دون أن نحفل بتشخيصه للوضع. وما أن يحاول بعضُ المثقفين المساهمة في النقاش العام بمساءلة القناعات والأفكار، والذهاب بالتحليل أبعد من الشعار، حتى يُصْلَبون بلا رأفة".
 

ويضيف بأن "المثقف هو الحائط القصير، وعليه أن يكون بوقًا للجماهير، دون أن يُشوِّش على ثوابتها، أو يزرع بذورَ الشك في قناعاتها العمياء. الجماهير تحتاج إلى مثقف تُبجّله وَتُقدّسه باعتباره الطليعةَ وحامل اللواء، تحتاجُ مسمّعًا لمواقفها وصدىً مجلجلًا لشعاراتها".

 

 

ويعيب الكاتب والروائي المغربي على الشعوب العربية احتياجها إلى مَن يُسوِّغ مطالبها ويشرعن نزوعاتها الطائفية حيناً والشعبوية أحيانًا، "لذا تجدها تُعلي من شأن هذا الصنف من "المثقفين" مهما كان خطابهم ضحلًا".

ويرى عدنان أن "المثقف بالنهاية مجرّد مواطن مِهنتُه بلورة الأفكار وصياغة الوجدان. قد يمارس الالتحام بالجماهير، أنّى شاء، مِن موقع المواطَنة. لكنَّ عنوانَه الثابت لمن يطلبُ لقاءَه، فهو مُنْجَزهُ الفكري والأدبي.

فالمثقف مقيمٌ في كُتبه، وكل من يبحثُ عنه في مَظَانّ أخرى إنّما يُزايِدُ عليه. ومن غير المقبول أن نطالب المثقف بأدوار دونكيخوتية لا قِبَل له بها، "فيما نحن عاجزون تمامًا عن الخطو باتجاهه بسبب عزوفنا التّام عن القراءة. لكي نلتقي المثقف علينا أن نكون قرّاء أوّلا، قرّاء بالأساس".

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة