سفاح بإيران اقترف جرم قتل بائعات هوى باسم الرب

لقطة من الفيلم الإيراني "عنكبوت مقدس".
لقطة من الفيلم الإيراني "عنكبوت مقدس".

فيلم المخرج الإيراني علي عباسي يروي قصة سفاح حقيقية "عنكبوت قاتل" اسمه سعيد قتل بائعات هوى عديدات بمدينة مشهد الإيرانية. أندرياس كيلب شاهد الفيلم ويراه مثيرا للاهتمام رغم ملاحظته تعثرا إخراجيا بنهايته.

الكاتبة ، الكاتب: Andreas Kilb

يبدأ فيلم "عنكبوت مقدَّس" بحوار يبدو وكأنَّه تعليق على الاحتجاجات الجماهيرية 2022 / 2023 في إيران. وهذا الحوار يدور بين المراسلة الصحفية آريزو وموظف فندق: "رجاءً غطِّ شعرك". - "هذا ليس من شأنك". - "ولكن شرطة الآداب...". - "اهتم أنتَ بأشيائك الخاصة".

لقد قيل عن الكردية الإيرانية مهسا أميني، التي أشعل موتها على يدَّ شرطة الآداب في شهر أيلول/سبتمبر 2022 الاحتجاجات في إيران - إنَّها لم تكن محجَّبة بشكل صحيح. ولكن مع ذلك فسيكون من المبالغة أن نعزو موهبة التنبُّؤ إلى فيلم "عنكبوت مقدَّس"، الذي تم إنتاجه في الصيف الماضي 2022. يعتبر الظلم، الذي تخرج ضدَّه حركة الاحتجاجات إلى الشوارع في إيران، جزءًا من نسيج المجتمع، الذي يصفه هذا الفيلم.

ويقدِّم هذا الحوار في الوقت نفسه وصفًا مدَّته ثوانٍ لبطلة الفيلم آريزو رحيمي. لقد سافرت من طهران من أجل إعداد تقرير صحفي عن جرائم سفَّاح في مدينة مشهد الغنية بالمزارات الدينية والتي تعتبر ثاني أكبر مدينة إيرانية. تعمل آريزو صحفية مستقلة منذ أن اشتكت على رئيس تحرير الصحيفة التي كانت موظفة فيها بعد تحرُّشه بها جنسيًا.

ولكن الشائعات المنتشرة حولها في قطاع الصحافة تقول شيئًا آخر يفيد بأنَّ هناك "شيئًا ما قد حدث" بينها وبين رئيسها، مثلما يهمس لها المراسل الصحفي المحلي شريفي، الذي أتت آريزو لسؤاله من أجل بحثها عن معلومات لعملها الصحفي.

 

 

تواجه الصحفية آريزو هذه النظرة الذكورية ووتصدَّى لها ليس فقط في بهو الفندق، بل في كلّ مكان من حولها، وكذلك في عملها وحتى في قسم الشرطة، التي يزورها رئيسه في غرفتها خلال المساء ويضايقها قبل أن تتخلص منه بصعوبة. لقد أدَّت دور آريزو الممثِّلة الإيرانية زهرا أمير إبراهيمي، التي أصبحت هي نفسها في عام 2006 ضحية من ضحايا فضيحة الهاشتاغ "أنا أيضًا" وذلك عندما زُعِم أنَّ لها شريطًا إباحيًا منتشرًا على الإنترنت.

وبدلًا من ذهابها إلى السجن في إيران، هربت زهرا أمير إبراهيمي إلى باريس، حيث لا تزال تعيش فيها حتى اليوم. وحصلت في شهر أيَّار/مايو من العام الماضي (2022) على جائزة مهرجان كان السينمائي لأفضل ممثِّلة عن دورها في هذا الفيلم.

يعثر القاتل السفَّاح سعيد في شوارع مشهد على ضحاياه. ويبدأ الفيلم بواحدة من جرائمه. نشاهد امرأة شابة تُودِّع طفلها في أحد الأحياء الفقيرة بعد أن تتزيَّن وتضع مساحيق التجميل وتغطِّي رأسها بحجاب ملوَّن ثم تقف منتظرة على جانب الطريق.

ونشاهدها وهي واقفة مع اثنين من زبائنها، رجلين يكيلان لها الشتائم والإهانات، ثم تركب على دراجة نارية مع الرجل الثالث. وهو سعيد، الذي يأخذها إلى عمارة نصف مكتملة، حيث يلقيها على الأرض ويخنقها بحجابها. وتعرض الكاميرا لقطة مقرَّبة لوجه القتيلة المشوَّه بالخوف.

ومثل هذه اللقطات أَلحَقت بفيلم "عنكبوت مقدَّس" في عرضه الأوَّل في مهرجان كان السينمائي تهمة الإفراط في عرض العنف. ولكن العنف في الواقع حاضر حضورًا تامًا في هذه القصة: في العلاقات بين المومسات وزبائنهن وفي نظرات الرجال لآريزو وفي الأحياء الفقيرة المعروفة بكثرة المدمنين على المخدِّرات فيها بمدينة مشهد.

ويعاني القاتل نفسه من صدمة نفسية بسبب خدمته لسنين على الخطوط الأمامية في الحرب العراقية الإيرانية: فعندما تسقط على رأس سعيد بالخطأ كرة قدم أثناء قيامة بنزهة في الحديقة، تنهار أعصابه ويبكي مثل طفل. سيكون من غير المتناسق من الناحية الجمالية إخفاء منظر جرائمه. والسؤال هو ماذا يعني ذلك بالنسبة لفيلم لا يريد فقط أن يكون فيلم جريمة وإثارة بل فيلمًا يعرض صورة المجتمع أيضًا.

نظرة متأثِّرة بأسلوب السينما الغربية

لقد سافر مخرج الفيلم علي عباسي من إيران إلى أوروبا من أجل الدراسة في عام 2002 ولم يعد. وتخرَّج من معهد السينما في كوبنهاغن. وكان أوَّل عمل من إخراجه فيلم رعب، أمَّا فيلمه الروائي الثاني الحدود Border، الذي تم تقديمه كفيلم دنماركي لجائزة الأوسكار لأفضل الأفلام الأجنبية، فيدور حول ضابطة مشوَّهة تعمل في جمارك المطار وتكتشف أنَّ بإمكانها تغيير جنسها.

أمَّا في فيلم علي عباسي "عنكبوت مقدَّس" فيمكن القول إنَّ فيه نظرة متأثِّرة بأسلوب السينما الغربية تواجه واقعًا غير مناسب للأفلام النوعية. ولكن هذا سيكون على أكثر تقدير نصف الحقيقة، لأنَّ فيلم "عنكبوت مقدَّس" حريص كثيرًا على ألَّا يكون فيلمًا نوعيًا، بل إنَّ علي عباسي يريد إعادة بناء واقع إيران من مسافة تمتد لعشرين عامًا وفي الوقت نفسه جعله متوافقًا مع أساليب السرد الحديثة، وهذا الجهد المزدوج هو الذي يرهقه ويجعله يتعثَّر في النهاية.

لقد شهدت إيران في الواقع وجود قاتل سفَّاح في مدينة مشهد في عام 2001. هو سعيد حنايى "العنكبوت القاتل"، الذي أُطلق عليه هذا الاسم لأنَّه غالبًا ما كان يستدرج ضحاياه إلى منزله، حيث خنق ستة عشر امرأة قبل أن يتم القبض عليه. لقد قال سعيد حنايى (سعيد حنايي) في المحكمة إنَّه يريد تطهير مدينته من الفسق والفساد بعد أن تم الخلط بين زوجته وبائعات الهوى.

وطالب المتشدِّدون والمعلقون المتدينون في الصحف المحافظة بإطلاق سراحه. وفي النهاية، تم الحكم على سعيد حنايى بالإعدام وأُعدم في شهر نيسان/أبريل 2002. وقد تم في العام نفسه إصدار فيلم وثائقي سُمح فيه لسعيد حنايى بالتعبير عن آرائه في حوار معه.

الكاميرا لا تعرف أين يجب عليها التركيز

ما لم يكن موجودًا حينها هو وجود المراسلة الصحفية، التي أوصلت سعيد حنايى إلى حبل المشنقة. فقد أوجد شخصيتها المخرجُ علي عباسي لكي لا يضطر إلى جعل القاتل هو بطل فيلمه ولكي يُقدِّم لنا شخصية تستحق التعاطف معها. وهذا يسير بشكل جيد لبعض الوقت لأنَّ الممثِّلة زهرا أمير إبراهيمي تسيطر بسهولة على كل موقف تظهر فيه.

ولكنه ينتهي بشكل خاطئ على المدى الطويل، وذلك لأنَّ فيلم "عنكبوت مقدس" يعرض عالم سعيد حنايى وقيوده ورغباته وكراهيته. وليس صدفةً أن يظهر هذا الفشل في المشهد الذي يلتقي فيه الاثنان، سعيد وآريزو.

وذلك لأنَّ الدراما النوعية الكلاسيكية من شأنها أن تتذوَّق كلّ صغيرة وكبيرة في اللقاء بين البطلة والشرير. ولكن هذا يتناقض مع جدِّية الفيلم. ومع ذلك فإنَّ المخرج علي عباسي لا يريد أن ينتهي بحث الصحفية عن القاتل من دون إحداث تأثير.

 

 

 

وهكذا فهو يحاول إنقاذ ذلك في شجار فاتر فشل في عرضه من الناحية الجمالية سواء كفيلم جريمة وإثارة أو كفيلم شبه وثائقي. وحتى الكاميرا لا تعود تعرف خلال ذلك أين يجب عليها التركيز. وبعد هذا المشهد نكاد لا نشاهد الممثِّلة زهرا أمير إبراهيمي مرة أخرى على أية حال. فبقية القصة مخصَّصة للقاتل وحده.

ومع ذلك فإنَّ فيلم "عنكبوت مقدَّس" يعرض صورة واسعة: منظر المدينة من أعلى في الليل. يقول علي عباسي إنَّه أعاد اكتشاف شبكة عنكبوت هذا السفَّاح في أنماط الضوء بمدينة مشهد. وفيلمه هو محاولة لعكس دراما بلد في ملامح القصة. وكونه في النهاية لم ينجح في ذلك فهذا لا يجعل فيلمه أقل إثارة للاهتمام. وحتى الاحتجاجات في شوارع إيران لها نمط يجب قراءته.

 

 

 

أندرياس كيلب

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ / موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de