كتاب "يسوع الإسلامي - كيف أصبح ملك اليهود نبيا للمسلمين"

كتاب محفز على التفكير، ولا يتحدى قول الكنيسة حول ألوهية يسوع فحسب، بل يتحدى أيضا التشبث الإسلامي بشريعة الله بدلا من التشبث بمقاصده. لوسي جيمس قرأت لموقع قنطرة كتاب الصحفي التركي مصطفى أكيول "يسوع الإسلامي: كيف أصبح ملكُ اليهود نبياً للمسلمين".

الكاتبة ، الكاتب: Lucy James

إِنْ كان هناك كتاب يضمن تحفيز الحوار بين المسيحيين والمسلمين، فسيكون هذا الكتاب. ومصطفى أكيول الذي وصل كتابه "إسلام بدون تطرّف: قضية إسلامية من أجل الحرية" إلى القائمة الطويلة لجائزة ليونيل غيلبر، أنتج هذه المرة عملاً يتناول القواسم المشتركة للأصل، والدور الذي يضّطلع به يسوع المسيح ضمن العقيدة الإسلامية كنبي ويُظهِر أن -في الواقع- الكثير من التقاليد الإسلامية المتعلّقة بالمسيح يمكن أن تكون لها أصولها في المسيحية "اليهودية" المبكّرة.

وأكيول، عبر دمجه للاهتمام الأكاديمي بالتفاصيل مع أسلوب سهل القراءة للغاية، يفحص المصادرَ التي سبقت وساهمت جزئياً في العهد الجديد كما نعرفه. إذ أنه باستخدام إنجيل الطفولة وإنجيل جيمس المنحول، ناهيك عن المفهوم المثير للجدل لـ "الوثيقة كيو" ["الإنجيل المَصدَر المفقود"]، يرسم التداخلَ بين الإسلام والمسيحية، وهو في الواقع كبير. وقد يشكّل هذا مفاجأة للمسيحيين غير المطّلعين على العقيدة الإسلامية، أو المسلمين الذين تكون معرفتهم بالمسيحية سطحية في أحسن تقدير.

المسيحية المبكرة بكل أشكالها

الغلاف الإنكليزي لكتاب "يسوع الإسلامي - كيف أصبح ملك اليهود نبيا للمسلمين" - للصحفي والكاتب التركي مصطفى آكيول. (published by St Martin's Press)
مفتاح الإصلاح: من خلال إعادة تأكيد المكانة الفريدة ليسوع بوصفه كلمة الله، وهي سمة من سمات المسيح المشتركة في كل من المسيحية والإسلام، وتبجيل نهجه التفسيري، غير الحرفي تجاه الشريعة، فإن المسلمين والمسيحيين على حد سواء يملكون فرصة لخلق مجتمع أكثر تعاطفاً وأكثر إنسانية.

يبذل أكيول جهداً لتذكير قرّاءه بأن العقيدة المسيحية، في سنواتها التكوينية، كما نعرفها اليوم لم تكن جامدة قَطّ. فيشير، في هذه العملية، إلى بعض الفروق المثيرة للاهتمام بين الأنواع المبكرة للمسيحية –الكنيسة البولُسية القائمة على تعاليم القديس بولُس، التي شكّلت في نهاية المطاف أسس المسيحية الغربية الحديثة، والمسيحية "اليهودية" التي رعاها جيمس، شقيق يسوع وآباء الكنيسة الأوائل في القدس.

كما يفحص كتاب "يسوع الإسلامي" التقليدَ الإسلامي المتعلق بمريم. بشكل أساسي، الكثير من تبجيل الكنيسة لمريم، يوجد في القرآن أيضاً. فالقرآن يتناول مفهومها الطاهر، ويعطي وصفاً تفصيلياً للبشارة ويعزّز مبدأ الولادة العذريّة.

كما تمكّن أكيول من الكشف عن بعض الأدلة الأركيولوجية المسيحية المذهلة التي تشير إلى أسطورة بديلة مرتبطة بمريم، والتي تظهر الخطوط العريضة لها من جديد في القرآن. يكتب آكيول: "توجد عناصر في التقليد المسيحي لا تضع ميلاد المسيح في بيت لحم بل في مكان ما خارج المدينة، وتضع أيضاً شجرة نخيل وينبوع ماء في المكان ذاته".

بعد تأسيسه لروابط مختلفة بين المسيحية "اليهودية" المبكّرة والإسلام، يذهب أكيول إلى القول بأن المسيح كجزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية الأساسية يستحق المزيد من الاهتمام في التفسير الحديث للإسلام.

الكفاح القديم ضد الإمبريالية

ويقارن وضع مسلمي القرن الـ 21 بالوضع الذي وجد اليهود أنفسهم فيه خلال الاحتلال الروماني، وشعورهم بالحاجة إلى المحاربة ضد ما شعروا أنه كان إمبريالية، بأي طريقة استطاعوا.

يجد أكيول مُكافِئات مُسلِمة للصدوقيين، والفريسيين، والإسنس، والزيالوت وعصبة حملة الخناجر السيكاري (وهي جماعات يهودية مختلفة)، في مختلف الطرق المتنوعة التي يُمارَس بها الإسلام عادةً اليوم – في مؤسسات إسلامية ملتزمة، ومسلمين محافظين ملتزمين بالشريعة الإسلامية، واتباع الصوفية، وجهاديين، وأخيراً، إرهابيين.

ثم يجادل أكيول بأن المسيح جاء لإعادة تفسير رسالة الله إلى اليهود، التي نادى بها في الأصل نبيهم موسى. وعلى نحو مماثل، يواصل بأن المسيح أيضاً لديه رسالة للمسلمين اليوم، ربما ليس من خلال صلبه وقيامته، التي تقول بها المسيحية السائدة، بل بالأخذ بمثاله واستخدامه لإعادة تفسير إيمانهم المُلتزم بالشريعة. كما أنه يساوي الهالخا (تعاليم الشريعة اليهودية) القديمة لليهود بالشريعة الإسلامية، ويجد تركيزاً مشتركاً على نص الشريعة.

ومع ذلك يجادل بأن الشريعة، وعلى خلاف الهالخا التي خضعت لعملية التنوير اليهودية المعروفة باسم هاسكالاه خلال القرن الثامن عشر، لا تزال حبيسة فقاعة الزمن في القرن التاسع.

 

 

في إرساء أكيول للخيط المشترك بين الأديان الإبراهيمية الثلاث الكبرى –شخص يسوع المسيح [عيسى بن مريم] - فهو إنما يؤكّد بفعالية أن إصلاح الإسلام هو أفضل ما يمكن فعله. في هذه العملية، يتناول بصدق الإمكانية غير العادية للمساهمة التي قدّمها يسوع للعالم. فمن خلال إعادة تأكيد المكانة الفريدة ليسوع بوصفه كلمة الله، وهي سمة من سمات المسيح المشتركة في كل من المسيحية والإسلام، وتبجيل نهجه التفسيري، غير الحرفي تجاه الشريعة، فإن المسلمين والمسيحيين على حد سواء يملكون فرصة لخلق مجتمع أكثر تعاطفاً وأكثر إنسانية.

يقدّم هذا الكتاب بريق أمل في وقت نشهد فيه تصميم الكثير من الخطاب العام على التركيز على ما يفرّقنا. وكما يقول أكيول ببلاغة: "سواء كنا يهوداً أو مسيحيين أو مسلمين، فإننا نتشاطر إما إيماناً يتَّبعه [المسيحُ] أو إيماناً مبنياً عليه، أو إيماناً يبجّله".

 

لوسي جيمس

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de