ماذا يفعل المسلمون في عيد الميلاد؟

هل يُعتَبر الإسلام جزءًا من ألمانيا؟ هذا السؤال بات يزعج من جديد الكثيرين في ألمانيا. رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، أيمن مَزْيَك، يقدِّم أجوبة على هذا السؤال في كتابه "ماذا يفعل المسلمون في عيد الميلاد؟ الإسلام والحياة اليومية في ألمانيا". باولا كونرسمان تستعرض هذا الكتاب لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Paula Konersmann

في البدء ترد الانتقادات، وبمصطلحات مثل "الجهاد" أو "الشريعة" ينشغل حتى الأشخاص الواسعو الاطلاع، من دون معرفة معانيها، وكذلك تحوَّلت مصطلحات مثل "الحجاب" أو "الفتوى" إلى "مفاهيم عدائية محاطة بالخوف"، مثلما يرى أيمن مَزْيَك ويقول: إنَّ الدعوة إلى الحوار تتحوَّل هكذا إلى "مهزلة".

رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا ZMD، أيمن مزيك، لا يمثِّل جميع المسلمين البالغ عددهم أربعة ملايين مسلم في ألمانيا. غير أنَّه اكتسب من خلال حضوره الإعلامي الرفيع شهرة كشريك رئيسي في الحوار. ولذلك فهو يتلقى أحيانًا انتقادات من المسلمين، مثلاً بسبب مشاركته في مسيرة التضامن بعد الهجوم على هيئة تحرير المجلة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" في شهر كانون الثاني/يناير 2015.

وأحيانًا يواجه رياحًا معاكسة من مختلف الاتِّجاهات، ولكن من الواضح أنَّ أيمن مزيك لا يريد الاستسلام. وخير دليل على ذلك كتابه: "ماذا يفعل المسلمون في عيد الميلاد؟ الإسلام والحياة اليومية في ألمانيا"، الذي صدر في ربيع عام 2016 باللغة الألمانية عن دار نشر برتلسمان. وفي هذا الكتاب يريد الحديث حول تاريخ الإسلام وحاضره، حول حياة المسلمين اليومية وإيمانهم، مثلما يوضح في مقدِّمة كتابه. ورسالته الرئيسية هي: "نحن البشر متشابهون أكثر مما نلاحظ".

المسلمون محل اشتباه عام

إنَّ مَنْ تتَّبع النقاش الأخير حول الإسلام، استطاع أن يكوِّن انطباعًا مختلفًا. وأيمن مزيك يربط تحوُّل الانتباه العام بحدث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. فبعد هذا الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة أكثر من ثلاثة آلاف قتيل، أصبح من الواضح بالنسبة له بسرعة أنَّ المسلمين بات يُنظر لهم الآن في ضوء هذا الهجوم، مثلما يكتب. ويضيف أنَّ الدراسات قد أثبتت في هذه الأثناء أيضًا زيادة التمييز ضدَّ المسلمين مثلاً في بحثهم عن عمل وسكن. ويقول أيمن مزيك مشتكيًا إنَّ وضعهم يشبه "وضع الدون كيشوت (في الرواية التي اسم بطلها الفارس النبيل الدون كيخوتي أيضاً) وصراعه اليائس مع طواحين الهواء".

غلاف كتاب أيمن مزيك: "ماذا يفعل المسلمون في عيد الميلاد؟ الإسلام والحياة اليومية في ألمانيا"، صدر عن دار نشر برتلسمان، بتاريخ 2016.
في كتابه "ماذا يفعل المسلمون في عيد الميلاد؟ الإسلام والحياة اليومية في ألمانيا" يريد أيمن مزيك الحديث حول تاريخ الإسلام وحاضره، وحول حياة المسلمين اليومية وإيمانهم. ورسالته الرئيسية هي: "نحن البشر متشابهون أكثر مما نلاحظ".

يربط أيمن مزيك بين أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وأزمة اللاجئين: فمن خلالها أصبحت معاداة الإسلام "مقبولة في المجتمع إلى حدّ يتجاوز الهامش اليميني"، بحسب تعبيره. وهذه العنصرية المعادية للإسلام تقترب من الذروة - غير أنَّها لا تستهدف في معظمها المسلمين الملتزمين، "بل أولئك الذين يتم وسمهم كمسلمين بسبب مظهرهم وبلدهم الأصلي (أو بلد والديهم) أو بسبب كنياتهم وأسمائهم".

وأيمن مزيك المتخصص دراسيًّا في الاستشارات الإعلامية لا يريد ترك ذلك على حاله. فهو يُذَكِّر بالمسلمين في شرق وجنوب شرق أوروبا - وهذا يُمثِّل إلى حدّ ما دليلاً حيًّا على أنَّ الإسلام ليس ظاهرة جديدة في أوروبا. وكذلك يشرح كتابه المكوَّن من ثلاثمائة صفحة المفاهيم الأساسية ويدحض الآراء التي تقول على سبيل المثال إنَّ القرآن الكريم يطالب بعدالة موازية.

الحرِّية الدينية كجزء من تعاليم الدين الإسلامي

ومن بين الموضوعات التي يركِّز عليها هذا الكتاب موضوع الحرِّية الدينية، التي احتلت مؤخرًا عناوين الصحف الألمانية بسبب البرنامج الأساسي لحزب البديل من أجل ألمانيا AfD (الشعبوي المناوئ للإسلام والمهاجرين). ويؤكِّد أيمن مزيك على أنَّ الحرِّية الدينية هي جزء من تعاليم الإسلام، تمامًا مثلما يَحُثُّ القرآن الكريم على التبادل مع الطوائف الدينية الأخرى. وخلاصته: "نحن لا نحتاج بالتالي إلى تفسير جديد للإسلام من أجل الاعتماد على الحوار". وعلى العكس من ذلك فإنَّ فظائع الإرهابيين لا تتوافق مع تعاليم الإسلام.

وتتَّضح في الكتاب قواسم مشتركة مع المواقف الكنسية، مثلاً فيما يتعلق برفض القتل الرحيم (أي مساعدة المرضى على الموت لإنهاء معاناتهم). ولكن في الجدال مع الشعبويين اليمينيين يتمنى أحيانًا من ممثِّلي الكنيسة لهجةً أكثر وضوحًا، مثلما يكتب في كتابه هذا.

وبالنسبة للمسلمين يضع أيمن مزيك مقترحات محدَّدة، مثل الجمع في بناء المساجد بين فنِّ العمارة الإسلامية التقليدية وبين العناصر الحديثة في وطنهم الجديد ألمانيا. ودعوته إلى مراعاة الآخر والاحترام المتبادل لا تبدو ذات لهجة منبرية. يقول أيمن مزيك نادرًا ما يشتكي شخص غير مسلم "من ميِّزة الحلال الخاصة بأعز الوجبات السريعة عند الألمان"، أي الشاورما.

ولا يبقى سوى الإجابة على السؤال، الذي يطرحه عنوان الكتاب: "ماذا يفعل المسلمون في عيد الميلاد؟" أيمن مزيك، الذي وُلد من أب سوري وأم ألمانية، كان يحتفل دائمًا عندما كان طفلاً مع عائلة والدته بعيد الميلاد و"يتمتَّع بهذا التقليد"، مثلما يقول. وبالنسبة له فإنَّ "العالمين" اللذين يكثر الحديث حولهما غير موجودين؛ فهو أيضًا كشخص بالغ يرسل التهاني بعيد الميلاد. ودعوة أيمن مزيك تبدو أيضًا كشيء من عيد الميلاد: "من الأفضل أن نضيء شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام".

 

 

باولا كونرسمان

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de

 

كتاب أيمن مزيك: "ماذا يفعل المسلمون في عيد الميلاد؟ الإسلام والحياة اليومية في ألمانيا"، صدر عن دار نشر برتلسمان، بتاريخ 2016، في 320 صفحة، تحت رقم الإيداع:

 ISBN: 978-3-641-17869-7