"عند توقفك عن النضال قد تُنتزع حقوقك بسهولة"

الفنانة الكوميدية (فنانة الستاند أب كوميدي) اللبنانية.
الفنانة الكوميدية (فنانة الستاند أب كوميدي) اللبنانية.

شادن فقيه فنانة كوميدية لبنانية مَثَلَتْ عام 2022 أمام المحكمة العسكرية بتهمة إهانة قوات الأمن. لينا بوب حاورتها عن اعترافها في بث تلفزيون حي مباشر على الهواء باختلافها جنسياً وعن التمييز الجنسي وتغيرات بلدها.

الكاتبة ، الكاتب: Lena Bopp

شادن فقيه واحدة من النساء القلائل، إن لم تكن الوحيدة، في المشهد الكوميدي في لبنان. وهي تقدم عروضها في أنحاء البلد بصفتها شادن إسبرانزا، وتشتهر بنكاتها السياسية. تنحدر من عائلة شيعية يسارية، وأعلنت قبل عامين على شاشات التلفاز في بث حي ومباشر أنها مختلفة جنسياً. ورغم كونها مدنية، فقد مثلت العام الماضي 2022 (حزيران / يونيو) أمام محكمة عسكرية بتهمة إهانة قوات الأمن والإضرار بسمعتها في مقطع فيديو منشور على الإنترنت.

 

***********

 

شادن، حين تعودين يذاكرتك إلى الثورة في لبنان، حين كانت البلاد كلها في الشوارع في خريف عام 2019، ماذا ترين؟

شادن فقيه: أشعر بالحزن لأنه كان هناك أمل. خلال الثورة خاطر الجميع وتحلّوا بالأمل. لم تكن هناك طريقة للسير في الشوارع من دون الإحساس بذلك الأمل. أما الآن، فهناك جرح غائر. لقد تعبنا. بالنسبة لي، لن يتوقف النضال أبداً. إنْ توقفت يوماً عن القتال فسيكون ذلك لأنني ميتة. لكن حين تنظرين الآن إلى وجوه الناس في الشوارع لا ترين سوى خيبة أمل جماعية: خسارة جماعية. كانت لدينا الفرصة لتغيير أمر ما، وبدلاً من ذلك ساءت الأمور بكل بساطة. أحياناً من الصعب العثور على أي شيء مضحك في ذلك.

 

متى بدأتِ العمل في مجال الستاند أَب كوميدي؟

شادن فقيه: بالصدفة، كان ذلك في عام 2017. كنت في أمسية "الميكروفون المفتوح" وكان الجميع يروون قصصهم. فرويت قصتي أيضاً.

 

 

أي قصة؟

شادن فقيه: قصة إعلان اختلافي الجنسي. كانت أمسية من أمسيات أسبوع الفخر. صارحت والديّ حين كان عمري 19. وحين تصارح والديك لا يعود بقية العالم مهماً بعد ذلك.

 

وكيف كانت ردة فعل والديك؟

شادن فقيه: أنا محظوظة للغاية. أحضر المناسبات العائلية مع حبيبتي مثل أي شخص آخر (تضحك). أغلب الناس الذين أعرفهم هم إما مثليون أو مختلفون جنسياً أو يعيشون حياة مزدوجة أياً كانت. ولهذا السبب أيضاً أعتقد أنه من المهم الإعلان عن كوني مثلية، لأنني أملك هذا الامتياز ولأنني عانيت من أجل هويتي وقبول ذاتي. لهذا السبب فالإعلان عن ذلك ضرورة بالنسبة لي.

 

قبل ثلاث سنوات، بعد فترة قصيرة من اندلاع الثورة، اعترفت بكونك مختلفة جنسياً علانية على التلفزيون اللبناني. لماذا قمت بذلك؟

شادن فقيه: شاركت في برنامج تلفزيوني بعنوان "لبنان 2030"، وفكّرت خلال المقابلة: "حسناً، أنا على التلفزيون الوطني، وقد حان الوقت". ينبغي أن نُظهِر على التلفزيون الوطني أيضاً أنّ هناك أشخاصاً مختلفين جنسياً، لذلك قلت بصوت عال: "أنا مثلية". ألقيت نكتة عن ذلك.

 

ما هي النكتة؟

شادن فقيه: "إن كنتم تعرفون شخصاً يستطيع تغييري فأرسلوه لي". لكن ما كنت أقوله في الواقع هو أنّ أي شخص ينتمي إلى أقلية يدرك أنّ أي مستوى من الحقوق أو القبول الذي تتلقاه من المجتمع هو أمر يتّسم بالتقلّب. الولايات المتحدة الأمريكة والإجهاض، خير مثال على ذلك. في اللحظة التي تتوقف فيها عن النضال، يمكن أن تُنتزع حقوقك بكل سهولة.

بالنسبة لي، إنها معركة ضدّ النظام. وأنا لا أناضل عبر الحديث عن مثليتي فحسب، فأنا أيضا شخص مختلف جنسياً يتحدّث عن السياسة حتى يكون لنا صوت في السياسة. ليكون لنا تمثيل. ومسألة إن كان الناس يتقبلونني أم لا، ليست مطروحة للنقاش. لم يكن القبول مشكلتي قَطّ. فإن لم يعجب الناس ذلك فلن أحاول إقناعهم، هذه مشكلتهم. أنا موجودة وأنا مختلفة جنسياً. أنا لا أطلب مساحة، أنا آخذ مساحتي. وأَخْذُ مساحتي التي أريدها أمر يعود أيضاً إلى وضعي المتميز. فشخص آخر مختلف جنسياً -ويعيش في ظروف أخرى وفي طبقة أخرى- قد يستخدم نهجاً آخر.

 

 

 

 ماذا كانت ردود الفعل حول اعترافك باختلافك الجنسي على التلفزيون؟

شادن فقيه: لا أعرف. ولا يهمني. بالنسبة لي كان الموضوع ضرورياً، أمراً كبيراً. أحسست بشعور جيد. سأكون ناجحة في مهنتي ولن أعطيك خيار قبولي أو رفضي، لأنني موجودة.

 

هل تشعرين أنك تعرضين نفسك للخطر؟

شادن فقيه: حين يتعلق الأمر بما أقوله حول أشخاص معينين: نعم، أحياناً. لكن ما هو البديل؟ حين أقوم بأداء عروضي، لا يُسمح للناس بتصويري.

 

لكنك تقدمين عروضك على أية حال؟

شادن فقيه: تنفيذ القرار مهمة الأمن: إن رأوا أحداً يصورني، يقومون بحذف المقطع.

 

وأين تقدمين عروضك كستاند أب كوميدي؟

شادن فقيه: في مقاهٍ وبارات مختلفة، في بيروت والبترون وطرابلس وبرمانا. مرة أو مرتين في الأسبوع، أو كل أسبوعين. أعدُّ مادة جديدة الآن. أريد الكتابة عن جميع القصص السماوية التي تدور حول الاغتصاب وتتهم المرأة. القصص التي لا يُعترف فيها بالاغتصاب أساساً.

 

ما هو شعور كونك امرأة في المجال الكوميدي؟

شادن فقيه:  لا يمكنك تصور مدى التمييز الجنسي الموجود في الكوميديا. الكوميديون الذين من المفترض أن يكونوا منفتحين وتقدميين! حرفياً امرأة -أو اثنتان على أكثر تقدير- محاطة بعشرة رجال. والطريقة التي ينظرون بها بعضهم إلى بعض حين تنتقدينهم، أو حين يسألونك عن رأيك وتعطينهم رأيك حقاً. إنه أمر متعب للغاية. حتى الكوميديون يريدون التحدث دون أي إحساس بالمسؤولية. ما الخطأ في النكات التي تتحدث عن الاغتصاب؟ أنا لا أقول حتى أنه لا ينبغي عليهم إلقاء نكات حول الاغتصاب! ألقوا نكات حول الاغتصاب! لكن مع قدر من حس المسؤولية. المسؤولية، وليس الرقابة. لا تلقوا بالنكات على حساب المرأة أو الضحية. لكن لا. لا. إنهم لا يريدون التعرّض للمساءلة تحت ذريعة حرية التعبير. لكن ما أقوله هو: ما تقولونه له تأثير. يمكنكم كتابة نكات رائعة مكتوبة بشكل جيد عن الاغتصاب، ولا تكون على حساب المرأة.

 

 

غالباً ما تكون نكاتك انتقادية للدين وللسياسة. لكن النكتة الوحيدة التي استُدعيتِ من أجلها إلى مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية التابع لقوات الأمن اللبنانية منذ فترة، كانت في الواقع غير مؤذية...

شادن فقيه:  كان ذلك خلال إغلاق كورونا حين لم يكن الموقع الإلكتروني للتصاريح يعمل بعد وكان ما يزال علي دفع غرامتين لمغادرة المبنى الخاص بي. فاتصلت بقوى الأمن الداخلي وقلت: "بدأت دورتي الشهرية، ما الذي ينبغي عليه فعله، من فضلكم احضروا لي فُوَطَاً صحية!" ولهذا السبب قُدِّمتُ إلى محكمة عسكرية في حزيران/يونيو الماضي 2022. تريدين رأيي؟ لقد تحجّجوا بهذه النكتة لأنها كانت الطريقة القانونية الوحيدة لاتّخاذ إجراء ضدّي.

 

منذ اندلاع الثورة، استُدعي العديد من الناس، مدنيين دائماً، إلى المحكمة العسكرية. من كان يقف بجانبك؟

شادن فقيه: ليس الله!، الله ليس بجانبي!. الله دائماً مع الجانب الآخر. لكن، تخيلي، أنّ المسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت ما زالوا طليقين. والأشخاص الذين سرقوا أموالنا ما زالوا طليقين أيضاً. وأنا كان من المفترض أن أذهب إلى السجن بسبب نكتة تتضمن فوطة صحية؟ هذه سخافة. لكنها طريقتهم في ترهيبنا. شخصياً، لم أكن خائفة. حين اتصلوا بي لإخباري بتاريخ مثولي أمام المحمة العسكرية، نشرتُ فيديو أقول فيه: "يا شباب، هل تظنون أنني خائفة؟ لا، حبيبي! أنتم لا ترعبونني".

 

هل فكرتِ يوماً في مغادرة لبنان؟

شادن فقيه:  في وقت ما بعد التفجير فكرت: ربما لا يمكننا البقاء هنا. بيد أنني لم أقل بتاتاً أنّ هذا البلد قد مات. البقاء هنا هو نوع من المقاومة. لا أعرف في أي لحظة يمكن اعتبار البقاء هنا عبارة عن تدمير ذاتي. لا نعرف أين نعبر الخط الفاصل بين المقاومة والتدمير الذاتي. لكنني لا أرغب بالمغادرة أيضاً. إلى أين ينبغي أن أغادر؟ ألمانيا أو كندا. سيكون علي تعلّم لغة جديدة في ألمانيا؛ إنها باردة، ماذا سأفعل هناك؟ كيف يمكنها أن تكون حياة جيدة؟ حسناً، سيكون لدي حقوق وسأُعامل كإنسان، صدمة ثقافية! لبنان هو المكان الذي أريد البقاء فيه. المشكلة أنني أستطيع رؤية إمكانيات هذا المكان.

 

Die libanesische Comedian Shaden Fakih geht sarkastisch mit ihrer Coming-out-Geschichte um. (Foto: Screenshot Youtube)
مشاكل لبنان متعدّدة الجوانب ومحلية الصنع جزئياً: النظام العرقي الطائفي على حافة الانهيار؛ تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي بشكل لا يُطاق في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، كان للاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة تأثير ليبرالي على البلاد. فكما تقول الفنانة الكوميدية اللبنانية شادن فقيه: "نحن نتطور اجتماعياً. أصبحت المحادثات أكثر انفتاحاً، والناس كذلك. انظري إلى ما حدث في طرابلس، حيث واجهت طالبات في السادسة عشرة من عمرهن معلمهن المتنمّر، لقد طُرِد. إن لم يكن هذا نتيجة ثورة فلا أدري ما هو".

 

يمكنكِ بالتأكيد رؤية أنّ الثورة قد جلبت للبنان بعض الانفتاح على الرغم من كل ما حدث في العامين الماضيين.

شادن فقيه:  لقد قام جيلنا بالكثير فيما يتعلق بالمفاهيم وبتسمية الأشياء. وبمجرد أن تُسمِّي الأشياء، لا يمكنك تجاهلها. فإن كنت أشعر بعدم الارتياح لأنّ شخصاً ما يفعل هذا أو ذاك، فهذا ليس لأنني مجنونة ولأنهم يمزحون فحسب، بل ذلك لأنهم يضغطون علي ويرفضون ما أقوله ويضايقونني بي. هذا يُسمّى بالفسرجة mansplaining. هناك تسمية لهذا الأمر الآن. حتى والدتي تستخدم هذه الكلمات الآن. ولهذا السبب من الصعب إعلان موت هذا البلد. نحن نتطوّر اجتماعياً. المحادثات أكثر انفتاحاً، والناس أكثر انفتاحاً. قبل خمس سنوات إنْ ظهرَ شريط جنسي كان المرأة تُسمّى عاهرة وتُلام. قبل سنتين نشر أحدهم فيديو جنسياً لطالبة وكان الجميع في صفّها. يمكنكِ رؤية ذلك أمام عينيك، التغيير يحدث. ليس بالطريقة التي كنا نحبها. لكن انظري إلى ما حدث في طرابلس، حيث وقفت فتيات في السادسة عشرة من عمرهن في وجه مضايقة معلمهن لهن، لقد طُرِد. إن لم يكن هذا نتيجة ثورة، فأنا لا أعرف ما هو.

 

شيء يشبه حملة MeToo# ؟

شادن فقيه: بالضبط. ماذا حقّقتِ؟ يعني ذلك أنّ طالبات أخريات سيعرفن: إن كنا في السادسة عشرة من العمر وأعطانا معلمنا الذي يبلغ الأربعين من العمر تدليكاً إذاً فهناك مشكلة ما. سيعرفن أنهن لسن مجرد مجنونات لأنهن يشعرن بعدم الارتياح. وسيتكلمن.

 

 

حاورتها: لينا بوب

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ / موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de