هل يقع في حب امرأة أم تبقى حبيبته فقط غزة؟

هو "أبو لا أحد" لأنه لم يتزوج قط، وحتى أنه يخجل حين يحتلم. نظمت له أخته "عرض عرائس" فيه 5 نساء فهل يقع بحب امرأة أم تبقى حبيبته فقط غزة؟ فيلم "غزة مونامور" من إخراج الأخوين التوأم طرزان وعرب ناصر: نوع سينمائي غير موجود مطلقا، بل من بيت الفن الفلسطيني العادي. الناقد النمساوي بيرت ريبهاندل شاهد الفيلم.

الكاتبة ، الكاتب: Bert Rebhandl

الشرطة مُنْهَمِكةٌ بالتقاط صورة لِـ عيسى ناصر -صيَّاد السمك القاطن في مخيم الشاطئ للاجئين بقطاع غزة- والسبب اشتباهها بحيازة هذا الرجل -الذي عمره ستون عامًا- على قطع فنِّية أو ربما السبب إدانة الشرطة له بذلك فعلًا بعد عثورها أثناء تفتيش منزله على تمثال كان قد اصطاده قبل أيَّام من البحر، وهو تمثالٌ على شكل الإله أبولو وقف الخبراء أمام لغزِهِ حائرين عاجزين نظرا لعدم اعتقادهم بأن يكون هذا التمثال قد بقي فترةً طويلةً في البحر وإلَّا لكان قد تآكل مع مرور الوقت ولكان الزمن قد أكل منه وشرب. ولكن هل هو تمثال ذو قيمة حقاً؟ أم أن المخالفة متعلقة بمكان عثوره على التمثال؟

في الصورة يظهر وجه عيسى -رجلاً بملامح لافتة متميزة ولحية رمادية كثيفة ورأس أصلع- بالإمكان اعتباره جذَّابًا ولا بد له من أن يكون إلى حدّ ما كذلك نظرًا لأن أمامه خطة كبيرة متمثلة في أنه يريد الزواج، بعد أن حدَّد منذ فترة طويلة المرأة التي يرغب في أن تتقاسم معه العيش وتشاركه الحياة. اسمها سهام وهي خيَّاطة تتنقَّل كذلك يوميًا من مخيَّم الشاطئ إلى السوق عائدةً مساءً إلى المخيم.

دور سهام في فيلم  "غزة مونامور" أو "غزة حبيبتي" تؤدِّيه الممثِّلة هيام عباس وهي على الأرجح أشهر وأكبر نجمة في السينما الفلسطينية، وهي فئة سينمائية غير موجودة في الواقع كتصنيف ضمن الفئات السينمائية، وبالمثل يتم تقديم هيام عباس -عند ذكر اسمها- وكأنها فنَّانة من إسرائيل مع أنَّها وضعت نفسها دائمًا كممثِّلة مرموقة في خدمة القضية الفلسطينية.

هل هو فيلم عادي جدًا من قطاع غزة؟

بفيلمها  "غزة مونامور" يعتزم طرزان وعرب ناصر -باسمهما السهل التقاطه من الوهلة الأولى، وهو: الأخوان ناصر- تأسيس سينما فلسطينية، مختلفة قليلًا عما هو معروف حتى الآن من أعمال مخرج سينمائي وكاتب سيناريو عظيم مثل الفلسطيني إيليا سليمان، الذي كرَّس كلَّ حياته المهنية لعبثيات الوجود في بلد غير موجود، رغم عيش أناس كثيرين فيه بالتأكيد.

 

 

فمن قطاع غزة بالذات يحاول الأخوان ناصر أن يعرضا على شاشات السينما العالمية فيلمًا فلسطينيًا اعتياديًا قصته عاطفية والحبُّ فيها مفتاح كل شيء، نعم من قطاع غزة الذي يُعتبر بالاسم منطقة حكم ذاتي في حين أن معظم الناس فيه يجدونه سجنًا تحت حكم حركة حماس الإسلامية.

فيلم  "غزة مونامور" أو "غزة حبيبتي" هو مرآة لنطاق محدود مداه خمسة أميال فقط مسموح لعيسى بالإبحار ضمنه بقاربه في ساحل قطاع عزة، ويبدو التمثال -الذي وجدته الشرطة لديه- بمثابة خَرْق لهذا النطاق البحري المحدود معلنًا عن بحر متوسط آخر منفتح ثقافيًا بما في هذا الانفتاح من تمازجات واقتباسات.

انفتاح وَسَمَ به الأخوان ناصر فيلمهما أيضا فكانت النتيجة أن اضطرا إلى مغادرة قطاع غزة من أجل تصوير فيلم "غزة مونامور" بشكل خاص في الأردن وكذلك في البرتغال بلغته العربية وبإنتاج مشترك من كلٍّ من فرنسا والبرتغال وألمانيا وقطر وفق ما هو وارد على قائمة منتجي الفيلم.

قصة عيسى وسهام لم تخضع لأي مقص رقابة لكنها مروية بشكل يوحي كأنَّما من العبث حتى مجرد الشروع في توضيح الظروف السياسية، إذْ نسمع في خلفية أحد المشاهد خطابًا دعائيًا لحركة حماس يبرر المصاعب الحالية بأنها في الواقع نتيجة خدمة هدف أكبر، وهو: فلسطين حرّة كاملة من البحر إلى النهر، ولكن لا أحد يريد سماع هذه العِظَة حتى النهاية فتُغلَق بكل ببساطة.

مبالغة في التعطُّر 

روح مقاومة عيسى تصبح صفة متأصلة فيه، فهو ليس "أبو" مثلما يُفترض تقليديًا لكلّ رجل عربي أن يكون بل إنه "أبو لا أحد" لأنَّه لم يتزوَّج قطّ، وهذا عدا أننا نتعرَّف أيضا على قصة حبه السابقة وهي قصة شبابية رومانسية باءت من جميع نواحيها بالفشل لأسباب منها أنَّ حبيبته كانت تنتمي إلى الطبقة البرجوازية، وهذا المصطلح في حد ذاته بإمكانه تحديد الكثير من جوانب تاريخ الاحتلال والأسلمة.

يعيش عيسى حتى في عمره المتقدِّم حياة مختلفة كلّ الاختلاف عن الحياة الاعتيادية، فهو يبدو أحيانًا غير واثق تمامًا من أسلوبه، إذ يُبالغ على سبيل المثال في استخدامه الكثير جدًا من العطر حين يحضَّر نفسه للجلوس مع سهام في سيارة أجرة. ولكنه نشيط ومفعم بالأحلام، وحتى أنَّه ذات مرة قد احتلم، وهو يخجل من ذلك ولكنه يذكر ذلك بوضوح. يسأله ضابط الشرطة متفاجئًا: "في سِنِّك هذه؟". لو أنَّ هذا المشهد كان سيتم تقديمه لسلطات غزة لكان من المستحيل تصوُّر منح ترخيص له في فيلم.

العالم الذي يعيش فيه عيسى وسهام يَعتبِر الزواج مسألة ترتيبات اجتماعية، وهنا تتولى أختُ عيسى الجزء التقليدي حين تعرف نيته فتقوم بتنظيم "عرض عرائس": تَظهَر فيه هي مع خمس نساء جميعهن مُرشَّحات مثاليات للزواج منه: "لَسْنَ سمينات جدًا ولا نحيفات جدًا" وجميعهن محجَّبات. تمدحه أخته قائلة "عيسى رجل لديه قدراته وإمكانياته"، وهو تعبير فيه بعض المبالغة وربَّما يكون منشأ فكاهته أيضًا من خلال الترجمة عن العربية.

فوقوعُ أحد ما من تلقاء نفسه في الحبّ أو وضعه عينه على شخص آخر -مثلما يرِد ذلك في تعبير مجازي مناسب جدًا في الفيلم- هو أمرٌ غير مُتوقَّع في العالم التقليدي الذي نشأ فيه عيسى. لكن عيسى  بدوره من نواحٍ أخرى شخصيةٌ نموذجية من وجهة نظر الأعمال الفنية الدرامية الحديثة السارية عالميًا، مثلًا حين يعكف بكلِّ صبر على إعداد وجبات طعام شهية بنفسه يدويًا.

 

مشهد من فيلم "غزة مونامور" أو "غزة حبيبتي" الفلسطيني العالمي للأخوين ناصر. Foto: Alamode Film
In der Welt, in der Issa und Siham leben, ist die Ehe eine Angelegenheit sozialer Absprachen. Eine Szene aus dem Film „Gaza mon amour“. (Foto: Alamode Film)

 

كلُّ شيء لدى عيسى يتسم بـ"المهارة اليدوية" لأنَّه لا يملك خيارات أخرى، بينما تتعامل سهام مع ابنة متمرِّدة طفح الكيل لديها من الرجال بعد طلاقها وصارت تحاول توسيع حدود عالمها من خلال الدراسة ولكن يجب عليها أوَّلًا التغلب على طابعها الساخر.

وابنتها هذه ليلى شخصية رئيسية لأنَّها نصف مشاركة في أحداث الفيلم وفي الواقع هي نصف متفرِّجة أيضًا فهي تشاهد القصة التي يرويها الأخوان ناصر وكأنَّها تراقب من خارج الأحداث، وتنظر بريبة وشكّ إلى المسلسلات التليفزيونية الطويلة والأفلام العربية القديمة، التي تنعكس فيها أحداث فيلم "غزة مونامو"، وصِيَغها التي يقوم هذا الفيلم بتحديثها.

للسينما الفلسطينية تشابكات كثيرة مثلها في ذلك مثل القضية الفلسطينية إجمالا، وهي بذلك تُمثِّل في الحقيقة مثالًا نموذجيًا لارتباط ما هو جيوسياسي بما هو ترفيهي، وهو ارتباط يتردَّد صداه طوال الوقت لدى الأخوين ناصر.

وبذلك لنا أن ننظر إلى قصة عيسى وسهام (عيسى الذي يؤدِّي دوره بشكل مثير للإعجاب الفنَّان والمخرج الفلسطيني سليم ضو) كمحاولة لترسيخ صِيَغ النجاح الكلاسيكية السينمائية في مكان قد يكون فيه تحقيق ذلك تحديًا مستحيلاً، ومن ناحية أخرى بوسعنا النظر إلى فيلم  "غزة مونامور" أو "غزة حبيبتي" كوجهة نظر معقَّدة حول عالمنا اليوم (وحولنا نحن كجمهور غربي يتمتع بامتيازات لا يتمتع بها آخرون). فيلم مشاهدته تجربة مُثْرِية في كل هذه الحالات بالتأكيد.

 

بيرت ريبهاندل

ترجمة: رائد الباش / ع.م

حقوق النشر: صحيفة فرانكفورتر ألغماينة / موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de