سعيد الشرايبي...ملك العود وشاعر النغمات في المغرب

يُدعى سعيد الشرايبي في بلاده بإيقونة الموسيقى المغربية وملك العود. سليمان توفيق ينعي لموقع قنطرة عازف العود الشهير الذي توفي يوم 3 مارس/ آذار 2016 في الدار البيضاء عن عمر يناهز 65 عاما.

الكاتبة ، الكاتب: Suleman Taufiq

وُلِدَ  سعيد الشرايبي عام 1951 في  مراكش في عائلة معروفة هناك. يُشِيد المغاربة  بالمدينة على أنها "لؤلؤة الجنوب". مراكش معروفة بتراثها الموسيقي المتطور، المتعدد وذو تأثير حتى خارج حدود المدينة.

هنا، حيث الموسيقى والفنون الأخرى ليست للترفيه فقط، ترعرع  سعيد الشرايبي.  تُمثل الموسيقى  له وللعديد من المستمعين الأمل، والشعور الجماعي، والنشوة وحتى الشفاء.

سمحت له عائلته مبكرا بأن يطور موهبته كعازف على العود. في عمر الـ 12 عاما التقى العود،  ووقع فوراً في غرام هذه الآلة التي سحره شكل صوتها وحجمه.

ولكن على هذا  الصبي بحسب رأي العائلة  أن يتعلم مهنة "لائقة". بعد حصوله على  الشهادة  الثانوية في الرباط،  عمل في  مهنة التسويق والتصدير. لكن  بعد فترة وجيزة استقال من منصبه، وقرر أخيرا تكريس نفسه للموسيقى.

فنان عصامي برغبة

تعلم سعيد الشرايبي الموسيقى بنفسه، فكان فناناً عصامياً لم يدرس في معاهد الموسيقى، وكل شيء تطور لديه من خلال الاستماع و الممارسة المكثفة. شغفه بالموسيقى جعل منه عازفَ عود مهماً جدا وملحناً وفناناً له جمهوره خارج بلاده. وقد أطلق عليه لقب شاعر النغمات  المغربي.

بدأ سعيد الشرايبي مسيرته الاحترافية عام 1979. ومنذ ذلك الحين قام بكتابة ونشر أكثر من 500 عمل موسيقي مثل: التقاسيم، ألحان للصولو وللأوكسترا الشرقية وللسمفونية وللجاز. واستفاد العديد من المغنين المغاربة من ألحانه. ولعه بالألحان حقق له اعترافاً واسع النطاق في عالم الموسيقى المغربية. 

جاء هذا الاختراق  العربي والدولي عندما حصل سعيد الشرايبي  عام 1986 على "الريشة الذهبية" في مسابقة  العزف على العود في العراق. من بعدها  قام بجولة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وعزف في "مهرجان فاس للموسيقى الروحية".

تتمثل الأصالة الموسيقية عند سعيد الشرايبي أساسا في  التقنية  الممتازة في العزف، والمرتبطة  بتوازن خاص، توازن فيه  احترام التقاليد الموسيقية لبلده، ولكن فيه أيضاً فضول إبداعي مستوحى من التأثيرات الموسيقية  في العالم.

هذا الانفتاح على كل الإمكانيات الموسيقية جعل من سعيد الشرايبي يصبح واحداً من أهم ممثلي الموسيقى المغربية التي طورها وحدَّثها.  وكان يُنظَر إليه في العالم العربي على أنه فنان كبير ومبدع. وكان بحد ذاته مدرسة في العود، وقدوة للعديد من عازفي العود في المغرب. كانت الموسيقى التقليدية  بالنسبة لموسيقي بمكانة سعيد الشرايبي  مصدر إلهام، من أجل تطوير أسلوب موسيقي حديث خاصة به.

توليفة من الثقافات الموسيقية الأندلسية  والتركية والفارسية

بدأ من بعد اكتشاف أنواع موسيقية جديدة لها  علاقة بالموسيقى العربية مثل  الموسيقى الهندية والتركية والإيرانية، وكان يسعى لنشر التراث الموسيقي  الأندلسي- العربي.  كان سعيد الشرايبي فناناً له مكانة رفيعة على المستوى العالمي. فهو يمثل المدرسة الموسيقية  المغربية الأندلسية وأيضا يمتلك المعرفة الموسوعية في المقامات العربية والتركية والفارسية.

بموسيقاه  أرسى سعيد الشرايبي الجسور بين الثقافات.  كان يعمل نظرياً وعملياً بشكل مكثف على اكتشاف أوجه التشابه بين الموسيقى الأندلسية والعربية والتركية والفارسية. وكتب ألحان كانت توليفة من هذه الثقافات.

وهكذا تتميز موسيقاه  بتعدديتها وألوانها والتي تعود إلى رحلاته الموسيقية في رحاب  موسيقى العالم. رغم ذلك في موسيقاه عناصر من التراث المغربي سائدة ومسموعة. لا تخفي مصدرها، ومطبوعة بأسلوبه الشخصي. مع ذلك تُعتبر موسيقاه خارج الأعراف ولديها الإمكانيات لتوسيع عملية العزف على العود بشكل ملحوظ.

بالمقارنة مع العديد من الآلات الموسيقية الشرقية الأخرى، يُجسد  العود الثقافة العربية. الكثير من العرب يرون في  صوت هذه الآلة  نفحة  من الشوق والحنان..

توصل  الشرايبي  مع  موسيقاه على  العود إلى أن يُخاطب جمهوراً واسعاً في العالم العربي وكذلك في أوروبا.  برهن أسلوبه في العزف  وألحانه على أن العود يملك  في الواقع رصيداً لا ينضب من الإمكانيات. على مر السنين طوّر سعيد الشرايبي تقنيته الخاصة في العزف على العود ولحن على أساسها قطعاً جديدة أنارت  نطاق الآلة الواسع. 

خالية من الأعراف

في الماضي، لم يكن من المتعارف عليه في  المشهد الموسيقي العربي  تقديم حفلات صولو على آلة منفردة. الموسيقى عادة عند العرب مرتبطة دائما بالغناء. ولا يمكن سماع صوت العود عموما إلاّ ضمن الفرقة الموسيقية.  فقط في بداية الحفل يرتجل عازف العود التقاسيم.

أراد  سعيد الشرايبي أن يظهر أن  للعود إمكانيات لا تنضب حقاً.  فقد ابتعد عن الأشكال التقليدية للموسيقى الآلية العربية،  وألبس الموسيقى ثوباً جديداً. عزف مؤلفات حديثة على العود، ولكن دون الخروج عن أسس  الموسيقى العربية.

ولجذب  الجمهور العربي إلى الموسيقى على مدى فترة طويلة من الزمن، أولكسبهم لسماع حفل كامل صولو على العود، كان لابد من الابتعاد عن الأشكال التقليدية وتطوير نمط موسيقي جديد.

كان سعيد الشرايبي يدعو الى تحرير العود من دور الآلة  المرافقة في الفرقة.  وقد جعل هذا الانفتاح على جميع النواحي أن يكون الموسيقي  سعيد الشرايبي أحد ممثلي الموسيقى المغربية المثيري للاهتمام. بوفاته فقد عالم  الموسيقى العربي  فناناً كبيراً وملحناً أصيلاً.

 

سليمان توفيق

حقوق النشر: موقع قنطرة ar.qantara.de 2016