المسلمون في ألمانيا: جدلية الهوية...مفهوم الاندماج

 يقف الناشئون في مرحلة مراهقتهم ومرحلة تطوير هويتهم أمام مهمة صعبة تكمن في تحديد انتمائهم الفردي والاجتماعي. ويحدث هذا على وجه الخصوص من خلال الاسترشاد بفئات اجتماعية مختلفة فيتماهون معها ويشعرون بالانتماء إليها.
يقف الناشئون في مرحلة مراهقتهم ومرحلة تطوير هويتهم أمام مهمة صعبة تكمن في تحديد انتمائهم الفردي والاجتماعي. ويحدث هذا على وجه الخصوص من خلال الاسترشاد بفئات اجتماعية مختلفة فيتماهون معها ويشعرون بالانتماء إليها.

يحلّل الكاتب الألماني الإيراني نافيد كرماني في كتابه "من نحن؟ ألمانيا والمسلمون فيها" رؤيته ومفهومه للهوية الألمانية، مفندا في الوقت ذاته الفكرة الشائعة بأن الانتماء لألمانيا يتطلب الانسلاخ عن ثقافة الموطن. الصحافية بيآته هينرشس تقدم لنا هذا الكتاب.

الكاتبة ، الكاتب: بيآته هينرشس

​​ يعيش في ألمانيا نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون مسلم، ينحدر غالبيتهم من تركيا، التي قدموا منها خاصة في الستينيات وأوائل السبعينيات للعمل. غير أن الحكومة الألمانية لم تلتفت إلى أهمية إدماج المسلمين في المجتمع الألماني سوى مؤخرا، ففي عام 2005 تمت المصادقة على قانون الهجرة الجديد، كما نظمت الحكومة مؤتمرا حول الإسلام لأوّل مرّة عام 2006، مما يدل على رغبة الحكومة الألمانية في إدخال تغيير جزئي على سياستها مع المهاجرين، وخاصة المسلمين منهم. وفي هذا الإطار عكف الكاتب الألماني الإيراني الأصل نافيد كرماني على تحليل النقاش والجدل في ألمانيا حول قضايا الهجرة والاندماج والإسلام والهوية في كتاب أصدره تحت عنوان "من نحن؟ ألمانيا والمسلمون فيها".

الإسلام يتسم بالتعددية والاختلاف

​​ ويبدأ نافيد كرماني كتابه، الذي يحمل مقاطع من سيرته الذاتية، بتحليل طفولته التي قضّاها في مدينة زيغن الواقعة في جنوب غرب ولاية شمال الراين- وستفاليا (غرب ألمانيا)، حيث ولد فيها عام 1967.

وقضّى كرماني طفولته متنقلا بين ثقافتين ولغتين مختلفتين: في المدرسة كان يتكلّم الألمانية وفي البيت لغته الأم، الفارسية. ويصف كرماني ذلك "بالتنقل عبر الحدود" الذي ترك بصماته الواضحة على ذكريات طفولته.

ويقول الكاتب الألماني ذو الأصول الإيرانية إنّ ذلك مكّنه من معرفة أن هناك عالما آخر وثقافات أخرى. ويشير كرماني إلى أن التنقّل بين الثقافات واللّغات أمر رافق حياته منذ الطّفولة وأثّر على صقل شخصيته، وعلى رؤيته للعالم، حيث أنه تعلّم أن هناك رؤى مختلفة، وأن لكلّ رؤية مصداقيتها وشرعيتها. كما تعلّم قبول تعددية الآراء، وتعلّم أيضا ألاّ يقيّمها وأن يحترمها. واليوم يُعد نافيد كرماني مثقفا متعّدد الاختصاصات والاهتمامات، ذلك أنه مؤلّف كتب وكاتب مقالات وكذلك مخرج مسرحي ومتخصّص في العلوم الإسلامية. وكذلك تتسّم هويّته بالتعددية، الأمر الذي يفسّر رفض كرماني لفكرة وضع المهاجرين المنحدرين من دول إسلامية في بوتقة واحدة. فهو يشدّد دائما على أن الإسلام في حدّ ذاته، دين يتسم بالتعدّدية والاختلاف.

المستشارة الألمانية ميركل رحبت بالمسلمين وتعتبر الاسلام جزءا من المانيا
يكمن أحد الفوارق الجوهرية في تحديد الانتماء لدى الجيل المسلم الناشئ في خضوعه المستمر للنقد الاجتماعي. وعدم الثقة الجماعي هذا بانتماء المسلمين الناشئين إلى ألمانيا يتجلّى في سياقاتٍ مختلفةٍ وبأساليب وأشكالٍ مختلفة.

الاندماج ليس انسلاخا عن الهوية الثقافية

​​ وانطلاقا من تجاربه الشخصية ينتقل كرماني إلى التحليل السياسي، مشدّدا على أنّ "صراع الحضارات"، الذي طالما شكّل في ألمانيا موضوعا لنقاشات حادّة، ليس صراعا بين الغرب والإِسلام، وإنّما يتّخذ شكل جدال داخلي ليس في العالم الإسلامي وحسب وإنّما أيضا في العالم الغربي، جدال يدور حول تحديد هويّة الثقافة وتحديد هوية من ينتمي إليها. ويرى كرماني أن عمليّة اندماج المهاجرين في ألمانيا لا تزال تواجه عدة صعوبات، إذ عادة ما يساء فهمها والنظر إليها على أنّها تتطلّب من المهاجرين قطعا لجذورهم الثقافية وانسلاخا عن انتماءاتهم الدينية، من ناحية أخرى هناك من يعزو المشاكل الاجتماعية لبعض المهاجرين إلى انتمائهم إلى ثقافة معيّنة أو إلى الإسلام، وليس إلى قلّة فرص التعليم والتكوين المهني مقارنة بفئات أخرى في المجتمع الألماني.

"المسلمون جزء من المجتمع الألماني" ​​

ولكنّ كرماني يرى في المؤتمر الذي دعا وزير الداخلية الألماني، فولفغانغ شويبله، إلى عقده حول الإسلام عام 2006، والذي يناقش خلاله ثلاثون ممثلا عن الحكومة الألمانية مع مسلمين - ومن بينهم نافيد كرماني - أحوال المهاجرين المنحدرين من أصول إسلامية، يرى بأن له أبعادا ذات دلالات رمزية كبيرة. ويقول كرماني في هذا السّياق إن المؤتمر قد غيّر من نظرة المجتمع الألماني حول المسلمين، مشيرا إلى الصور التي نقلتها وتناقلتها وسائل الإعلام المرئية والتي تظهر لقاءات تجمع بين وزير الداخلية الألمانية والمسلمين، حيث كانت لها رسالة واضحة وهي أن صورة المهاجرين المسلمين لم تعد مقتصرة على صورة العمّّال الأجانب لفترة مؤقتة في ألمانيا، وإنما على مواطنين ألمان، وأن الإسلام لم يعد موضوعا خارجيا وإنما داخليا يخص المجتمع الألماني.

ويشدّد كرماني على أن المسلمين جزء من المجتمع الألماني الذي يتسم بالتعددية. وعليه، يرى الكاتب أن الانتماء إلى ألمانيا يحدّد من خلال تكلّم الألمانية، كلغة مشتركة، ومن خلال العيش في ألمانيا واحترام قوانين البلاد. وهو أمر ينطبق على المسيحيين واليهود والمسلمين وغيرهم من مختلف المشارب والألوان والانتماءات العرقية والدينية.

بيآته هينرشس

ترجمة: شمس العياري

حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009