خطوة لخلق ظروف تفاوضية جديدة مع الفلسطينيين؟

الغرض الرئيسي من خطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو تمرير قرارات أخرى في المنطقة العربية، وخلق ظروف تفاوض جديدة مع الفلسطييين، بحسب ما ينقل الصحفي إسماعيل عزام عن محللين. وليس من المتوقع تنفيذ هذا القرار لأنه من المستبعد أن تنقل جل القوى الغربية سفاراتها إلى القدس، كما أن اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة له ثمنه الباهظ على إسرائيل، وهو ما لا تريده واشنطن أيضا.

الكاتبة ، الكاتب: إسماعيل عزام

خطوة ترامب تُحرج العرب - فهل يتجاوز حكامهم بيانات القلق؟ ندّدت جلّ الدول العربية والإسلامية بخطوة ترامب التي تعتزم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن الشارع لم يعد يرى جديدا في بيانات الشجب، فهل باستطاعة هذه الدول اتخاذ إجراءات أكبر، مستعينة بما تتوّفر عليه من أوراق ضغطٍ؟ بعد إعلان الإدارة الأمريكية أن الرئيس دونالد ترامب سيطلق عملية نقل سفارة بلاده إلى القدس، اتجهت الأنظار إلى ردود الفعل العربية التي تبقى من حيث المبدأ، مُعارضة لقرار ترامب، إذ تتمسك جامعة الدول العربية، بحسب آخر قمة لها في الأردن، بحلّ الدولتين الذي "يضمن قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية". وبعيداً عن لغة الاستنكار وبيانات التنديد والانشغال التي تنشرها الدول العربية والإسلامية بين الفينة والأخرى للاحتجاج على القرارات التي تنتصر لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، تُطرح بعض الأسئلة حول مدى قدرة العالمين العربي والإسلامي اتخاذ خطوات أكبر، خاصة مع دعوة إردوغان لقمة طارئة لقادة دول منظمة التعاون الإسلامي، وخروج مسيرات احتجاجية في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار "نفير عام" أعلنت عنه عدة فصائل فلسطينية. [embed:render:embedded:node:23972] هل يستخدم المسلمون الورقة الأمنية والسلاح الاقتصادي؟ ويرى يونس بلفلاح، باحث في العلاقات الدولية بجامعة ليل الفرنسية أن خطوة ترامب في البداية "جس للنبض" إلى حين صدور قرار الخارجية الأمريكية المكلّفة بالإعلان عن مثل هذه الإجراءات، وعند تأكيد القرار رسمياً، فالدول العربية والإسلامية قد تتجه بشكل كبير إلى "استخدام الورقة الأمنية عبر إقناع الإدارة الأمريكية أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سيؤدي إلى غضب شديد في المنطقة، وبالتالي خروج حركات عنيفة جديدة إلى العلن، ويزداد هذا الاحتمال قوة مع الضعف المؤسساتي والأمني للكثير من الدول العربية والإسلامية" بحسب بلفلاح. ويتابع بلفلاح أن هذه الدول قد تتجه لاحتمال آخر يبقى أقلّ توقعاً، وهو السلاح الاقتصادي بما أن لديها شراكات تجارية واسعة مع الولايات المتحدة، وقد تهدّد بوقف هذه الشراكات، وإن كان الأمر قد لا يصل إلى وقف إمدادات البترول كما جرى عام 1973. ويوّضح المتحدث أن خطوة ترامب لا تصب حتى في صالح الدول العربية المتواطئة مع الولايات المتحدة، بما أن الخطوة ستؤدي داخل هذه البلدان إلى غليان شعبي واسع. هدف ترامب...تمرير قرارات أخرى؟ ويوّضح الباحث في العلاقات الدولية أن الغرض الرئيسي من خطوة ترامب هو تمرير قرارات أخرى في المنطقة العربية وخلق ظروف تفاوض جديدة مع الفلسطييين بناءً على المتغيّرات الجديدة. ولا يتوقع بلفلاح أن تمضي الإدارة الأمريكية في تنفيذ القرار، بما أنه "من المستبعد أن تقدم جلّ القوى الغربية على الخطوة ذاتها أي (نقل سفاراتها إلى القدس)، كما أن قراراً بمثل هذا الحجم سيؤدي إلى انتفاضة فلسطينية جديدة ستدفع إسرائيل ثمنها، وهو أمر لا تحبذه الإدارة الأمريكية"، كما يقول الخبير. [embed:render:embedded:node:14478] من جانبه يؤكد بشير عبد الفتاح، باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الدول العربية تملك قدرات كبيرة للرّد على ترامب، ويقول بهذا الصدد "يمكن للدول العربية الضغط على إسرائيل عبر تجميد العلاقات مع إسرائيل، سواء المعلنة منها بموجب اتفاقيات سلام، أو غير المعلنة منها وبينها التجارية. ويمكنها تجميد صفقات التسلّح مع الولايات المتحدة وكافة المشاريع الاقتصادية معها، كما يمكن للجامعة العربية أن تتحرك أكثر". لكن رغم هذه القدرات، فالدول العربية، حسب رأي الباحث لا تتوفر لديها الإرادة لتفعليها. ويوّضح عبد الفتاح أكثر: "لم يكن ترامب ليقدم على هذه الخطوة لولا يقينه بأن العرب لن يتجاوزوا التنديد والشجب إلى خطوات أخرى. غالبية الدول العربية ارتضت دور التابع لواشنطن منذ زمن، فهي لا تعارض سياساتها". ويضيف الخبير المصري أن شرعية الكثير من الأنظمة العربية "تعتمد على المباركة الأمريكية، ممّا يجعل هذه الأنظمة بعيدة عن رسم أيّ دور في مستقبل المنطقة، التي ستعيش خلال الفترات القادمة تغييرات جوهرية كبيرة تخطط من الخارج قد تصل إلى سايكس بيكو جديدة"، في إشارة منه إلى الاتفاقية الموّقعة عام 1916 التي قسمت الشرق الأوسط بين القوى الاستعمارية. [embed:render:embedded:node:23232] بيدَ أن تركيا توجد في موقف تفاوضي أفضل من العرب وإن لم يكن موقفاً ممتازاً، يستدرك عبد الفتاح، فتركيا عضو في الناتو وقريبة من الاتحاد الأوروبي، وعلاقاتها قوية مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل، وهي كذلك واعية أنها ليست بمعزل عن التطوّرات القادمة في المنطقة، خاصة وأنها منشغلة بقضية الأكراد، لذلك، يبرز الباحث، قد يكون ضغط أنقرة على الولايات المتحدة أكبر في موضوع القدس من الدول العربية. إسماعيل عزامحقوق النشر: دويتشه فيله 2017  ar.Qantara.de