
قصة الحجاب واحتجاجات إيران 2022النظام الإيراني فاته قطار التغير المجتمعي
وصلت الاحتجاجات العامة الضخمة التي اندلعت في مختلف أنحاء إيران منذ وفاة مهسا أميني ذات الاثنين والعشرين ربيعا في حجز شرطة الأخلاق في سبتمبر/أيلول 2022 إلى بطولة كأس العالم لكرة القدم. قبل خسارته بستة أهداف مقابل اثنين أمام إنجلترا الشهر الماضي، رفض المنتخب الإيراني غناء النشيد الوطني للجمهورية الإسلامية، في حين قام بعض النشطاء بين الحضور بالتلويح بشارات الاحتجاج وإطلاق صيحات الاستهجان في استقبال الفريق لعدم انسحابه من البطولة كليا في استعراض للتضامن مع مئات الشباب الإيرانيين الذين قُـتِـلوا خلال الأسابيع العشرة الأخيرة.
جرح عميق في روح إيران المعنوية بسبب القمع الفظ
تُـعَـد كرة القدم الرياضة المفضلة في إيران إلى حد بعيد. وعلى هذا فإن تحول الإيرانيين ضد منتخبهم الوطني، وخاصة بعد تصدره التصفيات الآسيوية، ينبئنا بالجرح العميق الذي أحدثته الاحتجاجات في روح البلاد المعنوية. مع نمو الحركة وانتشار الاحتجاجات من طهران إلى الأقاليم، ذهب المحتجون إلى توسيع مطالبهم. وسرعان ما اشتدت دعواتهم المطالبة بإنهاء المضايقات من جانب شرطة الأخلاق لتتحول إلى هتافات "الموت للدكتاتور"، في إشارة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي يبلغ من العمر 83 عاما.
بكل تأكيد، لا تبدو هذه الأزمة وكأنها تهدد بقاء النظام. إذ يفتقر المحتجون إلى الوسائل اللازمة للإطاحة بالحكومة، ومن غير المرجح أن تنقسم القيادة. لحسن حظ النظام، يساعد أعداؤه في الخارج في الحفاظ على اتحاد فصائله المختلفة. ربما يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق والمحتمل في المستقبل بنيامين نتنياهو، وكل منهما يؤيدالاحتجاجات، من أبغض الشخصيات في إيران. كما أن سجل الولايات المتحدة هزيل في رعاية تغيير النظام في أفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا، حيث خلفت من ورائها دولا فاشلة أو مزعزعة الاستقرار بشدة.

لكن القمع الفظ الذي تمارسه الجمهورية الإسلامية ضد المحتجين كان سببا في قطع الروابط بين الحكومة وعدة أجيال من الإيرانيين، وليس فقط الشباب. كان جيل الآباء مخلصا إلى حد كبير للثورة؛ وفي شبابهم سعى الإيرانيون في منتصف العمر إلى إصلاح النظام من الداخل بدلا من الإطاحة به، فانتخبوا الساسة الذين وعدوا ليس فقط بمزايا مادية بل وأيضا بقدر أعظم من التسامح تجاه أنماط الحياة المختلفة.
إيران بين الإصلاحيين والمتشددين
على مدار العقدين الأخيرين، حاول الإصلاحيون الإيرانيون بنجاح محدود جعل الجمهورية الإسلامية أكثر تسامحا. فدفع الرئيس السابق محمد خاتمي، الذي انتخب في عام 1997، من أجل "الحوار بين الحضارات" إلى أن تنحى في عام 2005. كما وَعَـدَ الرئيس حسن روحاني، الذي تولى منصبه من عام 2013 حتى عام 2021، بسياسات اجتماعية أكثر اعتدالا، فضلا عن إصلاح العلاقات مع الغرب ووضع حد للعقوبات الاقتصادية. وحتى الرئيس السابق محمد أحمدي نجاد، الذي انتُـخِـبَ كمتشدد في عام 2005، انقلب في وقت لاحق ضد المحافظين الذين استفاد منهم وتبنى أسلوبه الخاص في الإصلاح. فمنذ ترك منصبه في عام 2013، قام بتنظيم حملة من أجل قدر أعظم من الحريات المدنية وإلغاء شرطة الأخلاق (وهي الخطوة التي اتخذها النظام الآن).
في عام 2021، قام المتشددون المحبَطون بهندسة انتخاب رجل دين شديد المحافظة، وهو الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، الذي تتمثل مهمته في أن يُـظـهِـر لعامة الناس ما يستطيع الثوار الإسلاميون الحقيقيون إنجازه. كان المتشددون يأملون أن تعمل حكومة تقليدية على نحو ثابت على الرخاء الاقتصادي في الداخل وترسيخ مكانة إيران كقوة إقليمية، على النحو الذي يحول الإيرانيين بعيدا عن الإصلاح والتقارب مع الغرب.
عندما لم يتحقق الازدهار والرخاء، ألقى المتشددون باللوم على الأداء الاقتصادي الهزيل في ظل العقوبات الغربية، والسياسات النيوليبرالية التي أدخلتها حكومات سابقة، وفرط الاعتماد على أسواق خاضعة للعولمة. حتى أن بعض المتشددين ألقوا اللوم على الاتفاق النووي غير الفَـعّـال الذي أبرم في عام 2015 بشأن العلل الاقتصادية التي تعاني منها إيران. الواقع أن رئيسي، الذي فاز بالرئاسة بالحصول على 18 مليون صوت فقط (من أصل 59 مليون ناخب)، يفتقر إلى التفويض الكافي والخبرة للوفاء بوعوده بالتوصل إلى اتفاق مع الغرب، وترويض التضخم، ووقف انخفاض قيمة العملة.
"Das war eine klare Finte, um internationalen Druck abzubauen": Der Politologe @AFathollahNejad hat erhebliche Zweifel an der angeblichen Auflösung der "Sittenpolizei" im Iran. Für die Protestierenden gehe es ohnehin um die Systemfrage, sagte er im DLF.https://t.co/AwGjBvI9kX
— Deutschlandfunk (@DLF) December 6, 2022
زيادة مراقبة النساء وعدم إدراك أن التزام أغلب النساء بقانون الحجاب طوعي لا جَبْريّ
ترتب على ذلك عدم استعداد المحافظين الإيرانيين عندما اندلعت الاحتجاجات. كانت التوترات بين النساء الشابات والسلطات بشأن ارتداء الحجاب قسرا تتفاقم لسنوات، لكن المحافظين لم يولوا الأمر اهتماما كبيرا. الواقع أن المتشددين كانوا يضغطون من أجل زيادة مراقبة النساء في الأماكن العامة منذ عام 2019، قبل انتخاب رئيسي. تصور كثيرون أن الوقت حان للتعويض عن التراخي في تطبيق قانون الحجاب لعام 1983 الذي قضى بتجريم الملابس النسائية التي تُـعَـد "غير إسلامية". ورغم أن القيام بذلك لم يكن متسقا مع الزمن المتغير، وأن قواعد اللباس أشعلت بالفعل شرارة احتجاجات مطولة مناهضة للحجاب في الأحياء الحضرية الأكثر ثراءً في إيران، فلم يكن ذلك كافيا لإطلاق أجراس الإنذار.
لم يدرك النظام أن المجتمع الإيراني تغير منذ عام 1983، عندما كانت أغلب النساء يلتزمن بقانون الحجاب طواعية. في ذلك الوقت، كانت نساء كثيرات يعشن حياة مختلفة تماما؛ كانت المرأة تنجب من ستة إلى ثمانية أطفال في المتوسط، ولم تكن تسعى إلى العمل خارج البيت، ولم تكن على درجة عالية من التعليم. كانت السياسات المناصرة للفقراء التي انتهجها الثوريون الإسلاميون الأوائل توفر الكهرباء، والمياه النظيفة، والخدمات الصحية للمناطق الريفية والحضرية الفقيرة، مما أدى إلى تغيير حياة العديد من النساء. ولكن اليوم، تتزوج المرأة في إيران في منتصف إلى أواخر العشرينات وتنجب طفلين في المتوسط. الواقع أن 38% من النساء الإيرانيات في العشرينات من العمر يتمتعن ببعض التعليم العالي على الأقل، مقارنة بنحو 33% من الرجال في ذات الفئة العمرية. من منظورهن، تُـعَـد مجرد فكرة اعتقالهن وسحبهن إلى معسكر إعادة التربية من قَـبَـل شرطة الأخلاق أمرا لا يُـطاق.