كتاب جبران خليل جبران "النبي" بشكل رواية مصورة
نبضات قلوبكم تتردد في قلبي - إهداء لشجعان كورونا

العاطفة هي صوت جبران -رغم انتقادات النقاد- في روايته "النبي"، أحد أكثر الكتب ترجمةً في التاريخ. بِيت كاتز ترجمه أيضا ولكن بالرسم ترجمةً أخرى بصرية فيها إبحار في الشدائد بالاستعانة بكلمات جبران. ولا عجب في أن يهديه إلى شجعان الطب في معركة كورونا. نهرين الموسوي اطلعت لموقع قنطرة على هذا الكتاب البصري.

كتاب "النبي: رواية مصورة" للرسام بيت كاتز هو ترجمة بتصرف ورسم بصري لرواية "النبي"، وهو كتاب لا يزال -رغم التعديل- مثل الرواية الأصلية، يتألف من قصائد نثرية تصوّرُ تأمّلات منفى المصطفى (النبي) إبان عودته إلى الوطن من مدينة أورفليس، وتبقى هذه القصائد النثرية سليمة من دون تغيير وإن كانت بترتيب مختلفٍ.

ولكن إضافة إلى القصائد النثرية، تَظهرُ سرديةٌ أخرى أكثر حداثة، لتكشفَ عن التأثير غير المنتهي لكتاب "النبي" على قرائه: إذ تناضل فنانة معاصرة -اسمها "آل"- من أجل إدخال والدها المريض إلى المشفى بمساعدة من صديقها الممرض أندرو، الذي يعطيها نسخة من كتاب النبي على أمل أن يساعدها الكتاب في تجاوز هذه المرحلة الصعبة التي تمرُّ بها، كما ساعده هذا الكتاب من قبل.

وتتداخلُ السرديةُ المعاصرةُ لـِ كاتز التي تتشكّلُ من الفنانة آل مع القصائد النثرية لجبران التي تُصوِرُ النبي المصطفى في أنحاء الرواية المصورة، مما يسمح لهما بالتعبيرِ موضوعياً بعضهما عن بعض.

مقتطف من كتاب "النبي: رواية مصورة" للرسام بيت كاتز هو ترجمة بتصرف ورسم بصري لرواية "النبي" لجبران خليل جبران. (source: Pete Katz Illustration; Facebook)
مرآة شديدة الوضوح لرومانسية جبران خليل: يرسمُ كاتز استخدام الإبحار في "النبي" كناية عن الملاحة العاطفية في الشدائدِ عبر لوحتين، الأولى عبارة عن بحر مستقر يحتضنُ سفينة، والثانية -وهي التي تظهرُ هنا في الصورة- بحر هائجٌ يهدّدُ بقلب السفينةِ.

وبينما تتعلمُ آل من قراءة الكتاب الذي أعارها إياه صديقها، يبدو أنّ سرديتها الحديثة -التي تدورُ أحداثها في الموقعِ الأكثر مركزية في عصر فيروس كورونا الذي نعيشه، أي في غرفة المشفى- تعكسُ الألم والصدمة والضياع والتأمل الذاتي وفحص الذات اللذين عبّر عنهما النبي المصطفى في كلماته المُلهِمة عند وداعه لأبناء أورفليس قبل ركوبه السفينة عائداً للجزيرة التي وُلِدَ فيها. كما تنعكسُ هذه المواضيع الأصلية في الجمالية التي أنشأها كاتز، برسوماته الناعمة والحالمة والرومنسية.

"نعم، قد عرفت فرحكم وحزنكم"

بالنسبةِ للباحثين في الرومانسية أو في جبران وحده، فيمكنُ لرواية كاتز المصورة -كما في رسوماته وترجماته السابقة للكلاسيكيات مثل "فن الحرب وفرانكشتاين"- أن تُقدِّمَ مدخلاً إلى الحركة الأدبية الفنية وأحد أهم شخصياتها الإشكالية، إشكالية بمعنى تقسيم الأصوات الأكاديمية والشعبية.

 في الواقعِ، ربما بدَت قصائدُ جبران النثرية الرومانسية والحسية وقد عفا عليها الزمن أو حتى مبتذلة حين نُشِرت لأول مرة. ومع ذلك، بالنسبةِ للباحثين في الرومانسية والعاطفية، فإنّ العاطفة في صوت جبران -رغم انتقادات النقاد- هي بالضبط ما ينبغي تسليط الضوء عليه، بما أنّ جبران يُنسب إليه الفضل في إعادة إحياء الأسلوب الأدبي للحركة بكتابه "النبي".

إضافة إلى ذلك، قيل إنّ النبي المصطفى يكشفُ عن الفهم الرومانسي لجبران لوظيفة الشاعر، في قدرته كمدرس وصاحب رؤية على إدراك ما يجد الناس صعوبة في صياغته بالكلمات، والتعبير عنه بشكل بديهي. وكما يقول المصطفى لشعب أورفليس المتجمّع حوله:

"نعم، قد عرفت فرحكم وحزنكم، وفي هجوعكم كانت أحلامكم أحلاماً لي... فكانت ترتسم على صفحات مرآتي قُنَنكم الشاهقة ومنحدراتكم المتعرجة، حتى قطعان أفكاركم ورغباتكم العابرة عليها".كما عبّر إمرسون أيضاً عن الأدوار المزدوجة للشاعر والنبي: "علامة الشاعر هي أنه يعلن عن ذلك الذي لم يسبق لأحد التنبؤ به...فهو الراوي الوحيد للأخبار، لأنه كان حاضراً وعلى علمٍ بالمظهرِ الذي يصفه".

 وحين يُطلبُ من المصطفى أن يحدّث شعب أورفليس عن المحبة والصداقة والعمل والألم قبيل رحيله، فإنه يستجيب من دون ترفع أو تمييز نفسه عمن حوله. إذ تُميّزُ صوتَ النبي النزعةُ الإنسانيةُ الرومانسيةُ التي تبدو في خدمةِ الشعبِ وليست معارِضةً لهم أو ساخِرةً منهم. وبالمثلِ -فإنّ رسومات كاتز الحالمة والناعمة للمصطفى وأبناء شعب أورفليس بوجوههم المعبّرة وعيونهم المجعدة اللطيفة- تعكسُ المودة التي أنشأها.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة