
كتاب "ما الشعبوية؟" للباحث الألماني يان فيرنر مولرنقيض الديمقراطية....عشر أطروحات حول الشعبوية
أولاً: لا يمكن ربط الشعبوية بناخبين محدّدين، أو مواصفات سوسيونفسية أو "أسلوب سياسي". إنها ليست أيديولوجيا شاملة (بالمعنى المحايد والوصفي المحض) مثل الاشتراكية، الليبرالية أو أيضاً النيوليبرالية والأيديولوجيا المحافظة (يتم الحديث خطأ عن قرابة بين الأيديولوجية المحافظة والشعبوية، لأنها هي الأخرى يصعب ضبطها على مستوى المفهوم). لكنّ للشعبوية منطقاً خاصاً ومحدّداً: إن الشعبويين ليسوا معادين للنخبة فحسب، ولكنهم معادون للتعدّد بشكل مبدئي. إن ادعاءهم الدائم يقول: نحن ـ ونحن فقط ـ من يمثل الشعب الحقيقي، ومواقفهم السياسية تنتهي مباشرة إلى تمييز أخلاقي بين الخطأ والصواب، وليس يميناً ويسارا فقطً. فلا شعبوية بدون استقطاب أخلاقي.
ثالثاً: ينتج بسرعة عن النقد الموجّه إلى الممثلين المزيفين، نقد راديكالي للمؤسسات الديمقراطية. ولأن الشعبويين يمثلون الأغلبية الصامتة (أو بالأحرى كل الشعب)، فإن المؤسسات لا ريب تعاني من خلل ما، وإلا لوصل الشعبويون منذ زمن إلى السلطة.
"شكّلت الثقافة النيوليبرالية وعي الشعوب على مقاسها"
رابعاً: إن الشعبويين يفهمون علاقة التمثيل بمعنى تفويض جبري. ووفقاً لذلك يتوجّب ببساطة تنزيل إرادة الشعب على أرض الواقع. إن هذا التصوّر عن تمثيل إرادة الشعب خاطئ، لأنه لا توجد هذه الإرادة الفردية للشعب المتناسقة على أرض الواقع (ولا يمكن البتة تحديدها قبلياً)، ولهذا ينحرف الشعبويون إلى تمثيل رمزي للشعب. إذ يتوجّب في رأيهم استخراج الشعب الحقيقي من عموم المواطنين. إن ذلك يعني بشكل محسوس: فقط المجدّين، شعب شافيز، أو القوميين المسيحيين إلخ.. من يمثلون الشعب الحقيقي.
خامساً: إن الشعبويين يستعملون هذا التصوّر الرمزي عن الشعب ضد المؤسسات القائمة. إن تصوّرهم هذا عن شعب حقيقي وخالص أخلاقياً، لا يمكن تفنيده على المستوى الواقعي.
سادساً: إن الشعبويين ليسوا أحزاب رفض أو أحزاباً احتجاجية، ولهذا لا يمكن الحكم عليهم بأنهم غير قادرين على إدارة دفّة السلطة. بل إنهم يحكمون في توافق مع المنطق الداخلي للشعبوية: هم، وفقط هم من يمثّل الشعب الحقيقي، ولهذا لا يمكن وجود معارضة شرعية لهم.
سابعاً: وهذا يعني بشكل عمليّ سيطرة الشعبويين على السلطة، وإضعاف الضوابط والتوازنات أو تعطيلها بالمرة، نهج سياسة الزبونية ونزع المصداقية عن كل معارضة، سواء في المجتمع المدني أو الإعلام. وهم يقولون بذلك اعتماداً على شرعنة ذاتية أخلاقية واضحة: في الديمقراطية، يتوجّب على الشعب أن يمتلك دولته، والأعمال الخيرية يجب أن تعرف طريقها إلى الشعب الحقيقي، وليس إلى من لا ينتمي إليه، أما الأصوات المعارضة في الإعلام والمجتمع المدني فهي أصوات للقوى الأجنبية، وهذا كله يتناقض مع المبادئ الأصلية للديمقراطية.