
كتاب "متجذرون في فلسطين""جوهر فلسطين مفقود من دون المسيحيين الفلسطينيين"
وُلد خافيير أبو عيد لعائلة مسيحية من مدينة بيت جالا، ويعمل مستشاراً لدائرة شؤون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. نشر مؤخراً كتاب "متجذّرون في فلسطين: المسيحيون الفلسطينيون والنضال من أجل التحرير الوطني 1917-2004"، وهي أول دراسة باللغة الإنكليزية حول هذا الموضوع لمؤلف فلسطيني.
****************
أستاذ أبو عيد، كيف كانت فلسطين المسيحية قبل عام 1917، حين وعد البريطانيون اليهودَ بـ "وطن قومي" في فلسطين من خلال وعد بلفور؟
أبو عيد: لم يكن لفلسطين قبل وعد بلفور حدود داخلية. كان للمسيحيين حرية الوصول إلى أماكنهم المقدسة. ومثل بقية المنطقة، كانت فلسطين تتجه نحو الاستقلال. ودائماً ما كانت المجتمعات المسيحية تتوسّع على الرغم من الصعوبات الاقتصادية. نحن نتحدّث هنا عن مهد المسيحية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، بطريركية القدس للاتين، التي امتدّت إلى جميع أنحاء البلاد. حين استولى البريطانيون على فلسطين في الحرب العالمية الأولى، كان المسيحيون يشكّلون حوالي 9% من السكّان.
وما الذي تغيّر مع وعد بلفور؟
أبو عيد: كان وعد بلفور نقطة تحوّل. وعد البريطانيون بتقديم أرضنا لأناس ليسوا من هنا. وفي الوقت ذاته، غيّر الإعلان الاتجاه المنطقي لفلسطين نحو الحرية والاستقلال الذين كانت تشهده الدول الأخرى في المنطقة.

ما الدور الذي لعبه المسيحيون في الحركة الوطنية الفلسطينية؟
أبو عيد: لقد لعبوا أدواراً مختلفة في أوقات مختلفة. حتى عام 1948، كان المسيحيون في مقدمة النضال من أجل تحرير فلسطين. ومن ثم جاءت النكبة، أي كارثة تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين بعد قيام إسرائيل، وفهم هذا التاريخ ضروري لفهم ما بعد عام 1948. كانت النكبة بمثابة ضربة قاضية للمسيحيين في فلسطين، لم يتعافوا منها قط.
لمَ لا؟
أبو عيد: استهدفت النكبة قدرة الوجود المسيحي على البقاء. أصبح أكثر من 50% من الفلسطينيين المسيحيين لاجئين بين عشية وضحاها. فُصِلت عائلات وأُغلِقت مؤسسات مسيحية، بما في ذلك الكنائس. وفي عام 1948، لم يكن معظم المسيحيين يعيشون في بيت لحم أو رام الله، بل كانوا يعيشون في القدس الغربية ويافا وعكا والناصرة وقرى الجليل. ولم يُعامَلوا بشكل مختلف عن بقية الفلسطينيين لكونهم مسيحيين.
كثيراً ما يُقال إنّ المسيحيين يمكن أن يشكّلوا جسراً في النزاع بسبب تبنيهم مبدأ اللاعنف. هل هذا صحيح؟
أبو عيد: كان الفلسطينيون المسيحيون جزءاً من كل مراحل الحركة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك المقاومة المسلّحة. ومن الصحيح أنّ الكفاح المسلّح قاد إلى جدل ديني. فقد رأى بعض المسيحيين في العنف خروج عن الرسالة المسيحية. والأعمال اللاعنفية في بلدة بيت ساحور ذات الأغلبية المسيحية، في الضفة الغربية، خلال الانتفاضتين هي أمثلة على المقاومة السلمية الناجحة.
تصف في كتابك التوترات بين قادة الكنائس الأجانب والمسيحيين المحليين فيما يتعلّق بمواقفهم تجاه القضية الفلسطينية.
أبو عيد: لم يكن لجميع قادة الكنائس الأجانب الموقف ذاته. فهناك العديد من رجال الدين الأجانب الذين وقفوا إلى جانب أتباعهم الفلسطينيين. لكن الناس قد جاؤوا إلى فلسطين بأهداف مختلفة، بعضهم يحمل مفاهيم وتصوّرات أسطورية. لقد اهتمّوا بحماية الأماكن المقدّسة أكثر من اهتمامهم بالناس ذاتهم. بينما اهتمّ غيرهم بالحجاج غالباً، ولا سيما الحجاج الغربيين.

حتى عامي 1948 و1967، كان معظم الحجاج عرباً مسيحيين. أما اليوم فلم يعد لديهم حرية القدوم إلى فلسطين. وهذا الإغلاق أمامهم، عامل آخر يعيقُ النمو القومي والنسيج الطبيعي للمسيحيين في المنطقة. وأحد الجوانب الأخرى، مسألة ملكية الكنيسة. فحين تسلّم كنيسة أرضها للصهاينة، فهي ترسل برسالة إلى رعاياها: "لا مستقبل لنا هنا".
لفترة من الزمن كان هناك تعريب لقيادة الكنيسة.
أبو عيد: مثّل ميشيل صبّاح، أول بطريرك فلسطيني لاتيني في القدس، نقطةَ تحوّل من جميع النواحي. فهو لم ينجح في إعطاء صوت للكاثوليك فحسب، بل أيضاً في إحياء الحضور المسيحي للجميع. ومن خلال انحيازه للمظلومين، منع الكثيرين من الهجرة.