"جوهر فلسطين مفقود من دون المسيحيين الفلسطينيين"

مسيحيون في بيت لحم - فلسطين.
مسيحيون في بيت لحم - فلسطين.

لا هوية فلسطينية من دون الوجود المسيحي الفلسطيني. ومسيحيو فلسطين جزء لا يتجزأ من حركتها الوطنية. استنتاج المحلل السياسي الفلسطيني المولود في تشيلي خافيير أبو عيد. حاورته أندريا كروغمان لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Andrea Krogmann

وُلد خافيير أبو عيد لعائلة مسيحية من مدينة بيت جالا، ويعمل مستشاراً لدائرة شؤون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. نشر مؤخراً كتاب "متجذّرون في فلسطين: المسيحيون الفلسطينيون والنضال من أجل التحرير الوطني 1917-2004"، وهي أول دراسة باللغة الإنكليزية حول هذا الموضوع لمؤلف فلسطيني.

****************

أستاذ أبو عيد، كيف كانت فلسطين المسيحية قبل عام 1917، حين وعد البريطانيون اليهودَ بـ "وطن قومي" في فلسطين من خلال وعد بلفور؟

أبو عيد: لم يكن لفلسطين قبل وعد بلفور حدود داخلية. كان للمسيحيين حرية الوصول إلى أماكنهم المقدسة. ومثل بقية المنطقة، كانت فلسطين تتجه نحو الاستقلال. ودائماً ما كانت المجتمعات المسيحية تتوسّع على الرغم من الصعوبات الاقتصادية. نحن نتحدّث هنا عن مهد المسيحية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، بطريركية القدس للاتين، التي امتدّت إلى جميع أنحاء البلاد. حين استولى البريطانيون على فلسطين في الحرب العالمية الأولى، كان المسيحيون يشكّلون حوالي 9% من السكّان.

 

وما الذي تغيّر مع وعد بلفور؟

أبو عيد: كان وعد بلفور نقطة تحوّل. وعد البريطانيون بتقديم أرضنا لأناس ليسوا من هنا. وفي الوقت ذاته، غيّر الإعلان الاتجاه المنطقي لفلسطين نحو الحرية والاستقلال الذين كانت تشهده الدول الأخرى في المنطقة.

 

مسيحيون في بيت لحم - فلسطين. Christen in Bethlehem; Foto: Debbie Hill/UPI/newscom/picture-alliance
عيد الميلاد في بيت لحم: أصابت النكبة الفلسطينيين المسيحيين بالقدر ذاته الذي أصابت به الفلسطينيين المسلمين. وفقاً لخافيير أبو عيد، كانت "ضربة شبه قاتلة للمسيحيين في فلسطين، ضربة لم يتعافوا منها قط". في الحقيقة، أصبح أكثر من نصف الفلسطينيين المسيحيين لاجئين بين ليلة وضحاها. فُصِلت العائلات وأُغلِقت مؤسسات مسيحية، بما في ذلك الكنائس.

 

ما الدور الذي لعبه المسيحيون في الحركة الوطنية الفلسطينية؟

أبو عيد: لقد لعبوا أدواراً مختلفة في أوقات مختلفة. حتى عام 1948، كان المسيحيون في مقدمة النضال من أجل تحرير فلسطين. ومن ثم جاءت النكبة، أي كارثة تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين بعد قيام إسرائيل، وفهم هذا التاريخ ضروري لفهم ما بعد عام 1948. كانت النكبة بمثابة ضربة قاضية للمسيحيين في فلسطين، لم يتعافوا منها قط.

 

لمَ لا؟

أبو عيد: استهدفت النكبة قدرة الوجود المسيحي على البقاء. أصبح أكثر من 50% من الفلسطينيين المسيحيين لاجئين بين عشية وضحاها. فُصِلت عائلات وأُغلِقت مؤسسات مسيحية، بما في ذلك الكنائس. وفي عام 1948، لم يكن معظم المسيحيين يعيشون في بيت لحم أو رام الله، بل كانوا يعيشون في القدس الغربية ويافا وعكا والناصرة وقرى الجليل. ولم يُعامَلوا بشكل مختلف عن بقية الفلسطينيين لكونهم مسيحيين.

 

كثيراً ما يُقال إنّ المسيحيين يمكن أن يشكّلوا جسراً في النزاع بسبب تبنيهم مبدأ اللاعنف. هل هذا صحيح؟

أبو عيد: كان الفلسطينيون المسيحيون جزءاً من كل مراحل الحركة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك المقاومة المسلّحة. ومن الصحيح أنّ الكفاح المسلّح قاد إلى جدل ديني. فقد رأى بعض المسيحيين في العنف خروج عن الرسالة المسيحية. والأعمال اللاعنفية في بلدة بيت ساحور ذات الأغلبية المسيحية، في الضفة الغربية، خلال الانتفاضتين هي أمثلة على المقاومة السلمية الناجحة.

 

تصف في كتابك التوترات بين قادة الكنائس الأجانب والمسيحيين المحليين فيما يتعلّق بمواقفهم تجاه القضية الفلسطينية.

أبو عيد: لم يكن لجميع قادة الكنائس الأجانب الموقف ذاته. فهناك العديد من رجال الدين الأجانب الذين وقفوا إلى جانب أتباعهم الفلسطينيين. لكن الناس قد جاؤوا إلى فلسطين بأهداف مختلفة، بعضهم يحمل مفاهيم وتصوّرات أسطورية. لقد اهتمّوا بحماية الأماكن المقدّسة أكثر من اهتمامهم بالناس ذاتهم. بينما اهتمّ غيرهم بالحجاج غالباً، ولا سيما الحجاج الغربيين.

 

حاج مسيحي في القدس. Christlicher Pilger in Jerusalem; Foto: Reiuters/A.Awad
يقول أبو عيد: "لا يمكن فصل الفلسطينيين المسيحيين ببساطة عن بقية الفلسطينيين، ومن دون الوجود المسيحي، جوهر فلسطين مفقود".

 

حتى عامي 1948 و1967، كان معظم الحجاج عرباً مسيحيين. أما اليوم فلم يعد لديهم حرية القدوم إلى فلسطين. وهذا الإغلاق أمامهم، عامل آخر يعيقُ النمو القومي والنسيج الطبيعي للمسيحيين في المنطقة. وأحد الجوانب الأخرى، مسألة ملكية الكنيسة. فحين تسلّم كنيسة أرضها للصهاينة، فهي ترسل برسالة إلى رعاياها: "لا مستقبل لنا هنا".

 

لفترة من الزمن كان هناك تعريب لقيادة الكنيسة.

أبو عيد: مثّل ميشيل صبّاح، أول بطريرك فلسطيني لاتيني في القدس، نقطةَ تحوّل من جميع النواحي. فهو لم ينجح في إعطاء صوت للكاثوليك فحسب، بل أيضاً في إحياء الحضور المسيحي للجميع. ومن خلال انحيازه للمظلومين، منع الكثيرين من الهجرة.

وبعد تقاعده، انسحب قادة الكنيسة مرة أخرى. واليوم، يركّزون بشكل أساسي على أمرين: حماية حقوقهم ضمن الوضع الراهن والنزاع الضريبي مع إسرائيل. وفي مناسبات نادرة، حين يتعاملون مع مخاوف أخرى، مثل بوابة يافا، حيث يستولي المستوطنون على ممتلكات الكنيسة، يُلاحَظُ كيف يمكنهم إظهار القوة حين يتّحدون معاً.

 

خافيير أبو عيد مؤلف كتاب "متجذّرون في فلسطين". Autor Xavier Abu Eid bei der Vorstellung seines Buches an der Dar al-Kalima University in Bethlehem. (Foto: Dar al-Kalima University)
Autor Xavier Abu Eid bei der Vorstellung seines Buches an der Dar al-Kalima University in Bethlehem. (Foto: Dar al-Kalima University)

 

هل ترى مستقبلاً للمسيحيين في فلسطين؟

أبو عيد: يركّز الكثير من الناس على هجرة المسيحيين. قد يصبُّ هذا في مصلحة أولئك الذين يريدون إظهار أنّ المسيحيين ليسوا من هنا وليس لهم مستقبل هنا. لكن ماذا عن الآلاف الذين بقوا هنا على الرغم من كل شيء؟ وماذا عن آلاف الفلسطينيين المسيحيين الذين يرغبون بالعودة، بيد أنّ إسرائيل لن تسمح لهم بذلك؟ لا يمكن فصل المسيحيين عن بقية الفلسطينيين ببساطة.

والحصول على حقوقنا كفلسطينيين مطلب أساسي، وأمر لا غنى عنه. ومن دون إنهاء الاحتلال والحصول على حقوقنا: تبقى قابلية الوجود المسيحي للاستمرار صعبة. ومن دون وجود مسيحي: فإنّ جوهر فلسطين مفقود.

 

 

حاورته أندريا كروغمان

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantara.de

 

كتاب خافيير أبو عيد، "متجذّرون في فلسطين: المسيحيون الفلسطينيون والنضال من أجل التحرير الوطني 1917-2004"، دار الكلمة للنشر، بيت لحم 2022.