تركيا: الجائحة تهدد ما تبقى من الصحافة الحرة

هل يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إجراءات مكافحة فيروس كورونا للقيام بحملة على وسائل الإعلام والقضاء على آخر الأصوات الصحفية النقدية في البلاد؟ المعارضة والصحفيون يخشون موجة جديدة من الرقابة والاعتقالات. الصحافي التركي دانييل والتفاصيل من إسطنبول.

الكاتبة ، الكاتب: Daniel Derya Bellut

يسود الخوف والهلع في أوساط الصحفيين الأتراك، فنظرا لنوبة الغضب الأخيرة للرئيس رجب طيب أردوغان تتبادر لديهم ذكريات المحاولة الانقلابية في الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016. فالأخير استغل حينها بعد المحاولة الفاشلة كفرصة لكمّ أفواه المنتقدين والمعارضين بموجة اعتقالات لم يسبق لها مثيل. والآن يخشى الكثيرون من الصحفيين مجددا موجة اعتقالات جديدة بحق منتقدين ومعارضين.

"يجب أن ننقذ بلادنا ليس من فيروس كورونا فحسب، بل من جميع الفيروسات الإعلامية والسياسية"، هذا ما قاله الرئيس رجب طيب أردوغان، حسب تقارير إعلامية تركية، في اثنين الفصح عقب جلسة حكومية. "فبدلا من المساهمة في الحرب ضد الوباء، هاهم يتقيؤون معلومات زائفة وأكاذيب. وبالتالي فهم أخطر من الفيروس نفسه". 

والمقصود "بالفيروسات الإعلامية والسياسية" هم المنتقدون من أحزاب المعارضة أو الصحفيين، الذين يعبرون عن آرائهم في وسائل الإعلام المستقلة القليلة المتبقية أو عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". 

ولم يكتف أردوغان بذلك بل أضاف أن وسائل الإعلام المعارضة تشن على ما يبدو "حربا ضد البلاد"، وتعمل "ليل نهار من أجل كسر همة الأمة"، يضيف الرئيس التركي معلنا عن عواقب: "بالاشتراك مع المنظمات الإرهابية سيغرقون في قعر الكراهية والمؤامرات".

سيدة تركية تحمل بطاقة صحافية انتهت صلاحيبتها دعما لصحيفة زمان. A woman holds a placard showing an invalid press card as people demonstrate in support of Turkish daily newspaper Zaman (Getty Images/AFP/O. Kose)
توسيع نطاق الرقابة على الصحفيين والرقابة الذاتية فيما بينهم: نشرت منظمة “مراسلون بلا حدود” نتائج مؤشر حرية الصحافة لعام 2020 يوم الأربعاء الماضي، واحتلت فيه تركيا المرتبة الـ154 من بين 180 دولة. كما أعلنت نقابة الصحافيين في تركيا مطلع الشهر الجاري أن “الصحافة في تركيا تمر باختبار أكثر صعوبة من أي وقت مضى”.

الخوف يزداد

النائب السابق في أكبر حزب معارض، حزب الشعب الجمهوري، والصحفي باريس ياركداس، يفسر نوبة غضب الرئيس بأنها إشارة على عملية ممكنة جديدة ضد ممثلي الصحافة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتذمر من أن الصحفيين المستقلين يشوشون على الصورة الايجابية المروجة من قبل الحكومة حول سياستها في مكافحة الوباء، "ولذلك هم يرون في الصحفيين الذين يعرضون حقائق على الجمهور فيروسات يجب التخلص منها".

وفي الواقع تتواصل الاعتقالات منذ 18 عاما، "ستتواصل إلى آخر صحفي تركي منتقد للحكومة"، كما يتنبأ ممثل تركيا في منظمة مراسلون بلا حدود إيرول أوندرأوغلو. ويضيف بأنه لم يبق إلا عدد قليل من قنوات التلفزة والصحف التي تملك ميزانية صغيرة، لكنها تزعج الخطاب الممل لرئيس الجمهورية التركية.

منع التجول لـ 48 ساعة

وحسب معطيات وزارة الصحة التركية، فإن نحو 86.000 شخص مصابون بالفيروس في تركيا. ومنذ أسابيع يدور النقاش حول ما إذا كانت الإجراءات المتخذة إلى حد الآن تكفي لمواجهة الوباء.

وعلى هذا النحو أعلن رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، المنتمي للمعارضة السياسية بأن حظر التجول لمدة 48 ساعة من نهاية الأسبوع الماضية ظل بدون مفعول.

لكن الحكومة التركية ترد منذ بداية أزمة كورونا بشكل متشنج على التغطية الاعلامية المنتقدة لها. فالشكوى الجنائية التي قدمتها في من السابع من أبريل الحالي ضد مقدم البرامج المحبوب لقناة "فوكس" فاتح بورتكال، أثارت اهتماما داخل الرأي العام التركي. فاتح بورتكال انتقد حملة تبرعات للحكومة التركية على تويتر، والمدعي الرئيسي هو الرئيس التركي.

ممثل تركيا في مراسلون بلا حدود، إيرول أوندرأوغلو يعرف المضايقات الحكومية . Erol Onderoglu bei Pressekonferenz (Getty Images/AFP/O. Kose)
مراسلون بلا حدود حول حرية الصحافة في تركيا: "تشن حكومة رجب طيب أردوغان حملة مطاردة بلا هوادة ضد وسائل الإعلام الناقدة منذ محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016. فبعد تصفية العشرات من وسائل الإعلام وانتقال أكبر مجموعة إعلامية تركية إلى ملكية شركة مقربة من السلطة، باتت الدائرة تضيق على كل ما تبقى في البلاد من تعددية إعلامية."

وبورتكال ليس حالة فردية، فسلسلة الصحفيين الذين اصطدموا مع العدالة والذين رفعوا صوتهم ضد سياسة كورونا تطول باستمرار مثل عمليات الاستنطاق العشوائية للصحفيين إدريس أوزيول وابرو كوتشوكايدين، المتهمين ببث الرعب في مدينة أنتاليا من خلال تغطية إعلامية منتقدة، أو الاعتقال المفاجئ لرئيس تحرير صحيفة محلية اعتقلته الشرطة ليلا بسبب تغطية إعلامية منتقدة.

وحتى نشر أخبار منتقدة لنهج الحكومة عبر تويتر أدت إلى تحقيقات حكومية. وفي هذا السياق جرى تحقيق ضد الصحفية نورجان بايسال من دياربكر بسبب تغريدة على تويتر تنتقد فيها الضيق في التزود بالكمامات. "الصحفيون سيقيمون بأنفسهم في هذه الأجواء إجراءات الرقابة لتفادي مواجهة عقوبة السجن"، كما قالت بايسال لدويتشه فيله. والدولة ناجحة برأيها "في شحن هذه المخاوف".

لا حرية للمعتقلين السياسيين

وتظهر العلاقة المسمومة بين الصحافة التركية والحكومة أيضا في إطلاق سراح 90.000 سجين جنائي من أجل الوقاية من خطر العدوى داخل السجون. فهذا العفو للحماية من كورونا لا ينطبق على الصحفيين والمعتقلين السياسيين.

بيد أن المعارضة سارعت إلى رفض هذا المرسوم معلنة نيبتها التوجه إلى المحكمة الدستورية.

وبالنسبة إلى ممثل تركيا في منظمة مراسلون بلا حدود، إيرول أوندرأوغلو يتضح أن "أردوغان يرى أن وسائل الإعلام المعارضة أخطر من الفيروس. والإصلاح يبين أن الحكومة تساوي بين ممثلي الإعلام والطاعون".

 

دانييل بيلوت/ م.أ.م

حقوق النشر: دويتشه فيله 2020

 

 

المزيد من مقالات قنطرة 

تركيا: كيف تحولت اسطنبول إلى وجهة العرب الأولى

تركيا - التجديد الحضري في ظل إردوغان

هل تراعي مباني إسطنبول الحديثة خطر الزلازل ومحدودي الدخل؟

التغيير العمراني في اسطنبول - غلق أبواب المستقبل أمام البعض وفتحها لآخرين