
لا توجد أوروبا من دون الإسلام"أوروبا لها أصول مهاجرة"
ما الذي يُميِّز هوية أوروبا؟ في زمن يُعيد فيه اليمينيون والمحافظون اليمينيون اكتشاف "الغرب المسيحي" وينتشر فيه الخوف من تهديد إسلاموي وتتجلى فيه بوضوح داخل أوروبا أيضًا ميولٌ قوموية نحو الانعزال - يُقدِّم المؤرِّخ الثقافي والفيلسوف المسيحي النمساوي برنهارد براون جوابًا واضحًا: "لقد أظهر لي اهتمامي بالتاريخ الثقافي الأوروبي كم يعتبر التبادل واللقاء مع الغرباء تأسيسيًا ومثمرًا بالنسبة لكلِّ ثقافة ولكلِّ فهم ذاتي".

في كتابه المنشور حديثًا لدى دار نشر جمعية الكتاب العلمي باللغة الألمانية تحت عنوان "أصل أوروبا - رحلة إلى أصول ثقافتنا"، يدعو المؤرِّخ الثقافي وأستاذ الفلسفة في جامعتي إنسبروك وسالتسبورغ النمساويتين القرَّاء إلى رحلة بعيدة وممتعة عبر تاريخ الثقافة الأوروبية المدهش كثيرًا وعبر جذورها الشرقية.
الجذور الشرقية للثقافة الأوروبية
يربط برنهارد براون الجوانب التاريخية الدينية مثل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام مع تطوِّرات في الفنِّ والعلوم والفلسفة. ويسلِّط الضوء على الحضارات الشرقية الراقية مثل حضارة السومريين والفرس ومصر القديمة ويُظهر كيف انتقلت التصوُّرات الخاصة بالله والحياة الآخرة وكذلك الأساطير مثل الولادة العذرية أو لقب "ابن الله" عبر الأديان وحافظت على نفسها حتى يومنا هذا.
فهكذا لقد جاءت تصوُّرات الصعود إلى السماء من مصادر إيرانية إلى العالم اليوناني ثم إلى العالم المسيحي في القرن الخامس قبل الميلاد. يصف برنهارد براون أيضًا التطوُّر المعقَّد من الديانات المؤمنة بتعدُّد الآلهة إلى الديانات التوحيدية ومن آلهة الطبيعة المرتبطة بالأرض -السومريون كانوا يعرفون ثلاثة آلاف قوة طبيعية معظمها مجسَّدة في أشخاص- إلى الآلهة السماوية. وقد ارتبط بذلك تحولٌ تاريخي ديني من العبادة المجرَّدة إلى ما يطلق عليه اسم اللاهوت.
المسيحية ديانة شرقية
وضمن هذا السياق يرفض المؤلف بوضوح التصوُّرات المحدِّدة بحدود الغرب المسيحي. ويذكر أنَّ حتى أوروبا، التي خطفها الإله زيوس، كانت شابة فينيقية من الشرق الأوسط وابنة تاجر شرقي كبير، مشيرًا بذلك إلى الأسطورة العابرة للثقافات. ويكتب أنَّ مَنْ يتتبَّع آثار المسيحية الناشئة لا يمكنه تجنُّب السفر عبر سوريا ومصر وتركيا، وكذلك عبر بلاد فارس وجورجيا وأرمينيا. "المسيحية هي ديانة شرقية".
وفي نهاية المطاف، فرضت المسيحية إرادتها وسادت في "مهرجان سوق الأديان" المتنوِّع للغاية في أواخر العصور القديمة -بينما فقدت سماء الآلهة الرومانية الكثير من قدرتها على الإقناع- وتبنَّت (المسيحية) تصوُّرات كثيرة. ويذكر المؤلف مجموعة من أسباب هذا النجاح، وهي: التوحيد والشخصية التأسيسية التاريخية ووعد الفرد بحياة سعيدة بعد موته -بصرف النظر عن مكانته- والمعايير الأخلاقية العالية والتوجُّه العالمي واستخدام الإيقونات والصور كوسيلة دعاية.
لقد بقي الغرب المسيحي حتى فترة متقدِّمة من العصور الوسطى هو الجزء المستفيد من الشرق في العالم: باستفادته من علماء مسلمين نقلوا معارف الإغريق والرومان وعلومهم في الفلسفة والفلك والرياضيات والطب وطوَّروها. ويصف برنهارد براون الإسلام بأنَّه جزء من أوروبا، ويشرح ذلك من خلال العديد من الأمثلة.