
لهذا حمل الأفغان الهزارة السلاح في وجه طالبانخوف أقلية عرقية شيعية بأفغانستان من طالبان
رغم أنها لا تزال مفعمة بالحياة إلا أنها باتت حبيسة منزلها كغيرها من النساء والفتيات من أقلية الهزارة الأفغانية عقب سيطرة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان وتسيير دوريات مسلحة في العاصمة كابول.
الفتاة ماه بيجوم (تم تغيير الاسم) ووجدت ضالتها في مشاهدة الأفلام لعلها تمثل لها السلوان وقد تخرجها من حالة الخوف الشديدة التي باتت تسودها.
وقالت الفتاة التي لم تتجاوز عامها التاسع عشر إن فيلمها المفضل في الوقت الحالي هو فيلم "ثاء رمز للثأر" (V For Vendetta) المقتبس من رواية للكاتب الإنجليزي آلان مور وتدور أحداثه في وضع بائس يسرد قصة مقاتل وحيد يحارب من أجل الحرية ويخطط للإطاحة بطغيان الحكام المتطرفين.
ولسوء حظ الفتاة، لم تجد في الفيلم السلوان، أو ربما الأمل الذي كانت تبحث عنه، بل إن الفيلم زاد من إحباطها، وفقا لما ذكرته.
وأضافت أن الفيلم أعاد إلى ذهنها بمرارة كبيرة المرة الأخيرة التي شاهدت فيها الفيلم عندما كانت طالبة في السنة الأخيرة من دراستها الثانوية وكانت تخطط لدراسة التصوير في الجامعة.
وفي ذاك الوقت، كانت الفتاة مولعة بالرقص على الموسيقى والأغاني الأفغانية وكانت تقضي ساعات في المقهى وتتناول مشروبها المفضل وتتبادل الحديث مع صديقاتها وفي كثير من الأحيان، كانت تخلع حجابها فلم يكن الأمر يشكل خطرا عليها أو على صديقاتها.
اضطهاد تاريخي من طالبان
بيد أنه فجأة تغير الوضع بل وتغير الوضع في أفغانستان بأسرها على وقع سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في هذا البلد الذي مزقته الحرب.

وعندما كانت تتحدث الفتاة إلى دويتشه فيله لم تكن قد غادرت منزلها لأكثر من أسبوعين وتحديدا منذ اجتياح طالبان للعاصمة كابول إذ أصابها الأمر باليأس والقلق. وبنبرة حزينة وصوت محطم، قالت الفتاة إن حياتها "دُمرت".
وقد صادف العام الذي ولدت فيه الفتاة سقوط حكم طالبان عام 2001 فيما كانت تسمع من أقاربها قصصا عن مدى وحشية حكم طالبان الذي اتسم بتنفيذ إعدامات علنية وانتشار الجوع وحظر للموسيقى ومنع تعليم الفتيات.
وقالت الفتاة إن أقاربها رووا لها كيف كان حكم طالبان أكثر قتامة وترويعا لقومية الهزارة التي تعرضت للاضطهاد وأعمال قتل وإجبار على التخلي عن المعتقدات الدينية.
وتمثل أقلية الهزارة نسبة 20 بالمائة من سكان أفغانستان وتتبع المذهب الشيعي وتعرضت على مدى عقود للتمييز في أفغانستان التي تسود فيها أغلبية سُنية.
وبسبب اتباعهم للمذهب الشيعي وسهولة التعرف عليهم من ملامحهم الآسيوية، أصبح أبناء أقلية الهزارة فريسة سهلة للمتطرفين السنة سواء من حركة طالبان أو تنظيم "داعش" الذين يعتبرونهم كفارا.
وعقب سقوط حكم طالبان عام 2001، تنفس أبناء أقلية الهزارة الصعداء وتحسنت أوضاعهم حتى تولى البعض منهم مناصب عليا في الدولة، بما في ذلك منصب نائب رئيس البلاد.
وشهدت تلك الفترة ازدهار مجتمع الهزارة خاصة في مجال التعليم رغم وجود حالات من التمييز وتعرضهم للعديد من الهجمات الإرهابية بما في ذلك الهجوم الذي استهدف مستشفى للولادة في كابول العام الماضي 2020.
ورغم أنه لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم إلا أن العديد من الحكومات الأجنبية قالت في حينه إن الهجوم يحمل بصمات تنظيم داعش.

خطر قاتل
ومع عودة طالبان لحكم أفغانستان، سعت الحركة إلى تهدئة المخاوف حيال تكرار أسلوبها الوحشي في الحكم، إذ تعهد الناطق باسم الحركة مرارا بأنه لن يكون هناك عقاب للمعارضين وباحترام حقوق المرأة والأقليات.
وأرسلت الحركة ممثلين في أنحاء أفغانستان من أجل تأمين الاحتفال بذكرى عاشوراء التي توافق العاشر من شهر محرم عندما قُتل الإمام الحسين بن علي عام 61 هجري الذي يوافق 680 ميلادي.
وتعليقا على هذه التطمينات من قبل طالبان، يعتقد الكثيرون من أقلية الهزارة أن ما أعلنته طالبان ليس سوى دعاية أمام المجتمع الدولي حيث تمثل المساعدات التنموية الدولية شريان الحياة لدعم اقتصاد أفغانستان المريض والذي أصبح على شفا الانهيار.
وتحدثت دويتشه فيله مع العديد من الرجال والنساء من أقلية الهزارة ممن لا يزالون يعيشون في أفغانستان إذ أجمعوا أنهم لا يصدقون تطمينات طالبان.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال مهدي راسكح – الذي ينتمي إلى الهزارة وكان نائبا في البرلمان- إن قومية الهزارة تواجه "اضطهادا عرقيا ودينيا" على يد طالبان. وأضاف "أنهم يواجهون خطر مميت".
مذابح ورسائل مروعة
ويبدو أن هذه المخاوف مبررة خاصة مع ما كشفت عنه منظمة العفو الدولية في تقرير اتهمت فيه طالبان بتعذيب وقتل عدد من أقلية الهزارة.
ووثق باحثون ميدانيون أعمال قتل وحشية طالت تسعة من أقلية الهزارة في أوائل شهر يوليو/تموز 2021 بولاية غزني جنوب شرقي أفغانستان، عقب استيلاء مقاتلي الحركة على المنطقة.
ووفقا لتقرير العفو الدولية، فقد قُتل ستة رميا بالرصاص فيما تم تعذيب الثلاثة الآخرين حتى الموت على يد مسلحي طالبان.
وقال التقرير إن عمليات القتل هذه تمثل على الأرجح "نسبة ضئيلة من إجمالي أعمال القتل التي نفذها مسلحو طالبان حتى الآن".
وأرجع التقرير ذلك إلى أن طالبان قطعت خدمة الهاتف المحمول في العديد من المناطق التي استولت عليها مؤخرا وسيطرت على الصور ومقاطع الفيديو التي يتم مشاركتها بعد ذلك من هذه المناطق.
وعلاوة ذلك، يخشى شهود العيان الذين يلتقطون الصور على هواتفهم في الغالب الاحتفاظ بها خشية تعرضهم لأي أعمال انتقامية إذا اُكتشف ذلك.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قالت حبيبة سرابي - سياسية بارزة من أقلية الهزارة – إنها تمتلك أدلة تفيد بوقوع المزيد من الفظائع لكنها لا تستطيع نشر التفاصيل حيال ذلك خوفا من تعرض شهود العيان للخطر على أقل تقدير.

وكانت سرابي أول حاكمة لإقليم أفغاني وكانت واحدة من أربع سيدات شاركن في مفاوضات السلام مع طالبان التي استضافتها قطر.
وعندما أدلت بتصريحاتها لدويتشه فيله كانت لا تزال في حالة صدمة حيال سيطرة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان.
وبعد فترة وجيزة من المقابلة، أرسلت سرابي رابطا لمقطع مصور قصير سيء يظهر مقاتلين من طالبان وهم يتحدثون أمام الكاميرا فيما قال أحدهم إنهم ينتظرون الإذن من قادة الحركة من أجل "القضاء" على كافة أبناء أقلية الهزارة.
ولم يتسن لدويتشه فيله التحقق من مصداقية الفيديو، لكنه انتشر على نطاق كبير بين أقلية الهزارة وهو ما أثار الخوف بينهم.
وفي رد فعلها، قالت إحدى الأفغانيات من أقلية الهزارة في مقابلة مع دويتشه فيله "أشعر وكأني قد فقدت الشعور، أنا مندهشة ومصدومة."
ولا تمثل حركة طالبان مصدر الخوف الوحيد لأقلية الهزارة، فحركة "داعش- ولاية خراسان" التي ظهرت على الساحة مجددا عقب الانسحاب الأمريكي وانهيار الجيش الأفغاني، تشكل أيضا تهديدا على هذه القومية.
ويخشى الكثير من أبناء أقلية الهزارة من مسار الأحداث في أفغانستان في حال تحول انتباه المجتمع الدولي والإعلام بعيدا عن أفغانستان إذ يؤكدون على أن طالبان ستبدأ في هذا السيناريو بحملة ضد الأشخاص الذين يمكن أن يقودوا المقاومة في الهزارة.
دعوة لحمل السلاح
وعلى وقع هذا الأمر، لجأ بعض أبناء أقلية الهزارة إلى حمل السلاح وتشكيل جبهة مقاومة ومن بينهم ذو الفقار أوميد – النائب السابق في البرلمان والذي أصبح حاليا أحد قادة المقاومة.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال إنه أسس مقاومة مسلحة من الهزارة وسط أفغانستان تتألف من قرابة 800 مقاتل و 5000 متطوع. وقال إنه اضطر إلى خيار حمل السلاح عقب استنفاده كافة السبل من مناشدات الحكومات الغربية في عدم ترك أفغانستان لقمة سائغة بين فكي طالبان.
وفي اتصال مع دويتشه فيله عبر تطبيق "واتس آب" من مكان مجهول، أضاف "الجميع زعم أن طالبان باتت عصرية وقد تغيرت، لكنها لم تتغير فقد تزايدت أعمال العنف والقتل".
وقال إن رجاله يحملون السلاح "ضد الإرهاب"، على حد قوله خوفا من ظهور شبكات إرهابية جديدة بعد أن أصبحت أفغانستان تحت حكم طالبان.
وأشار إلى أنه عقد محادثات مؤخرا مع أحمد مسعود- نجل أحمد شاه مسعود الذي كان أحد القادة الرئيسيين لمقاومة الاحتلال السوفييتي للبلاد في ثمانينيات القرن الماضي وبعد ذلك مقاومة حركة طالبان. وقُتل أحمد شاه مسعود المنحدر من أصول طاجيكية في تفجير انتحاري عام 2001. تعهد مسعود الابن برفض تسليم المناطق الواقعة تحت إمرته لطالبان وبقتال الحركة انطلاقا من إقليم وادي بنجشير.