دور أوروبي خجول إلى متفرج ومتردد في الأزمة الليبية

ولوج رجب طيب إدروغان -ومن قبله فلاديمير بوتين- بقوة على خط أزمة ليبية مستفحلة طرح أسئلة عن دور أوروبي بدأ يتراجع منذ بلغ قمته بإطاحة القذافي. فماذا بقي بجعبة الأوروبيين؟ خالد سلامة والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: خالد سلامه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يعيد خلط أوراق الأزمة الليبية مع إعلانه النية بدعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً بقوات برية وبحرية وجوية لمواجهة الهجوم الذي يشنه رجل ليبيا القوي خليفة حفتر على العاصمة طرابلس الغرب.

وبحسب الرئيس التركي فإن برلمان بلاده سيسمح في كانون الثاني/يناير 2020 بإرسال القوات إلى ليبيا. وكان تقرير لرويترز قد ذكر أن تركيا أرسلت بالفعل إمدادات عسكرية إلى حكومة الوفاق الوطني بالرغم من حظر على الأسلحة تفرضه الأمم المتحدة.

وزير الدفاع الإيطالي، لورينزو جويريني، أطلق "قنبلة دخانية" أو ربما "جس نبض" بتصريحات نقلتها صحيفة كوريري ديلا سيرا، دعا فيها إلى "فرض وقف لإطلاق النار على الأطراف الليبية". وتابع الوزير الإيطالي أن "أوروبا تدرس فرض مناطق حظر طيران في ليبيا"، مردفاً أن إيطاليا بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا يمكنها فرض ذلك الحظر. ورغم أن التصريحات قد جاءت في 25 كانون الأول/ديسمبر 2019، إلا أنه لم يصدر حتى ساعة إعداد هذا التقرير أي تعقيب أو تعليق لأي مسؤول أوروبي عليها.

 نائبة وزير الخارجية الايطالي، مارينا سيريني، وصفت من جانبها الوضع في ليبيا بأنه" لا يزال مقلقًا للغاية" مؤكدة "الحاجة الملحة لالتزام المجتمع الدولي بأسره للتوصل إلى وقف إطلاق النار، ومنع الجهات الفاعلة خارج ليبيا من التدخلات، أيضاً تلك ذات الطبيعة العسكرية، والتي بالتأكيد لن تدعم الاستقرار". وأشارت إلى أن ليبيا تمثل  بالنسبة لبلادها "الملف الدولي الرئيسي" وقالت :"نحن البلد الأكثر اهتمامًا بمنع مزيد من زعزعة الاستقرار وتدهور الوضع الامني هناك".

فات الأوان؟

الخبير بالعلاقات الليبية-الأوروبية، الدكتور محمد فؤاد، يعتقد أن الموقف الإيطالي جاء "متأخراً جداً، إذ يأتي بعد تسعة أشهر من احتدام المواجهات الأخيرة. ويلوم المحلل السياسي الليبي، المؤيد لحكومة الوفاق، في تصريح لدويتشه فيله: "رغم أن إيطاليا كانت الداعم الرئيسي لحكومة الوفاق المعترف فيها دولياً، إلا أنها لم تستطيع تقديم أي شيء لحكومة الوفاق أو لإيقاف الهجمات".

 

 

ويأخذ الخبير الليبي المقيم في إيطاليا على "الدول الغربية وقوفها موقف المتفرج من هجوم حفتر على العاصمة طرابلس وحتى عدم إدانة هذا الهجوم والاكتفاء بدعوة جميع الأطراف لوقف إطلاق النار". وكان قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إيمانويل ماكرون وأنغيلا ميركل وجوزيبي كونتي، حضوا في 13 كانون الأول/ديسمبر 2019 على هامش قمة الاتحاد الأوروبي، كافة أطراف النزاع في ليبيا على وقف القتال، بعد أن أطلق المشير خليفة حفتر عملية عسكرية جديدة للسيطرة على العاصمة طرابلس منذ نيسان/أبريل 2019. ويجزم المحلل السياسي الليبي بأن الأوروبيين ليس بوسعهم لعب أي دور حقيقي وفعال.

وقد شوش على الموقف الأوروبي التنافس وصدام المصالح بين فرنسا وإيطاليا.  وتعتبر روما أن ليبيا منطقة نفوذ لها نظراً لقربها الجغرافي وماضيها كقوة مستعمرة لليبيا. ومن هنا كانت تنظر دائماً للتدخل الفرنسي، الذي كان عراب الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011، بعين الريبة. ويغذي التنافس الفرنسي الإيطالي سعي شركات النفط، وخاصة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، للفوز بعقود استثمار الذهب الأسود.

سوريا جديدة في ليبيا؟

دعمت فرنسا حكومة السراج في العلن، بيد أن تقارير عديدة أكدت دعمها السري لخليفة حفتر. الخبير الليبي، محمد فؤاد، يرى أنه "في الفترة الأخيرة تراجع الدور الفرنسي الداعم لحفتر وتقدم الروس لملأ الفراغ".

وتعليقاً على نية رجب طيب إردوغان إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، دعا الصحفي والسياسي الفاعل في القضايا الأمنية، كلاوس-ديتر فرانكنبيرغر، في تعليق له في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ"، أوروبا إلى التحرك في ليبيا وعدم الاكتفاء بالكلام: "يجب على أوروبا ردم الهوة بين الكلام والفعل؛ إذا أرادت ألا تتكرر تجربتها في سوريا عندما تحملت بشكل غير مباشر تبعات تدخل القوى الأخرى".

الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، طارق مقريزي، حذر في تحليل سياسي له الأوروبيين من البقاء متفرجين: "إذا بقيت أوروبا متفرجة مترددة، فسترى نفسها تفقد التأثير من شواطئ طرابلس الغرب إلى شرق المتوسط".

​​​​​​وقبل أيام جدد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، تحذيره من المجموعات الإرهابية في ليبيا ومن "قوس إرهابي" في صدد التشكل من تشاد ونيجيريا وقد "يمتد" حتى الشرق الأوسط.

كل الطرق تؤدي إلى.. برلين؟

كانت كل من باريس وروما قد قدمتا الدعم للمبادرة الألمانية من أجل السلام في ليبيا، بحسب ما أكد متحدث باسم الحكومة الألمانية. وتسعى الحكومة الألمانية عبر مبادرة "عملية برلين" إلى دعم مساعي السلام للمبعوث الأمم الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة. وتتعلق المبادرة بتنظيم مؤتمر دولي حتى يمكن من خلاله وضع الأطر اللازمة لعملية سياسية ليبية داخلية بوساطة الأمم المتحدة.

الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، طارق مقريزي، شدد على ضرورة معالجة الأخطاء في ما يطلق عليه "عملية برلين": "وهذا يستوجب الاتفاق على موقف أوروبي موحد، الأمر الذي يتطلب محاولة إقناع فرنسا بأن أمنها يتأتى من موقف أوروبي موحد وليس من دعمها لحفتر". ويتابع بأن "الموقف الأوروبي الموحد هو الطريقة الوحيدة لإجبار الولايات المتحدة على توضيح موقفها في ليبيا ... الضغط الأوروبي-الأمريكي المشترك على أطراف عملية برلين سيخلق آلية لتوجيه المصالح الدولية بطريقة بناءة".

 

 

كلوديا جازيني، كبيرة الباحثين بالشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية، تذهب إلى أن الموقفين الفرنسي والإيطالي تقاربا في الشهرين الأخيرين بعد التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين حكومة السراج وتركيا. وترى الباحثة، التي عملت مستشارة للمبعوث الأممي غسان سلامة، أن روما أضحت "أكثر برودة" في دعمها لحكومة الوفاق. وأثار الاتفاق المذكور حفيظة أوروبا واليونان التي طردت السفير الليبي لديها.

أما الخبير الليبي محمد فؤاد فيقول إن لديه "تسريبات" مفادها أن مؤتمر برلين "شبه مجمد" بانتظار ما ستؤول إليه الأمور عسكرياً على الأرض في الشهرين القادمين. ويردف بأن التسريبات تفيد أيضاً بأن الدول الداعمة لحفتر "رفضت إجباره على الانسحاب ورفضت أي تفاهم مع الألمان". ويضيف أن الطرف التركي يطالب بإدخال قطر وتونس والجزائر وربما المغرب في مؤتمر برلين.

 

 

خالد سلامة

حقوق النشر: دويتشه فيله 2019

 

 

ar.Qantara.de