ما وراء انسحاب قطر (المصدر العالمي الأول للغاز الطبيعي) من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)

قالت منظمة أوبك إنها تحترم قرار قطر الانسحاب من المنظمة. وأكدت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أن "كل دولة عضوة لديها الحق السيادي في الانسحاب من المنظمة، ولا يتطلب ذلك الموافقة من مؤتمر أوبك" وأن "المنظمة تحترم القرار الذي اتخذته دولة قطر".

وأعلنت قطر يوم الإثنين 03  / 12 / 2018 أنها قررت الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) اعتبارا من كانون الثاني/يناير 2019، بحسب وزير الدولة لشؤون الطاقة سعد الكعبي وذلك للتركيز على صناعة الغاز الطبيعي.

ويأتي الإعلان المفاجئ في وقت تشهد فيه السياسة الخليجية أزمة، في خضم مقاطعة السعودية وحلفائها للدوحة منذ أكثر من عام. 

وقطر عضو في منظمة أوبك منذ عام 1961. وقال الكعبي في مؤتمر صحافي في الدوحة إنه تم إبلاغ المنظمة الإثنين بالقرار. وتحضر قطر اجتماع أوبك المقرر عقده في فيينا هذا الأسبوع، بحسب الكعبي مشيرا أنه سيكون "أول وآخر" اجتماع له منذ توليه منصبه الشهر الماضي.

وستواصل الدوحة إنتاج النفط وستسعى لإبرام اتفاقيات مع دول أخرى بما في ذلك البرازيل، بحسب الكعبي.

من جانبه، رحب رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في تغريدة على حسابه على موقع تويتر بالقرار واصفا إياه بأنه"حكيم" مشيرا إلى أن أوبك أصبحت "عديمة الفائدة ولا تضيف لنا شيء. فهي تُستخدم فقط لأغراض تضر بمصلحتنا الوطنية".

ويرى محللون أن انسحاب قطر يأتي كـ "قرار سياسي لمعارضة السعودية". وتعد السعودية من أكبر الدول المنتجة للنفط في أوبك.

وفي أول رد فعل على إعلان قطر، اعتبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش الإعلان القطري "إقرار بانحسار الدور والنفوذ". وكتب في تغريدة على تويتر: "البعد السياسي للقرار القطري بالانسحاب من أوبك إقرار بانحسار الدور والنفوذ في ظل عزلة الدوحة السياسية".

ويقول تيري بروس، وهو باحث في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: "هل يستحق الأمر أن تذهب دولة مثل قطر إلى فيينا للقاء شخص يقود الاجتماع وهو عدوك؟". وتابع: "في نهاية المطاف ربما بالإمكان الاستغناء عن القيام بذلك".

وقال الكعبي، وهو أيضا الرئيس التنفيذي لمجموعة "قطر للبترول" إن القرار "ليس سياسيا وإنما يرجع لأسباب فنية فقط تتعلق باستراتيجية قطر في المستقبل تجاه قطاع الطاقة".

وكانت السعودية ومعها الإمارات والبحرين ومصر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في 5 حزيران/يونيو 2017، بعدما اتُّهمت بدعم تنظيمات متطرفة في الشرق الاوسط، وهو ما نفته الدوحة مرارا.

ورأى الكعبي أن "إنتاج دولة قطر من النفط ليس ضخما وبالتالي فإن سوق النفط لن يتأثر بقرار خروج قطر من المنظمة" مؤكدا التزام دولته بقرارات المنظمة حتى نهاية عضويتها.

ولكنه أشار أن القرار يعكس "رغبة دولة قطر بتركيز جهودها على تنمية وتطوير صناعة الغاز الطبيعي، وعلى تنفيذ الخطط التي تم إعلانها مؤخراً لزيادة إنتاج الدولة من الغاز الطبيعي المسال".

وأضاف إن "تحقيق أهدافنا الطموحة يتطلب الكثير من التركيز والالتزام في تطوير وتعزيز مكانة دولة قطر العالمية الرائدة في إنتاج الغاز الطبيعي المُسال". وقال الكعبي: "ليس لدينا إمكانيات كبيرة (في النفط). نحن واقعيون للغاية" موضحا "إمكانياتنا هي الغاز". وتابع: "أعتقد أنه من غير الفعال التركيز على أمر لا يمثل النشاط التجاري الأساسي وأمر لن يفيد على المدى الطويل".

وفي أيلول/سبتمبر 2018 أعلنت قطر عزمها على زيادة إنتاجها من الغاز بواقع 10 بالمئة سنويا ليصل إلى 110 ملايين طن سنويا بحلول عام 2024.

وتنتج قطر نحو 600 ألف برميل نفط يوميا، وتأتي في المرتبة 17 بين أكبر الدول المنتجة للنفط الخام في العالم، بحسب موقع وورلد إنفو المتخصص.

ويوجد في قطر 2% فقط من احتياطي النفط العالمي، بحسب منشور حقائق العالم الذي تصدره وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه).

وتعد قطر التي تبلغ مساحتها 11 ألفاً و600 كلم مربع المنتج والمصدر العالمي الأول للغاز الطبيعي المسال. وقد ساهمت الأرباح التي حققتها الإمارة من قطاع الغاز في جعلها إحدى أغنى دول العالم وتمكنت من الفوز باستضافة كأس العالم المقبلة لكرة القدم في عام 2022. وعلى الرغم من الخطوة التي لم تكن متوقعة، يؤكد محللون أنه لن يكون لانسحاب قطر سوى تأثير محدود على السوق العالمي. وقالت فيونا سينكوتا، المحللة في مجموعة سيتي إندكس إن قطر "فاجأت السوق" ولكنها أوضحت أنها مجرد مؤشر على أن "بعض قرارات الإنتاج الرئيسية سيتم اتخاذها خارج أوبك" بعد قمة مجموعة العشرين في بوينوس آيرس التي اختُتِمت السبت.

بينما أكدت أمريتا سين، كبيرة محللي النفط لدى إنرجي إسبكتس للاستشارات أن "الانسحاب من أوبك أمر رمزي إلى حد كبير بالنسبة لقطر". وبحسب سين فإن إنتاج النفط القطري "كان ثابتا مع احتمالات محدودة للزيادات".

ويرى بروس أن مغادرة قطر قد تضعف أوبك في وقت ترزح فيه الرياض لضغوطات دولية بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وبحسب بروس فإن هذا يعني أنه "ستصبح إدارة الأمور (في أوبك) أكثر تعقيدا لأن من تبقى (من الدول في المنظمة) ليسوا أصدقاء مقربين مثل إيران والسعودية".

وخسارة عضو قديم بالمنظمة يقوض المساعي الرامية للظهور في صورة جبهة موحدة قبل اجتماع من المتوقع أن يقرر خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط. ويجري تداول خام القياس العالمي برنت قرب 62 دولارا للبرميل، انخفاضا من فوق 86 دولارا للبرميل في أكتوبر / تشرين الأول 2018.

وقال مصدر في أوبك "هم ليسوا منتجا كبيرا، لكنهم لعبوا دورا كبيرا في تاريخ (أوبك)". ويلقي هذا الضوء على الهيمنة المتنامية للسعودية وروسيا والولايات المتحدة على صناعة السياسات في سوق النفط. والدول الثلاث هم أكبر منتجين للنفط في العالم ويضخون معا ما يزيد عن ثلث الإنتاج العالمي.

ويزداد اتخاذ الرياض وموسكو لقرارات الإنتاج على نحو مشترك، في ظل ضغوط من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أوبك لخفض الأسعار.

وقال شكيب خليل وزير الطاقة الجزائري السابق ورئيس أوبك سابقا تعليقا على قرار قطر: "قد تكون إشارة على نقطة تحول تاريخية للمنظمة باتجاه روسيا والسعودية والولايات المتحدة".

وهذا الخروج أحدث مثال على انتهاج قطر لمسار بعيد عن جيرانها الخليجيين منذ بدء النزاع في العام الماضي. ويأتي القرار قبل قمة سنوية لدول الخليج العربية من المتوقع أن تواجه صعوبات جراء الأزمة المستمرة منذ نحو 18 شهرا.

وبعد أن كانت يوما شريكا مقربا من السعودية ودولة الإمارات في التجارة والأمن، أبرمت قطر منذ ذلك الحين عشرات الاتفاقات التجارية الجديدة مع دول أخرى بعيدة بينما تستثمر بكثافة لزيادة الإنتاج المحلي من الأغذية وتعزيز القوة العسكرية.

وقال أندرياس كريج محلل المخاطر السياسية لدى كلية كينجز لندن: "هناك شعور في قطر بأن هيمنة السعودية في المنطقة وعلى كثير من المؤسسات فيها لها أثر معاكس على تحقيق قطر لأهدافها التنموية...يتعلق الأمر بتحرر قطر كسوق ودولة مستقلة من التدخل الخارجي".

وزادت أسعار النفط نحو خمسة بالمئة يوم الإثنين 03 / 12 / 2018 بعد أن اتفقت الولايات المتحدة والصين على هدنة مدتها 90 يوما في حربهما التجارية، لكن الأسعار تظل دون ذروة أكتوبر / تشرين الأول 2018.

وردا على سؤال بشأن ما إذا كان انسحاب قطر سيعقد قرار أوبك هذا الأسبوع، قال مصدر غير خليجي بالمنظمة: "ليس صحيحا، حتى إذا كان القرار مؤسفا وحزينا من أحد الدول الأعضاء بالمنظمة".

وقال الكعبي إن شركة النفط الوطنية قطر للبترول تخطط لزيادة طاقتها الإنتاجية من 4.8 مليون برميل من المكافئ النفطي يوميا إلى 6.5 مليون برميل في السنوات العشر القادمة.

وتخطط الدوحة أيضا لبناء أكبر وحدة لتكسير الإيثان في الشرق الأوسط، ومازالت تدرس توسعة استثماراتها النفطية في الخارج، وفقا لما ذكره الكعبي.  أ ف ب ، رويترز