مخاوف شخصيات مسلمة وإسلامية في فرنسا من أن يُنظر إليهم من نفس المنظور الذي يُرى به المتطرفون

نشأت نوال جرنوسي في فرنسا وتصلي الصلوات الخمس وتستمتع بعملها مع المجتمعات المحلية وتحب حقيبة يدها ذات التصميم الراقي.

تعرف الشابة المتدينة التي تربت في كنف جديها، أحدهما مسلم والآخر كاثوليكي، لنفسها هوية واحدة هي الهوية الفرنسية، وتدافع عن قيم بلادها العلمانية التي تضع حدودا فاصلة بين الدين والدولة في الحياة العامة.

لكن في أعقاب سلسلة من هجمات المتشددين، بدأ يتسلل إليها شعور متزايد بأنها غريبة في وطنها.

غريبة في وطني.. مسلمة فرنسية تتساءل بعد الهجمات هل حقا تحبني بلادي؟

قالت المرأة التي تبلغ من العمر 36 عاما إن الناس في بلادها يميلون لتصنيفها مسلمة أولا، وإن أسلوب رد الفعل الحكومي إزاء العنف يدفعها للتساؤل: هل تنظر الحكومة للمسلمين على أنهم مواطنون على قدم المساواة مع غيرهم؟

قالت جرنوسي لرويترز في شقتها بضاحية أرجينتويل وهي إحدى ضواحي الطبقة العاملة في باريس "جدتي كانت فرنسية. وكانت والدتها فرنسية وكانت تدعى أنطوانيت. لا يمكن أن تكتسب صفة الفرنسي بشيء يفوق هذا، لكن هناك ما يحملني في بعض الأحيان على الشعور بأنني لم أعد فرنسية، بل مجرد مسلمة".

وأضافت أن مواقف الأفراد في مجتمعها تجاه المسلمين تزداد تشددا على نحو ظاهر.

ومضت قائلة "أحيانا أنسى أن أضع هاتفي في وضع السكون، ويرتفع صوت الأذان. مؤخرا، بصق (أحدهم علي عندما حدث ذلك)، بدأت الأمور تسوء في واقع الأمر".

وتساور المخاوف بعض الشخصيات الإسلامية من أن تنظر إليهم الجماهير على النطاق الأوسع من نفس المنظور الذي يرون به المتشددين.

وفي هذا الأسبوع، ضغط بيان صادر عن مجموعة من زعماء المسلمين على الحكومة كي تنتهج أسلوبا "يمنع وضع غالبية المسلمين الذين تندد غالبيتهم بالهجمات الإرهابية الأخيرة في نفس الخندق مع المحرضين على الكراهية".

"شيء يجرح مشاعرنا"

احتارت جرنوسي من قرار مجلة شارلي إبدو في سبتمبر أيلول 2020 إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد، والتي فجرت موجات الغضب في العالم الإسلامي عندما ظهرت لأول مرة في صحيفة دنمركية عام 2005.

فعلت المجلة ذلك بمناسبة محاكمة مشتبه بهم في هجوم عام 2015 قُتل فيه 12 شخصا، بينهم بعض من رسامي المجلة المعروفين.

بعد أسابيع من إعادة النشر، اجتز مراهق شيشاني رأس مدرس في مدرسة ثانوية كان قد عرض الرسوم في فصل دراسي عن حرية التعبير. وفي الأسبوع الماضي (في أكتوبر تشرين الأول 2020)، وقع هجوم قُطع فيه رأس امرأة وقتل شخصان آخران في نيس.

دافعت الحكومة الفرنسية عن حرية نشر الرسوم المسيئة، وقالت إن القيم العلمانية للبلاد تسمح بالتجديف.

لكن إعادة النشر كانت بالنسبة لجرنوسي، عملا استفزازيا متعمدا يزيد مرارة الحياة بالنسبة لكثير من المسلمين في فرنسا الذين يقدر عددهم بخمسة ملايين نسمة، والذين ينددون، مثلها، بالعنف باسم الدين.

وقالت عن سلوك شارلي إبدو [شارلي إيبدو] ودفاع الحكومة عنه إنه "يجرح مشاعرنا ويجعلنا نشعر أن الدولة لا تحبنا".

وردت حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون على مقتل المدرس صامويل باتي وسقوط القتلى في نيس بعد أيام، بالتهديد والوعيد بقمع ما وصفه بعض المسؤولين الحكوميين بأنه "العدو الداخلي".

أغلقت الحكومة مسجدا على أطراف باريس وحلت ما لا يقل عن ثلاث جمعيات إسلامية تشتبه في أنها معامل لتفريخ الآراء المتطرفة وتعهدت بتسريع وتيرة إصدار التشريعات لمواجهة السلوك الإسلاموي الذي يتعارض مع قيم الجمهورية.

لكن في محاولة لتصحيح ما وصفه ماكرون بأنه سوء فهم لعلاقة فرنسا بالمسلمين، أكد في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة أنه لا يؤيد الرسوم الكاريكاتيرية وأن فرنسا لا تعادي المسلمين بأي حال من الأحوال.

تحدث ماكرون عن صنع "إسلام فرنسي"، أو ما أصبح يُطلق عليه مؤخرا "إسلام مستنير" يتوافق مع القيم العلمانية لبلاده.

لكنه مفهوم لا معنى له بالنسبة لجرنوسي، التي ترى الإسلام دينا عابرا للحدود.

وقالت جرنوسي "لو أنني في اليابان أو بابوا غينيا الجديدة أو فرنسا، سأصلي الصلوات الخمس بنفس الطريقة. لا يتغير شيء سوى وضعية سجادة الصلاة صوب مكة باختلاف الأماكن". رويترز  04 / 11 / 2020

 

[embed:render:embedded:node:18362]