صيد جائر "للذهب الأحمر" يدمر بيئة البحر المتوسط

يواجه أصحاب المتاجر التي تصنع المجوهرات من المرجان مستقبلا مظلما مع انهيار النظم البيئية.
يواجه أصحاب المتاجر التي تصنع المجوهرات من المرجان مستقبلا مظلما مع انهيار النظم البيئية.

تهريب المرجان في دول البحر المتوسط ضار بالبيئة والحياة المائية وهذا رغم قوانين صارمة تمنع التهريب. الصحفي يان فيليب شولتس يستقصي أصل المشكلة من ساحل تونس وجنوب إيطاليا.

الكاتبة ، الكاتب: يان فيليب شولتس

على مدار عشرين عاما يقوم التونسي مراد العرفاوي وعائلته بتحويل الشعاب المرجانية الثمينة إلى حلى ومجوهرات من داخل متجره في مدينة طبرقة الساحلية الصغيرة.

وعن ذلك، قال العرفاوي: "الكل يشارك في هذا الأمر لقد تربى أبنائي داخل هذا المتجر".

بيد أن العرفاوي يشكك في أن أبنائه سوف يتمكنون من المضي قدما في العمل ذاته؛ نظرا للنقص الشديد في الشعاب المرجانية التي تعد ركيزة عمله.

ويقول سكان طبرقة إن تسعة من كل عشرة متاجر خاصة ببيع  المجوهرات المرجانية  في المدينة الواقعة على بعد حوالي مائتي كيلومتر عن جزيرة سردينيا الإيطالية، قد أوصدت أبوابها، خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار الشعاب المرجانية نظرا لندرتها.

 

 

تجارة المرجان - طبرقة - تونس. Edelkorallen - Tabarka in Tunesien Foto DW
في تونس لا تجيز السلطات جمع الشعاب المرجانية الثمينة إلا لعدد قليل من الغواصين. ورغم هذه القوانين إلا أن رجال الأعمال في مدينة طبرقة يتحدثون عن ازدهار السوق السوداء الخاصة بتهريب المرجان الأحمر، ما يعني صعوبة تطبيق القوانين نظرا للعائد المادي الكبير. وفي الجزائر رغم صرامة القوانين إلا أنه يتم سنويا تهريب حوالي ثلاثة أطنان من المرجان الأحمر الذي يُطلق عليه "دم الثور". التونسي مراد العرفاوي يرى أن الجشع هو سبب هذه التجارة غير المشروعة، مضيفا: "أصبحت الشعاب المرجانية الثمينة مهددة مثل العديد من الكائنات البحرية الأخرى لأننا لم نعطيها الوقت كي تنمو وتتطور. لقد نسينا أن نتحلى ببعض الصبر ونسينا أيضا تقدير ما يملكه أعماق البحر من ثروات".

 

وقال العرفاوي" قد لا توجد أي شعاب مرجانية في المستقبل على الإطلاق وسوف تختفي ببساطة".

النظم البيئية في حالة احتضار

ويعد المرجان الأحمر الذي يُطلق عليه "الذهب الأحمر" كائنات حية تتواجد بشكل رئيسي في البحرين الأحمر والأبيض المتوسط،  فيما تعيش هذه الكائنات في أعماق البحار في محاولة لتجنب الضوء.

ويطلق عليها السكان المحليون أشجار البحر المتوسط الحمراء لأنها تساعد  على ازدهار النظام البيئي.

ويتميز المرجان الأحمر بجمال خلاب في نعمة تحولت إلى نقمة؛ حيث بات هذا المرجان مادة خام يطلبها صانعو المجوهرات لصنع حلي جميلة، لكن الأمر جاء على حساب البيئة وتدمير النظم البحرية.

فعلى مدى عقود، يصطاد الصيادون على متن مراكب الصيد بالجر الشعاب المرجانية ما أدى إلى ندرتها، حيث أدرج الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة الشعاب المرجانية الثمينة على قائمته الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض.

بيد أن الصيد الجائر لا يعد التهديد الوحيد الذي يهدد  بانقراض الشعاب المرجانية الحمراء  وإنما أيضا التغير المناخي، الذي يتسبب في زيادة حرارة المحيطات والبحار بوتيرة كبيرة، ما ينذر بالقضاء على الشعاب المرجانية في العالم خلال العقود المقبلة.

وقد دفع هذا الأمر الكثير من الحكومات إلى التحرك فمنذ ثمانينات القرن الماضي، حظرت معظم الدول ممارسات الصيد التدميرية مثل الصيد بشباك الجر للحصول على الشعاب المرجانية.

وفي عام 2019، اعتمدت الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط المزيد من القواعد لحماية الشعاب المرجانية، فيما يمكن للغواصين في الوقت الحالي التقاط هذه الشعاب على أعماق تزيد عن 50 مترا، بينما يتعين على الحكومات تتبع الأمر.

وفي تونس، لا تجيز السلطات جمع الشعاب المرجانية الثمينة إلا لعدد قليل من الغواصين. 

الصيد مستمر رغم القوانين

 ورغم هذه القوانين، إلا أن رجال الأعمال في مدينة طبرقة يتحدثون عن ازدهار السوق السوداء الخاصة بتهريب المرجان الأحمر، ما يعني صعوبة تطبيق القوانين نظرا للعائد المادي الكبير.

 

تجارة المرجان - طبرقة - تونس. Edelkorallen - Tabarka in Tunesien Foto DW
يخاطر الغواصون بحياتهم بالغوص على عمق يزيد عن مئة متر في سبيل جمع الشعاب المرجانية: الصيد الجائر لا يعد التهديد الوحيد الذي يهدد  بانقراض الشعاب المرجانية الحمراء  وإنما أيضا التغير المناخي، الذي يتسبب في زيادة حرارة المحيطات والبحار بوتيرة كبيرة، ما ينذر بالقضاء على الشعاب المرجانية في العالم خلال العقود المقبلة. وقد دفع هذا الأمر الكثير من الحكومات إلى التحرك فمنذ ثمانينات القرن الماضي، حظرت معظم الدول ممارسات الصيد التدميرية مثل الصيد بشباك الجر للحصول على الشعاب المرجانية. وفي عام 2019، اعتمدت الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط المزيد من القواعد لحماية الشعاب المرجانية، فيما يمكن للغواصين في الوقت الحالي التقاط هذه الشعاب على أعماق تزيد عن 50 مترا، بينما يتعين على الحكومات تتبع الأمر.

 

وقد كشفت دراسة قام بتمويلها الاتحاد الأوروبي عن أن سعر الشعاب المرجانية الثمينة قد يصل إلى عدة ملايين من اليورو، فيما يتم تهريبها من البحر المتوسط كل عام، حيث تعد دول شمال أفريقيا ومنطقة جنوب إيطاليا من أهم مراكز هذه التجارة.

وفي الجزائر، فرغم صرامة القوانين، إلا أنه يتم سنويا تهريب حوالي ثلاثة أطنان من المرجان الأحمر الذي يُطلق عليه "دم الثور".

وقال صلاح البجاوي، وهو أحد الغواصين السابقين في جمع الشعاب المرجانية في طبرقة، إن  هذا النشاط غير قانوني  "وهناك الكثير من أعمال الصيد في السوق السوداء وهذا يعرضنا لمشاكل كبيرة".

يشار إلى أن الشرطة التونسية قد صادرت في السابق سيارات بعد العثور على شعاب مرجانية ثمينة وحبوب من مخدر "الإكستازي" على متنها، حيث يتم شحن هذه الشحنات عبر تونس إلى دول أخرى نظرا لأنه يصعب التحقق من دولة المنشأ.

وقال البجاوي: "أصبح الأمر يشبه تهريب الكوكايين. جرى توقيف شخص إيطالي كان على متن قارب حيث كان يقوم بتهريب شعاب مرجانية إلى إيطاليا. الجميع يعرف أن هناك عمليات تهريب تحدث هنا".

"الأمر شبيه بالحرب"

وتعتبر مدينة توري دل غريكو الصغيرة قرب مدينة نابولي الإيطالية، العاصمة العالمية لتجارة المرجان غير القانونية، حيث تصنع العديد من الشركات المملوكة لعائلات مجوهرات من شعاب مرجانية ثمينة لبيعها لشركات مثل غوتشي وبولغاري وغيرها من العلامات التجارية الفاخرة الأكثر شهرة في العالم.

وفي هذه البلدة الإيطالية الصغيرة، قلة من السكان لديهم رغبة في الحديث عن السوق السوداء  المزدهرة للشعاب المرجانية.

 

تجارة المرجان. Edelkorallen Foto DW
تعد المجوهرات المصنوعة من المرجان مرتفعة الثمن ورغم ذلك تجد الكثير من الرواج: تعتبر مدينة توري دل غريكو الصغيرة قرب مدينة نابولي الإيطالية، العاصمة العالمية لتجارة المرجان غير القانونية، حيث تصنع العديد من الشركات المملوكة لعائلات مجوهرات من شعاب مرجانية ثمينة لبيعها لشركات مثل غوتشي وبولغاري وغيرها من العلامات التجارية الفاخرة الأكثر شهرة في العالم. وفي هذه البلدة الإيطالية الصغيرة، قلة من السكان لديهم رغبة في الحديث عن السوق السوداء  المزدهرة للشعاب المرجانية. وعلى وقع ذلك، قامت إيطاليا بوضع خطة وطنية لحماية الحياة البحرية، لكن ميكو كاتالدو -أحد تجار المرجان الإيطاليين القلائل الذين أبدوا استعدادهم للحديث عن هذا الأمر- قال إن المهربين ينقلون بضائعهم عبر إسبانيا وفرنسا بدلا من إيطاليا.

 

ويعد ميكو كاتالدو أحد تجار المرجان القلائل الذين أبدوا استعدادهم للحديث عن هذا الأمر حيث قال: "نكافح هذه المشكلة يوميا في ظل وجود تجار غير شرعيين".

وقال كاتالدو إنه والكثيرين ممن يعملون في هذه التجارة قد حققوا أرباحا كبيرة من وراء التجارة في المرجان، مضيفا أن ارتفاع الطلب على الشعاب المرجانية ليس بسبب صناعة المجوهرات إذ أنه في بعض الدول الأسيوية يتم استخدام الشعاب المرجانية الثمينة في صناعة منتجات تجميل وكمصدر للعديد من الأدوية.

وقال إنه تلقى تهديدات من المجرمين داخل متجره لأنه تحدث ضدهم، مضيفا "الأمر أشبه بحرب نخوضها هنا".

وعلى وقع ذلك، قامت إيطاليا بوضع خطة وطنية لحماية الحياة البحرية، لكن كاتالدو قال إن المهربين ينقلون بضائعهم عبر إسبانيا وفرنسا بدلا من إيطاليا.

أما بالنسبة للتونسي مراد العرفاوي، فإنه يرى أن الجشع هو سبب هذه التجارة غير المشروعة، مضيفا: "أصبحت الشعاب المرجانية الثمينة مهددة مثل العديد من الكائنات البحرية الأخرى لأننا لم نعطيها الوقت كي تنمو وتتطور. لقد نسينا أن نتحلى ببعض الصبر ونسينا أيضا تقدير ما يملكه أعماق البحر من ثروات".

 

 

يان فيليب شولتس 

ترجمة: م. ع /  ص.ش

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

 

ar.Qantara.de