
مسلمو الغرب مفتاح تبديد النفور بين عالمين غربي وإسلاميوصفة لعلاج الإسلاموفوبيا وعداء الغرب
بعد أيام قليلة من الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في عام 2001، اتصل بي والدي الراحل. وبصوت قلق لكن حازم، طلب مني الانتقال من سياتل، التي كنت أكمل دراستي للدكتوراه فيها، إلى كندا ومن هناك إلى تركيا. إذ أنّ أي محاولة للسفر مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى تركيا قد تبدو مشبوهة، ولا سيما أنّ اسمي أحمد.
شرحت لوالدي أنه ليس لدي ما يدعو للقلق. ولكنه أصرّ: "يا بني، أنت لا تفهم؛ لقد أعلنت الولايات المتحدة الحرب". إلى هذا الحد كان أبي قلقاً في تركيا في ذلك الوقت، وهو الاقتصادي تعليماً والسياسي مهنياً.
من ناحية كان أبي مخطئاً، فأنا أعيش في الولايات المتحدة لعقدين من الزمن منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر من دون أن أواجه أي مشكلة تتعلق بهويتي المسلمة. ومن ناحية أخرى كان والدي محقّاً، فقد أعلنت الولايات المتحدة "حرباً على الإرهاب"، وهي حرب ذات نتائج عكسية، وتضمّنت غزو العراق وأفغانستان، وانتهت أخيراً قبل بضعة أسابيع فقط في أغسطس / آب 2021.
إذاً ما الذي تعلمناه خلال هذه المغامرة التي امتدّت لعشرين عاماً؟ وكيف أثّرت هذه المغامرة على العلاقة بين العالمين الغربي والمسلم؟

ذكّرت هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر العديد من الناس بنظرية الباحث السياسي الأمريكي صموئيل هنتنغتون "صراع الحضارات".
أعطى تدمير جدار برلين في عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفييتي بعد ذلك بعامين زخماً خاصاً للديمقراطية على مستوى العالم، لا سيما في أوروبا الشرقية. وبينما استمر التفاؤل بالديمقراطية في أنحاء العالم، جاء هنتنغتون بنظرية متشائمة في عام 1993 قسمت العالم إلى ثماني حضارات وتوقّع صراعاً بين الغرب والبلدان المسلمة، ولا سيما إن تحالفت هذه البلدان المسلمة مع الصين.
وقد تحوّلت نظرية هنتنغتون هذه، التي استبدلت بالعدو السوفييتي القديم عدواً إسلامياً جديداً، إلى وسيلة أساسية لتأطير هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وبالنسبة لبعض صانعي السياسات على الأقل كانت الهجمات الإرهابية هذه عبارة عن تحدٍّ من جانب المسلمين، الذين "يكرهوننا". وبالتالي ينبغي الرد على هذه الهجمات بالطريقة الوحيدة التي سيفهمونها، أي الحرب والاجتياح.
بدايات خاطئة ونتائج مأساوية
كان لدى الولايات المتحدة عذراً مشروعاً لاجتياح أفغانستان في عام 2001. ففي نهاية المطاف كان نظام طالبان يأوي المشتبه به الرئيسي في أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، أي القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن. بَيْد أنّ اجتياح العراق في عام 2003 لم يكن له أي عذر من هذا القبيل، فعلى النقيضِ من ذلك كان غزو العراق مستنداً على بعض الاتهامات الملفقة حول كون العراق على صلة بأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، إضافة إلى مزاعم خاطئة حول حيازة العراق لأسلحة دمار شامل.
وبعد فترة وجيزة من غزو الولايات المتحدة للعراق، أُضيف عنصر آخر إلى السردية التي تبرّرُ الاجتياح: كان من المفترض أن يتحوّل العراق إلى نموذج للديمقراطيةِ في الشرق الأوسط، مثل التحولات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية في اليابان وألمانيا. بيد أنه في غضون عامين بدا أنّ ثقة الجمهور في هذا التشبيه في غير محلها. إذ أنّ الظروف في العراق كانت مختلفة للغايةِ وأدى تفكيك الأمريكيين للمؤسسات العسكرية والسياسية العراقيةِ إلى عدم استقرار طويل الأمدِ.

وبعد مرور ما يقرب من عقدين على هذه الغزوات (في أفغانستان والعراق)، يتفقُ معظم المراقبين على فشلها الكامل. ويبدو أنّ الهدفَ الوحيد الذي حققته الولايات المتحدة هو قتل أسامة بن لادن وإضعاف تنظيم القاعدةِ إلى حد كبير. وعلى الرغم من العدد الكبير من الخسائرِ العسكريةِ وتريليونات الدولارات المستثمرة في ذلك، لم تحقق الولايات المتحدة شيئاً يُذكر.
واليوم تؤسِّسُ طالبان نظامها الجديد في أفغانستان عبر بناء علاقات مع إيران وروسيا أفضل مما تمتعت به في السابقِ.
كما اكتسبت إيران من جانبها نفوذاً أكبر في العراق. فبعد أن كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من ألدّ أعداء نظام صدام حسين، أصبحت الدولة التي تمتلك التأثير الأكبر على السياسة العراقية بعد الاجتياح الأميركي. ومن الواضح أنّ هذا الأمر هو خسارة جيوسياسية للولايات المتحدة الأميركية.
بيد أنّ الأهم من ذلك هو أنّ الولايات المتحدة خسرت إلى حد كبير سمعتها في المجتمعات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم.
إذ يُنظرُ إليها الآن بوصفها فاعلا عدوانيا مسؤولا عن مقتلِ عدد هائل من الناس في العراق وأفغانستان، وهذا ما يُؤجِّجُ المشاعر المعادية للغرب الكامنة في العديد من البلدان ذات الأغلبيةِ المسلمةِ.
الإسلاموفوبيا ومعاداة الغرب
ويمكننا القول إنّ تفاقم الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ومعاداة الغرب في العالم المسلم هما من أسوأ نتائج هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، والاجتياح الناتج عنها لكل من أفغانستان والعراق، ناهيك عن الهجمات الإرهابية المتعددة التي نفذها مسلمون في مدن أوروبية مختلفة على مدى السنوات العشرين الماضية.
بعد تسع سنوات على أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، أثار جدل واسع حول بناء مسجد ومركز ثقافي إسلامي بالقرب من موقع برجي التجارة العالميين المدمَّرين في مانهاتن ضجة كبيرة، إلى درجة أن مجلة تايم ردّت على هذه الضجة بسؤال على صفحة غلافها يقول "هل أميركا معادية للإسلام؟".
ومنذ ذلك الوقت اتّخذت أميركا خطوات مهمة في سبيل دمجِ المسلمين في التيار الرئيسي للمجتمعِ الأميركي. واليوم يضمُّ مجلس النوابِ الأميركي ثلاثة أعضاء مسلمين، ومن بينهم إلهان عمر، أول نائبة ترتدي الحجاب، ورشيدة طليب، أول نائبة من أصول فلسطينية مسلمة، وهما معروفتان للجمهور بشكل كبير. وقد تزامن هذا مع انتقادات عامة متزايدة في الولايات المتحدة للسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
إضافة إلى ذلك عزّز الرياضيون والفنانون وغيرهم من المهنيين المسلمين مكانتهم العامة في المجتمع الأميركي، وهذا ما يعكسه أحد الأغلفة الحديثة لمجلة نيوزويك: "منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، اكتسب المسلمون في الولايات المتحدة تأثيراً ثقافياً وسياسياً غير مسبوق".