مصر - فتاة: "هل جئتم لإعداد تقرير صحفي عن الفقر في قرية النهايا؟ الحالة نِيلَة خالص" بمحافظة أسيوط

على بقعة زراعية تضم أراضيَ ينبت فيها القمح والذرة إلى جانب أراض خاوية وقرب مدرسة ابتدائية متهالكة تقع على طريق يكاد لا يصلح لسير السيارات، يعيش الآلاف في منطقة النهايا، إحدى القرى الأكثر فقرا في مصر، آملين أن تؤتي مبادرة رئاسية لتحسين أوضاعهم ثمارها.

تقع قرية النهايا على بعد حوالى 400 كلم جنوب القاهرة في محافظة أسيوط التي تعتبر المحافظة الأكثر فقرا في البلاد، بحسب أحدث إحصاءات الفقر الرسمية في البلاد.

وتقول فتاة عشرينية تخرج من بوابة: "مدرسة النهايا الابتدائية" بضحكة خجولة على وجهها المستدير المحاط بحجاب رمادي، لوكالة فرانس برس: "هل جئتم لإعداد موضوع صحافي عن الفقر في النهايا؟.. الحالة نيلة خالص (سيئة جدا)".

وتضيف بدون أن تذكر اسمها "أنا لست معلمة هنا، بل أؤدي الخدمة العامة، لكننّي أرى التلاميذ يجلسون على مقاعد متهالكة، هناك 45 طفلا في الفصل الواحد، وهناك نقص في عدد المعلمين". والخدمة العامة هي ما يساوي التدريب العسكري الإلزامي الخاص بالفتيان في مصر، للفتيات.

وأعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء في نهاية تموز/يوليو 2019 ارتفاع نسبة الفقر على مستوى الجمهورية إلى 32,5% في عامي 2017-2018، مقابل 27,8% في 2015، أي بزيادة قدرها 4,7%.

كما سجّل جهاز الإحصاء عامي 2017 و2018 ان هناك 12,5 مليون مواطن تحت خط الفقر في ريف صعيد مصر. وبحسب الجهاز الحكومي، تعتبر محافظة أسيوط في مقدمة المحافظات الأكثر فقرا.

وأطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الأثر مبادرة "حياة كريمة" لمساعدة الأكثر احتياجا وتحسين أحوال القرى الأكثر فقرا. وكانت النهايا من أولى القرى التي نادى الرئيس بالنظر إلى أحوالها.

وتشمل المبادرة الرئاسية، بحسب ما نشر في وسائل الإعلام الرسمية، تحديث وترميم المنازل وإرسال القوافل الطبية وتوفير الأدوية والأمصال، فضلا عن تحسين جودة مياه الشرب وإيصال الصرف الصحي وزيادة كفاءة المدارس وإقامة مدارس جديدة.

وعقب توصية الرئيس، زار مسؤولو المبادرة القرية بحسب ما يقول الأهالي، ووعدوا ببناء مدرسة جديدة وترميم القديم من المنازل. ولكن على الأرض، وضع المبادرة موضع التنفيذ يستغرق وقتا طويلا، والناس على حالهم.

حياة كريمة: في منزل مبني من الطوب الأحمر والطيني وبسقفية مصنوعة من القش وجذوع الشجر، جلست هانم زناتي، الأرملة العجوز ذات ال 75 عاما على سريرها المتواضع غير المريح وحيدة في بيتها، وراحت تشكو الفقر والمرض.

وتعاني زناتي من كسر في عظمة رسغ يدها بعدما سقطت عليها منذ بضعة أشهر ولم تتمكن من علاجه حتى الآن لعدم توفر المال.

وتقول لفرانس برس باستغراب "قالوا (المسؤولون) لي اهدمي المنزل وسوف نبني لك واحدا جديدا.. هل يتخيلون أنني قادرة على ذلك؟!".

وتضيف "أنا لا أريد شيئا سوى ثلّاجة وسرير صغير يناسبني"، موضحة أنها تعيش على معاش زوجها بقيمة 700 جنيه شهريا (43,4$) ولا تتقاضى غيره.

بالقرب من المدرسة كان عمدة القرية جمال ثابت مرتديا جلبابه الفضفاض يجلس على أريكة خشبية تحت سقفية من القش وسط حقله المحاط بأراضي القرية.

ويقول لفرانس برس: "أتى مسؤولو مبادرة حياة كريمة وتفحّصوا المنازل والطلبات ثم أرسلوا لنا الجمعيات الخيرية ولكن حتى الآن لم يتغير شيء".

ويضيف أن القرية التي يقطنها حاليا 10600 شخص: "لا تملك مدرسة إعدادية أو ثانوية ولا توجد فيها وحدة صحية أو مركز للشباب. هناك فقط مدرسة ابتدائية ومخبز لا يكفي إنتاجه الجميع".

ويتابع: "طالبنا المبادرة بتخصيص أرض ضمن أملاك الدولة لبناء مدرسة أخرى، لأن أقرب مدرسة إعدادية أو ثانوية تقع على بعد حوالى أربعة كيلومترات من القرية". ولا يتحمل معظم الأهالي كلفة المواصلات.

ويوضح أن الكثير من منازل القرية تحتاج إلى ترميم أو أسقف، مشيرا إلى أن معظم أهالي القرية يعملون في الزراعة بمردود يومي يتراوح بين 70 و80 جنيها (4,3$) لكل منهم.

أمّا عن شباب القرية، فيقول إنهم "يهاجرون إلى الشمال مثل القاهرة والإسكندرية والسويس للبحث عن عمل". ويشير ثابت الى أن القرية تعاني قصورا في إمدادات المياه والكهرباء ولا تمتلك نظاما للصرف الصحي.

"بيروقراطية ادارية": في إحدى حارات القرية الترابية، يقف محمد مصطفى (31 عاما) قرب نافذة دكانه الصغير المظلم وقد نثرت خلفه بعض البضائع والبقالة القديمة على رفوف خشبية يغطيها الغبار.

ويقول متكئا على حافة النافذة وشاكيا من آلام في ظهره، "كل ما أحتاجه هو غرفتان ومطبخ وحمام، فأنا أعيش أنا وأسرتي في منزل سقفه متهالك ومهدد بالسقوط".

ويضيف محمد، وهو أب لخمسة أطفال، "أنا آخذ معاش التكافل (الاجتماعي) وهو يبلغ 400 جنيه (حوالى 25$) ولكنه لا يكفى حتى لتكاليف علاج ظهري".

أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي في 2014 برنامج "تكافل وكرامة" بغرض تقديم مساعدات نقدية مشروطة للأسر التي لا تمتلك دخلا تحت مظلة الحماية الاجتماعية، ويستفيد منه حاليا أكثر من تسعة ملايين شخص.

ويوضح مسؤول المبادرة الرئاسية في محافظة أسيوط خالد عبد الناصر لفرانس برس أن من أسباب تأخر نتائج المبادرة "البيروقراطية الإدارية".

ويؤكد أن مساعدة الأسر الفقيرة وترميم منازلها تستلزمان موافقة الجهات الإدارية المعنية، "لكن تم تحديد كافة الأسماء التي تحتاج إلى مساعدة" في النهايا، كما "تم الانتهاء من تخصيص الأرض لبناء مدرسة".

خلف المدرسة الابتدائية كنيسة قيد الإنشاء ذكر الحارس أن العمل فيها متوقف. وإلى جوار المدرسة أيضا، ترتفع أربعة جدران لبناء غير مكتمل بجانبه لافتة كتب عليها: "يتم بحمد الله (بالتبرعات) بناء مسجد سيدنا الحسين بقرية النهايا". ويقول أحد سكان القرية: "هذا البناء صار له أربعة أشهر دون تقدم .. لا أحد يملك المال". أ ف ب