مصر – اتهامات رسمية ليس فقط ضد المتهمين بل أيضا ضد الشهود في تهمة اغتصاب جماعي 2014

كان الطالب سيف بدور يرغب في مساندة صديقته الشاهدة في قضية اغتصاب تشغل حيزا كبيرا من اهتمام الرأي العام في مصر عندما رافقها إلى أحد أقسام الشرطة بالقاهرة في 28 أغسطس آب 2020 إثر عرضها الإدلاء بالشهادة لصالح الضحية، بحسب ما تقول شقيقته.

وفي قسم الشرطة، احتُجز بدور وحبس لمدة أربعة أشهر بتهم أخلاقية، على حد وصف أقارب ونشطاء، على الرغم من أن بدور كان يبلغ من العمر 14 عاما وقت وقوع الجريمة في فندق فيرمونت نايل سيتي بالقاهرة في 2014 ولا صلة له بالاغتصاب المزعوم ولم يكن موجودا في مسرح الأحداث.

وقالت ثلاثة مصادر مقربة من بدور إنه اتُهم بتعاطي المخدرات وممارسة الفجور. ولم يتسنَّ الوصول إلى محاميه للتعليق. ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من النيابة العامة، كما لم يرد المركز الصحفي الحكومي على طلب من رويترز للتعليق.

لم يكن بدور حالة فريدة. فقد اعتُقل اثنان آخران ممن تقدموا للإدلاء بشهادتهم لصالح ضحية الاغتصاب وهما منظم الحفل أحمد الجنزوري ونازلي كريم، الزوجة السابقة لأحد المدعى عليهم في القضية. وقالت مصادر مقربة منهما إنهما تعرضا كذلك للاعتقال والحبس بنفس التهم الموجهة لبدور. ولم يتسنَّ الوصول إلى محاميهما.

أُطلق سراح ثلاثة شهود آخرين كانوا يريدون الإدلاء بشهاداتهم لتعزيز موقف الضحية، بمن فيهم صديقة بدور، بعد اعتقالهم أيضا.

وتسير القضية المرفوعة على بدور والشهود جنبا إلى جنب مع قضية المشتبه بارتكابهم جريمة الاغتصاب.

وبين المتهمين التسعة في قضية الاغتصاب خمسة رهن الاحتجاز وأربعة خارج البلاد.

يقول بعض نشطاء حقوق الإنسان إن إلقاء القبض على الشهود يأتي في إطار توجه من السلطات لإعطاء الأولوية للمعايير الأخلاقية التقليدية السائدة في المجتمع على حساب حقوق المرأة.

ويضيفون أن السلطات تحاول التصدي لحركة متنامية تستهدف فضح الاعتداءات الجنسية في مصر والتي أثارت في الأذهان مقارنات مع حملة "مي تو" الدولية وساعدت في تشجيع الشهود على الإدلاء بشهاداتهم حول الاغتصاب المزعوم بفندق فيرمونت في أبريل نيسان 2014.

حفل على سطح الفندق

في وقائع قضية فيرمونت، أُقيم حفل على سطح الفندق، وفي حفل أصغر في وقت لاحق من نفس الليلة، كانت امرأة ضحية لوليمة اغتصاب جماعي هناك.

وبتشجيع من حركة (مي تو)، نشرت ضحية فيرمونت المزعومة روايتها لما حدث بلا أسماء على الإنترنت قبل تقديم شكوى رسمية في شهر يوليو تموز 2020 قالت فيها إنها تعرضت للتخدير والاغتصاب الجماعي.

وفي بيان صدر في 31 أغسطس آب 2020، قالت النيابة العامة المصرية إن بدور، البالغ من العمر الآن 21 سنة، والشهود الخمسة يخضعون للاستجواب في التحقيقات الجارية في قضية فيرمونت، دون تحديد التهم.

وأضافت أن بدور والشهود خضعوا لفحوص تعاطي المخدرات، وخضع اثنان منهم "لـفحوصات طبية". وفي تقرير نُشر في سبتمبر أيلول 2020، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها الولايات المتحدة إن الفحوص التي أجريت كانت فحوصا شرجية.

ويطالب أفراد العائلة والأصدقاء بالإفراج عن بدور والشاهدين المحتجزين، قائلين إنهم لم يرتكبوا أي جرم.

وقالت نيفان بدور، شقيقة سيف، إن حياتهم انقلبت رأسا على عقب. وتقرر انعقاد جلسة مرة أخرى يوم السبت 02 / 01 / 2021، حيث يمكن إطلاق سراحهم أو استمرار احتجازهم.

يتعاون الجنزوري مع ممثلي الادعاء ويسرد لهم تفاصيل الحفل الذي قال إنه نظمه في فندق فيرمونت مساء اليوم الذي وقعت فيه جريمة الاغتصاب المزعومة، في حفل صغير لاحق لم ينظمه، بحسب ما قال أحد أصدقائه ومصدر قريب من الضحية.

وقالت عائلة نازلي، الزوجة السابقة لأحد المتهمين بالاغتصاب، إنها جرى تصويرها كذبا على أنها ضحية الاغتصاب في حملة تشهير مجهولة المصدر على شبكة الإنترنت. واطلعت رويترز على تلك المواد.

ويقول عدد من الأصدقاء والنشطاء إن الحالة النفسية لنازلي تدهورت في السجن.

وكتبت والدتها الفنانة نهى العمروسي على صفحة (حياة نازلي في خطر) على فيسبوك "لقد تحوّلت نازلي من فتاة شجاعة تشهد شهادة حق حتى لو كان السيف على رقبتها إلى فتاة جبانة خائفة مرعوبة... فهل هذا ما تريدون أن تفعلوه بهذا الجيل؟ … أن يتحول لجيل أخرس عن قول الحق؟… لجيل خائف مرتعش وجبان؟".

اتهام باغتصاب جماعي في مصر يهدد بإفشال جهود مكافحة العنف الجنسي

وتحولت قضية الاغتصاب الجماعي التي يشتبه بأن رجالا من أُسَر مصرية متنفذة شاركوا فيها إلى قصة فضائحية أشاعت مناخا من الخوف في مصر، ما يتهدد حركة #مي تو (أنا أيضا) التي اكتسبت زخما في الفترة الأخيرة.

تعود الأحداث الى العام 2014 اذ يشتبه في أن مجموعة من أبناء أسر متنفذة خدّروا شابة وقاموا بجرم الاغتصاب في أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة في ذلك العام.

لم تعرف هذه الواقعة حينذاك لكن تم الكشف عنها نهاية تموز/يوليو 2020 مع تصاعد حركة #مي تو (أنا أيضا) في البلاد.

ففي الرابع من آب/أغسطس 2020، تقدمت الضحية المفترضة بشكوى الى النائب العام ضد 9 أشخاص كلهم أبناء رجال أعمال أثرياء، وبعضهم متنفذون.

ألقي القبض على خمسة منهم، اثنان أوقفا في القاهرة وثلاثة في لبنان وسلموا للقاهرة في الأسبوع الموافق لتاريخ 25 / 09 / 2020. أما الأربعة الآخرون فهم في بريطانيا أو في الولايات المتحدة، وفقا لناشطة مدافعة عن حقوق المرأة.

ولكن القضية أخذت منحى مختلفا تماما فجأة إذ أوقف أربعة من الشهود واثنان من معارفهم لا علاقة مباشرة لهم بالقضية في نهاية آب/أغسطس 2020.

وحُبست الشاهدة الرئيسية في واقعة الاغتصاب احتياطيا على ذمة التحقيقات بتهمة "التحريض على الفسق والفجور". وهي كانت متزوجة من أحد الرجال التسعة المشتبه بهم، بالتزامن مع انتشار مقاطع فيديو لا يعرف مصدرها على شبكات التواصل الاجتماعي تتضمن مشاهد توحي بأن الشهود والمتهمين يعيشون حياة ماجنة ويقيمون علاقات مثلية وعلاقات خارج الزواج وهي أمور كفيلة بأن تصم أي شخص في المجتمع المصري المحافظ بالفساد الأخلاقي.

وبحسب الناشطة، فإن بعض السيدات المتهمات تعرضن لكشوف عذرية بينما أجريت فحوص شرجية، إلا أنه لم يتسنَّ في ذلك الوقت في سبتمبر / أيلول 2020 التحقق من هذه المعلومات من أي مصدر رسمي.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش للدفاع عن حقوق الإنسان إن الشهود تعرضوا لضغوط مشيرة إلى "عزل بعضهم" و"دفع البعض الآخر الى تغيير أقوالهم".

واعتبرت أستاذة الأدب المقارن في جامعة القاهرة الناشطة المدافعة عن حقوق المرأة هدى الصدة، أن "تحويل قضية اغتصاب واضحة وصريحة وبأدلة ملموسة إلى شيء آخر يتساوى فيه الجاني مع الضحية ويتحوّل فيه الشهود إلى متهمين أمر جسيم ومخيف".

وتابعت الصده "المؤسف أيضا في أن هذا التحول في مسار القضية قد يؤدي إلى اجهاض حراك مجتمعي نشط وإيجابي حول قضية العنف الجنسي ضد المرأة".

وقالت إن هذا التحوّل في مسار القضية "قد يقضي على مصداقية مؤسسات في الدولة تصدرت المشهد لمواجهة العنف ضد النساء، فلا ننسى أن المجلس القومي للمرأة كان له دور مهم في تشجيع الضحية والشهود في هذه القضية بالتحديد على الإدلاء بشهاداتهم مع وعدهم بالحماية".

وأشارت إلى قانون أقرّه البرلمان قبل أسابيع من هذا التاريخ 25 / 09 / 2020 لحماية سرية بيانات الشهود في مثل هذه القضايا، مضيفةً "على الرغم من كل هذا يتم تسريب بيانات ومعلومات للتشهير بالشهود وبالضحية وتنتهك حياتهم الخاصة".

وحاولت وكالة فرانس برس الاتصال برئيسة المركز القومي للمرأة.

وفي ظل هذا المناخ، تبدو حالة حساب "أَسولت بوليس" (شرطة التحرش) نموذجا.

ففي مطلع تموز/يوليو 2020، نشر هذا الحساب شهادة تتهم طالبا سابقا في الجامعة الأميركية بالقاهرة بوقائع اغتصاب عدة.

وبعدما كشف الحساب عن قضية الاغتصاب الجماعي التي تعود للعام 2014، تلقت صاحبة الحساب تهديدات ما اضطرها لوقف الحساب عدة أسابيع والكشف علنا عن شخصيتها. أ ف ب

 

.......................................

طالع أيضا

الخطايا السبع للمعارضة المصرية منذ ثورة يناير

آن الاوان لاستعادة الدور المحوري لمصر في ليبيا

في مصر المحروسة: تضامن شعبي ورحابة إنسانية في مواجهة كورونا

القاهرة...مدينة الليل بامتياز - ليالي العاصمة المصرية

فِرَق إبراهيمية حوارية من ألمانيا إلى مصر والمغرب ولبنان وإسرائيل

.......................................

 

[embed:render:embedded:node:41360]