هل سينتهي إرهاب "الدولة الإسلامية" بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟

في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019 أعلن الرئيس الأمريكي عن مقتل البغدادي في عملية نفذتها قوات أمريكية في محافظة إدلب السورية. وقال الرئيس اترامب إن البغدادي فجر السترة الناسفة التي كان يرتديها بعد أن حُشر في نفق.
في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019 أعلن الرئيس الأمريكي عن مقتل البغدادي في عملية نفذتها قوات أمريكية في محافظة إدلب السورية. وقال الرئيس اترامب إن البغدادي فجر السترة الناسفة التي كان يرتديها بعد أن حُشر في نفق.

مقتل أبو بكر البغدادي في سوريا إنجاز ينسبه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنفسه بكل فخر وحماس، بينما يؤكد في نفس الوقت على رغبته بالانسحاب من سوريا وكل "الحروب التي لا تنتهي". فما تأثير مقتل البغدادي وسياسة ترامب على تنظيم "داعش"؟

الكاتبة ، الكاتب: سهام أشطو

وأخيرا تأكد مقتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي، بعدما كان قد أُعلن عن ذلك في مرات سابقة. غارة أمريكية أنهت مسار زعيم دموي نصب نفسه في 2015 من العراق "خليفة للدولة الإسلامية"، وذلك بعد عملية استخباراتية يُفترض أن دولا أخرى شاركت فيها.

الإنجاز الذي خصص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيزا كبيرا للتباهي به صفقت له دول كثيرة واعتبرته ضربة للتنظيم الإرهابي ونقطة تحول في الحرب على الإرهاب، بينما شككت فيه روسيا وانتقصت إيران من حجمه معتبرة، أنه لا يعني نهاية التنظيم ولا أفكاره "التي غذتها قوى بترودولارية"، حسب وصف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية على موقع تويتر.

فهل يعني القضاء على زعيم "داعش" نهاية تنظيم بث الرعب والقتل والفوضى في مناطق عراقية وسورية لسنوات ونشر خلاياه في دول أخرى؟ أم أنها مجرد ضربة سيستوعبها التنظيم ويواصل نشاطه الإرهابي؟ وعلاوة على ذلك، كيف تؤثر السياسة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي ترامب في المنطقة على تنظيمات متطرفة كـ"داعش"؟

مقتل زعيم إرهابي آخر.. هل ينهي الإرهاب فعلا؟

مع نشر ترامب تغريدة غامضة على تويتر لا يقول فيها سوى أن "شيئا كبيرا للغاية حدث للتو" خلق الجدل والترقب كالعادة، وإن ذهب متابعون إلى توقع أن خبر قتل زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" هو ما يقصده ترامب. إنجاز كان من المهم بالنسبة للرئيس الأمريكي أن ينضاف إلى رصيده كرئيس بعدما نجح سلفه أوباما في القضاء خلال ولايته الرئاسية على أسامة بن لادن، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة.

هل يضعف مقتل البغدادي نفوذ تنظيمه أم أن الأخير سيستغل الانسحاب الأمريكي من سوريا لاستعادة قوته؟
نشرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مساء الأربعاء (30 أكتوبر/ تشرين الأول) اللقطات المصورة الأولى للغارة التي نفذتها قوات خاصة في مطلع الأسبوع بسوريا وأفضت إلى مقتل زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي وحذرت من أن التنظيم المتشدد قد يحاول شن "هجوم انتقامي". وأظهرت اللقطات، التي رفع عنها السرية وصُورت من الجو وكانت غامقة ومنمشة وغير ملونة، قوات العمليات الخاصة الأمريكية وهي تطبق على المجمع وطائرة أمريكية تطلق النار على متشددين في مكان قريب.

وبالفعل لم يُفوت ترامب، وهو يلقي كلمته بالمناسبة، فرصة التقليل من شأن قتل بن لادن مقابل التركيز على أهمية قتل البغدادي واعتبار ذلك "مفتاحاً لتحقيق السلام". بالإضافة إلى ذلك، تكتسب عملية قتل البغدادي في هذا التوقيت أهمية بالنسبة لترامب المقبل على انتخابات في ظل أزمة ما بات يعرف بـ "أوكرانيا غيت" التي قد تصل تداعياتها إلى حد العصف بمستقبله السياسي.

وإن جاء بـ"توابل ترامبية" إضافية، إلا أن مشهد إشادة ترامب بالمطلوب رقم واحد في سوريا والعراق ذكَر بإشادة رئيس أمريكي سابق بمقتل مطلوب خطير آخر قبل أزيد من 13 سنة، عندما وصف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي بـ"الضربة القوية للتنظيم وبأنه انتصار مهم في الحرب على الإرهاب".

غير أن ما حدث هو العكس: بعد سنوات من ذلك، وغير بعيد عن الرقعة التي كان ينشط فيها الزرقاوي، وُلد أكثر تنظيمات الشرق الأوسط دموية في العصر الحديث. تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذي تزايد نفوذه بشكل سريع واستولى على أراض كثيرة ونشر فيها القتل والاغتصاب والتشريد ليتحول إلى تنظيم أكبر اختار له اسم "الدولة الإسلامية".

وهكذا بدا الإرهاب الذي يُعلن في كل مرة عن إلحاق ضربة قوية به، أقوى من ذي قبل. انبثق من جماعة الزرقاوي نفسها وتجسد في تنظيم منظم ومسلح جيدا، متمكن من أساليب التكنولوجيا والتواصل والحملات الدعائية لينجح في بث الرعب كما لم تفعل جماعة أخرى قبله. فأي تأثير فعلي لمقتل البغدادي على تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي؟

 

[embed:render:embedded:node:37717]

 

ما مصير "داعش" بعد وفاة خليفته؟

يقول الدكتور عبد العزيز أغنية، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية في حواره معنا إن التنظيمات المتطرفة وخاصة الدينية منها "لا تتأثر كثيرا للأسف بفقدان زعمائها. هي تصاب بنوع من الخيبة لوقت معين لكن ما تلبث أن تعيد ترتيب أوراقها وتركيب نفسها من جديد وبشكل سريع جدا". ويعطي الخبير الليبي مثالا ملموسا عن ذلك بتنظيم القاعدة قائلا: "رأينا كيف أن تنظيم القاعدة لم ينته بوفاة أسامة بن لادن ومازالت خلاياه نشيطة في أكثر من منطقة منها ليبيا واليمن ومصر وغيرها".

لكن المحلل السياسي غيدو شتاينبيرغ من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، يرى تأثيرا لمقتل البغدادي على التنظيم "فقد كان شخصا مهما جدا لداعش. قاد التنظيم منذ 2010 وعندما كان على رأسه كان لديه أقل من ألف مقاتل. بعد أربع سنوات أسس ما يشبه دولة في العراق وسوريا"، وبالتالي "سيكون من الصعب إيجاد بديل للبغدادي في الشهور أو السنوات المقبلة، يكون بحجم تحمسه إيدولوجيا وتنظيمه وعنفه... التنظيم سيضعف لكنه مازال ليس فقط في العراق وسوريا بل في كل أنحاء العالم الإسلامي"، كما يقول شتاينبيرغ في حواره معنا.

 

المزيد من المقالات التحليلية من موقع قنطرة

تركيا في شرق الفرات: نبع للسلام أم بؤرة جديدة لصراعات مستقبلية؟

كتاب "راهب في الأسر" للأب جاك مراد...هل يمكن محاورة الجهاديين؟

الحركات الجهادية العنيفة ولدت من العولمة... وليس من الإسلام السياسي

هكذا يلاحق محققون ألمان مجرمي "داعش"​​​​​​​

 

تأثير سياسة ترامب على مكافحة الإرهاب

المنطقة التي قُتل فيها البغدادي تشهد توترا متصاعدا واستعراض عضلات بين قوى إقليمية ودولية كتركيا وروسيا والولايات المتحدة نفسها في مشهد يزيد من تعقيد الخريطة السورية. وغير بعيد عن المكان الذي قُتل فيه الزعيم المتطرف، يفترض أن المئات من مقاتليه الذين كانوا أسرى لدى قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، فروا عقب الهجوم الذي شنته تركيا على مناطق شمال شرق سوريا. وهو ما يعتبره البعض أول نتيجة ملموسة لقرار واشنطن الانسحاب من المشهد السوري، وإن كان ذلك على حساب "قسد" الحليف القوي الذي يحسب له حسر نفوذ التنظيم في الشمال السوري وتُرك وحيدا في مواجهة الهجوم التركي.

وبالعودة إلى الحماس والفخر الذي تحدث بهما ترامب عن عملية قتل البغدادي وإمعانه في تفاصيلها، لا يعلم أحد كيف سيتم التعامل مع بقايا التنظيم في سوريا مع قرار واشنطن سحب قواتها من المنطقة رغم كل المخاوف والانتقادات للقرار المنسجم مع الموقف المعروف لترامب برغبته الانسحاب "من الحروب السخيفة التي لا تنتهي"، حسب تعبيره. فكيف سيؤثر هذا على نشاط ونفوذ الجماعات المتطرفة في المنطقة؟

يقول الخبير الليبي عبد العزيز أغنية إن الوجود الأمريكي والأجنبي عموما في دول الشرق الأوسط يعتبر سببا أو ذريعة بالنسبة للتنظيمات المتطرفة للقتال ولإضفاء شرعية عليها لدى أنصارها ونرى هذا في أفغانستان. طالبان مثلا تستمد شعبيتها على مستوى الداخل من الوجود الأجنبي على الأراضي الأفغانية". ورغم ذلك لا يرى أغنية أن الحل يكمن في الانسحاب. ويشرح ذلك بالقول: "ترامب أعلن منذ البداية صرامة إزاء التنظيمات المتطرفة، لكن الولايات المتحدة لم تبدأ مهمة وأنهتها بل تدخل وتترك كل شيء مفتوح".

ويتابع الخبير الليبي "يجب علي واشنطن إنهاء المهمة التي بدأتها سواء في أفغانستان أو العراق والآن سوريا. أما الحل الشامل فسيكون حلا محليا. يجب أن تصل حكومات قوية إلى السلطة في هذه المناطق تحارب الإرهاب عن طريق محاربة أيديولوجيته أولا، ومكافحة العوامل التي تشجع ظهور وتنامي نفوذ هذه التنظيمات كالفقر والجهل وغياب العدالة الاجتماعية والفوضى".

من جانبه، يرى شتاينبيرغ أن الإدارة الأمريكية الحالية ملتزمة بمحاربة الإرهاب، "لكنها ملتزمة أيضا بالانسحاب ليس فقط من سوريا بل من المنطقة ككل من أجل إعادة توجيه نفوذها في اتجاه آسيا. وهذا سيعني طبعا إضعاف الحرب على الإرهاب".

وفيما يتعلق بمستقبل تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا تحديدا على ضوء هذه السياسة يقول شتاينبيرغ: "من الواضح أن الأسد كسب الحرب الأهلية في سوريا، ولكنه يحتاج إلى مزيد من الوقت لبسط سيطرته فعليا على كل مناطق البلاد، لذا أعتقد أن الحرب ستمتد لسنوات إضافية أخرى وسيبقى تنظيم "الدولة الإسلامية" فاعلا في هذه الحرب".

 

سهام أشطو

حقوق النشر: دويشه فيله 2019