"صليت في مسجد وكان هذا كافياً لاعتقالي وبداية رحلة عذابي في سجن الرعب"

بسط تنظيم "الدولة الإسلامية" سيطرته على مدينة تدمر السورية في منتصف شهر أيار/مايو 2015، غير أن هذه المدينة كانت قد تحولت قبل ذلك بفترة طويلة إلى جحيم بالنسبة للكثيرين من السوريين، حيث كان نظام الأسد يعذب في سجنها ذي السمعة السيئة عشرات آلاف المعتقلين، ومنهم السجين السابق براء السراج، الذي يعيش حاليا في شيكاغو. الصحفي الألماني فابيان كولَر التقاه وأجرى معه لموقع قنطرة الحوار التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Fabian Köhler

هل يمكنك أن تصف لنا شعورك عندما سمعت عن أنَّ السجن الذي كنت مسجونًا فيه في السابق قد تم تحريره على يدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" بالذات؟

 براء السراج: لا أعتقد أنَّنا نستطيع الحديث حول تحرير. ففي النهاية لم يكن يوجد في مبنى السجن سوى قلة قليلة من السجناء، الذين لم يسمح لهم الحرَّاس بالفرار. ببساطة لقد هرب الجيش. وكان بوسعهم مهاجمة تنظيم "الدولة الإسلامية"، ولكنهم بدلاً عن ذلك انسحبوا ببساطة. لا يمكن لأحد أن يكون سعيدًا بذلك.

 أنت تعيش في الولايات المتَّحدة الأمريكية منذ عشرين عامًا. فهل تابعت ما حدث في تدمر منذ بدء الاحتجاجات؟

 براء السراج: هذا صحيح. بعض معارفي أخبروني أنَّ عدد المعتقلين هناك كان يصل حتى النهاية إلى أحد عشر ألف شخص. وهذا في الواقع جنون، في حال صحّته. فعندما سجنوني في هذا السجن، كان يوجد هناك بالفعل عدد كبير جدًا من الناس - نحو خمسة آلاف معتقل. ويقال إنَّ في الأشهر الأخيرة قد حدثت من دون توقف عمليات قتل بإطلاق النار في هذا السجن.

 لقد شهدت سوريا حربًا قبل أكثر من ثلاثين عامًا. وفي تلك الأيَّام كان النظام يحارب الإخوان المسلمين. وفي تلك الفترة أيضًا تم اعتقالك ...

 براء السراج: كان ذلك في الخامس من آذار/مارس 1984. كنت أدرس في السنة الثانية الهندسة الكهربائية في جامعة دمشق وقد كنت في طريقي إلى محاضرة. لقد أوقفني موظفون من جهاز الاستخبارات عند بوابة الجامعة وأخذوني معهم. وكان هذا حينها أمرًا عاديًا للغاية. ففي عام 1963 فرض النظام حالة الطوارئ. وفي كلِّ يوم كان يختفي أشخاص من دون أن يُعرَف لهم أي أثر. وقبل دراستي الجامعية كانوا دائمًا يأخذون الطلاب. وفي هذا اليوم كان دوري.

 بماذا تم اتِّهامك؟

 براء السراج: لقد صليت في مسجد. وقد كان ذلك حينها أمرًا كافيًا لاعتقالي. كان يتم اعتقال أشخاص آخرين، لأنَّهم كانوا مثلاً يقرؤون الكتاب الخطأ في داخل الحافلة. فمن وجهة نظر النظام كان كلُّ شخص في تلك الفترة إسلاميًا محتملاً أو أي شيء آخر.

Sprengung des Tadmor-Gefängnisses durch den "Islamischen Staat"; Quelle: Wilayat Media Group/Twitter
Verhasstes Symbol der brutalen Baath-Diktatur der Assads: "Die Terrormiliz Islamischer Staat" hatte Ende Mai das berüchtigte Tadmor-Gefängnis in der syrischen Oasenstadt Palmyra gesprengt. Bereits 2001 hatte "Amnesty International" das Hochsicherheitsgefängnis als Ort beschrieben, der "bei den Gefangenen das größte Leid, die größten Erniedrigungen und die größten Ängste" hervorrufen sollte.

هل تم نقلك بعد ذلك مباشرة إلى تدمر؟

 براء السراج: في البداية قضيت بضعة أيَّام في أحد السجون في دمشق ومن ثم في حماة. كنت أتعرَّض في البداية للضرب عدة ساعات، ومن ثم كانوا يحقِّقون معي. وبعد ذلك كان يتم ضربي من جديد.

 ما الذي كانوا يريدون معرفته منك؟

 براء السراج: كانوا يريدون أسماء. وكان الأمر يتعلق دائمًا بأسماء. لقد كانوا يريدون قبل كلِّ شيء أسماء معارفي. وفي لحظة ما سوف تعطيها لهم من دون أن تكون لديك أية فكرة عما كانوا يفعلون بها. وفي النهاية قُدِّم لي اعتراف مكوَّن من ثلاث صفحات لم يكن مسموحًا لي بقراءته وعليه بصمتي. وقد كان هذا بداية سجني الذي استمر اثني عشر عامًا.

 يدور الحديث في تقرير لمنظمة العفو الدولية حول أسلوب تعذيب اسمه "الاستقبال"، يتم بواسطته استقبال كلِّ سجين جديد في سجن تدمر. فهل تعرَّضت أيضًا لهذا التعذيب؟

 براء السراج: نعم. كان الحرَّاس يقولون إنَّ هذه عادة شائعة تجعل السجناء في البداية يألفون العنف في السجن. لقد تم ربطي بالسلاسل مع عشرين سجينًا آخر. ومن ثم تم دفع واحد منا إلى خارج الشاحنة، ليسقط الجميع بعده. ومن ثم كانوا يضعونك في البدء من رأسك وقدميك داخل إطار ضيِّق - وكأنك داخل شطيرة. وبعد ذلك يقوم رجلان أو حتى أربعة رجال بضربك. بعضُ السجناء لم يستطيعوا بعد ذلك المشي مرة أخرى قطّ، وكذلك توفي الآخرون من خلال تعذيب "الاستقبال" بعد وقت قصير من وصولهم إلى ساحة السجن.

كيف كنت تعيش الحياة اليومية في سجن يعتبر من أسوأ السجون في العالم؟

براء السراج: لقد كانت الأيَّام في تدمر طويلة - وفي أغلب الأحيان طويلة جدًا. وكانت الحياة تتكوَّن من التعذيب ومن الفترة التي تبقى حتى جولة التعذيب التالية. ومع نهوضنا من النوم كنا نتعرَّض للضرب، وفي أثناء تناولنا الطعام، وبينما كنا نحلق. وكانت الزنازين في أغلب الأحيان مكتظة للغاية، بحيث أنَّنا كنا نتزاحم على موضع قدم. ومن أجل الطعام كانت هناك ثلاث حبات زيتون لكلِّ شخص، وكنا نتقاسم البيضة الواحدة بين ثمانية سجناء، وكنا نحصل على بعض البرغل والأرز أو الخبز، الذي كثيرًا ما كان الحرَّاس يبولون عليه.

Syrischer Ex-Häftling Bara Sarraj; Foto: Bara Sarraj
Im Vorhof der Hölle: Bara Sarraj wurde am 5. März 1984 in Damaskus festgenommen und ins Hochsicherheitsgefängnis Tadmor verschleppt, wo er mehrfach gefoltert wurde. Erst 1995 kam er im Zuge einer Gefangenen-Amnestie unter dem früheren Diktator Hafis al-Assad frei. Heute lebt er in Chicago.

كيف كان السجناء يستطيعون النجاة من ذلك - نفسيًا؟

 براء السراج: كانت طريق النجاة تتمثَّل بالنسبة لي في القرآن الكريم. في أغلب الأوقات كنت أقرأ القرآن الكريم وأحفظه عن ظهر قلب. لم يكن هناك شيء آخر يمكن أن يُلهيك عن سماع صرخات السجناء. ومع مرور الوقت تعلمنا ببساطة أن نتحلى بالصبر. وحتى الكلام مع السجناء الآخرين كان ممنوعًا. وعندما كانوا يضبطون أحد السجناء أثناء الكلام، كانوا يضربونه. وعلى سبيل المثال لقد طلبوا من أحد السجناء أن يستلقي على ظهره. ثم بدأ أحد الحرَّاس يقفز فوق بطنه. وبعد عدة ساعات كان قد فارق الحياة. وكذلك كسروا أصابع أحد السجناء على نافذة باب الزنزانة. لقد قتل أحد حرَّاس السجن في عام 1989 نحو مائة سجين.

 حاولنا تنظيم أنفسنا وقد صوَّتنا على تحديد المهام التي سيتولاها كلّ منا. وكان هناك واحد مسؤول عن توزيع الطعام. وواحد مسؤول عن تنظف المرحاض. وكان هناك سجين يراقب عدم ارتفاع صوت همساتنا. وكان "رئيس الزنزانة" يتولى مراقبة كلِّ شيء.

 هذا يعني أنَّ انتخاباتكم الديمقراطية الأولى جرت بين أشخاص عزلهم النظام عن المجتمع بوصفهم "أعداءً للدولة" ...

براء السراج: نعم، من الممكن أن نقول ذلك.

 في عام 1995 أصدر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عفوًا عن السجناء وهكذا أصبحت حرًّا في آخر المطاف

 براء السراج: هذا صحيح، لقد تكرَّر استجوابي عدة مرات في عامي 1993 و1995 وتم إخراجي مع ألف وخمسمائة سجين آخر من جميع أنحاء سوريا. ولكن لم يكن لهذا العفو أية علاقة بالعدالة. إذ إنَّ هذا العفو تم بصورة تعسُّفية تمامًا مثل الاعتقالات في تلك الفترة.

 هل تم إبلاغ أسرتك حول وجودك في السجن؟

 براء السراج: لا. فمنذ يوم اعتقالي لم يخبروهم حول وجودي في سجن تدمر. وفي نهاية الثمانينيات كانوا قد انتقلوا إلى أقاربهم في شيكاغو. وفي عام 1996 حاولت مغادرة سوريا. ولم أكن أعتقد بتاتًا بأنَّني سوف أنجح حقًا في ذلك. وفي مطار شيكاغو رأيت والدتي لأوَّل مرة من جديد بعد فترة طويلة.

 لقد أصبحت أخيرًا في الولايات المتَّحدة الأمريكية مدرِّسًا في مجال علم الأحياء الدقيقة. فكيف حدث ذلك؟

 براء السراج: لقد درست علم الأحياء والكيمياء في جامعة هارفارد. وفي عام 2006 حصلت على درجة الدكتوراه واليوم أدرِّس في شيكاغو. وكثيرًا ما أقضي الليالي بأكملها في المختبر على أبحاثي. وهذا يعجبني. لقد كنت دائمًا أحب أن أكون وحيدًا. ولهذا السبب لم يكن الوقت الذي قضيته في زنازين السجون المكتظة وخاصة في بداية سجني سهلاً بالنسبة لي قطّ.

 كيف تبدو حالك اليوم؟

 براء السراج: جيد. أنا ناجح على المستوى الأكاديمي. لديّ قطَّتان ألعب معهما بعد العمل. كما أنَّني أحب الذهاب مع زوجتي إلى المطاعم العربية وأسافر كثيرًا. أنا أعيش حياة جميلة. بيد أنَّني مع ذلك أرغب في لحظة ما في العودة إلى سوريا. وهذه أكبر أمنياتي.

 

حاوره: فابيان كولر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015  ar.qantara.de