انتخابات وتحالفات لا مثيل لها في تاريخ تركيا

انتخابات مبكرة. في 24 / 06 / 2018 مقررة. منافسة بين تحالفين: داعم لإردوغان في الرئاسة، وساعٍ لهزيمة إردوغان أو لأغلبية برلمانية. لكن طرفا ثالثا مؤيدا للحركة الكردية قد يحسم النتيجة. كما أن تحالف إردوغان مع القوميين قد يُخسِّره أصواتا كردية محافظة. ناهيك عن ناخبين متدينين حانقين قد يجذبهم حزب محافظ آخر انضم للمعارضة. عائشة كارابات تسلط الضوء من اسطنبول على مفاجآت انتخابات تركيا لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Ayşe Karabat

تشهد السياسة التركية المتسارعة الخطى العديد من الأشياء التي تحدث لأول مرة في الانتخابات المبكرة في 24 حزيران/يونيو 2018، بما في ذلك التحالفات السابقة للانتخابات. فلن يختار أكثر من 59 مليون ناخب رئيسهم فقط بل أيضاً تفضيلاتهم السياسية فيما يخص البرلمان بمقاعده الـ 600، مع بعض الأحزاب التي ستدخل الانتخابات كتحالفات- لم يسبق لها مثيل في التاريخ التركي. وبالتالي فالمنافسة لا تقتصر على الأفكار، بل أيضاً بين حسابات الأحزاب السابقة للانتخابات.  في آذار/مارس من هذا العام 2018، وافق البرلمان التركي على مبادرة مشتركة لحزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم وحزب الحركة القومية (MHP) لتحالفات ما قبل الانتخابات، في أعقاب نقاش ساخن استمر طوال الليل وتفجّر أحياناً إلى عنف. ووفقاً للقانون الجديد، يمكن للأحزاب دخول الانتخابات كتحالفات ولكنها تحتفظ باسمها الخاص على أوراق الاقتراع.  تبقى العتبة الانتخابية التركية الشهيرة بنسبة 10% -التي تنتقدها بقسوة جميع الأحزاب المعارضة، رغم أنها لم تتغير بتاتاً حين وصولها إلى السلطة- إلا أنها تسري على مجموع أصوات التحالف. وهذا القانون المشتمل على الحيلة سيكون أساسياً لمستقبل تركيا، إذ أن المعارضة تعوّل على حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، الحزب ذو التوجه الكردي، بأن يتجاوز الحاجز، على الرغم من استبعاده من التحالفات المشكّلة مؤخراً.  منافس تحول إلى حليف  

إردوغان والسياسي بهجة لي زعيم حزب الحركة القومية. (photo: DHA)
يحاول المنافسون السابقون دعم الوضع الراهن: فقد اجتمع حزب إردوغان –العدالة والتنمية- وحزب السياسي بهجة لي أي حزب الحركة القومية لتشكيل تحالف الشعب. ويركز بيانه على التهديدات تجاه تركيا مثل الإرهاب أو الانقلابات. يزعم تحالف الشعب أنه الحل الوحيد، متهماً معارضيه بخدمة مصالح أعداء الدولة.

فُتِح الباب إلى هذه التعديلات من قبل دولت بهجة لي، زعيم حزب الحركة القومية، والمنافس اللدود سابقاً لحزب العدالة والتنمية وزعيمه الرئيس رجب طيب إردوغان.  فبعد محاولة الانقلاب في تموز/يوليو من عام 2016، أيّد حزبُ الحركة القومية وزعيمُه بهجة لي حزبَ العدالة والتنمية في الاستفتاء الدستوري لنيسان/أبريل من عام 2017، والذي غيّر تركيا من بلد ديمقراطي برلماني إلى بلد بنظام حكم رئاسي.  وفي الوقت ذاته، واجه حزب الحركة القومية تحديه الخاص: إذ أسس عدد من نوابه السابقين حزباً قومياً جديداً، "الحزب الجيد" (Iyi Party). ويتمثل القلق بين صفوف حزب الحركة القومية في أن هذا من الممكن أن يقلّص دعمه الـ 12 بالمئة في صناديق الاقتراع. وهذه المخاوف هي ماقدّمت الأساس للتعاون بين حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية، بيد أن الخطوة باتجاه تشكيل تحالف سابق للانتخابات أخذت وقتاً اطول بقليل.  تهديدات وجودية تتوخى التعديلات الدستورية انتخابات عام 2019، إلا أن كل هذا تغير مع سلسلة أحداث بدأت تتكشف في كانون الثاني/يناير 2018.  قبل كل شيء، قال بهجة لي إن حزب الحركة القومية (MHP) لن يسمي مرشحاً رئاسياً وبدل ذلك سيدعم إردوغان. ومن ثم، في شباط/فبراير 2018 أقنع بهجة لي حزب العدالة والتنمية بإدخال تعديلات في قانون الانتخابات، ليسمح بتحالفات سابقة للانتخابات. ثم في نيسان/أبريل 2018، طالب بهجة لي بانتخابات مبكرة. وما زال من غير الواضح للمحللين السياسيين إن كانت تحركات بهجة لي مصممة أو معدَّة مسبقا للضغط على حزب العدالة والتنمية. وفي أي حال، لدى حزب العدالة والتنمية أسباب جيدة لقبول يد المساعدة من حزب الحركة القومية. 

اجتماع حزب السعادة التركي 27 / 05 / 2018.  (photo: DW/Hilal Koylu)
بوسع أصغر فرد في تحالف الأمة لعب دور محوري: فحزب السعادة، الذي يفتقر إلى التمثيل البرلماني، وعليه تجاوز عائق العتبة الانتخابية: الـ 10 بالمئة، من المرجح أن يجذب الناخبين المتدينين الحانقين على حزب العدالة والتنمية الحاكم لتحالفه مع المعارضة.

وقد صادق على الاستفتاء الدستوري في العام السابق 2017 حوالي 51.3 بالمئة من الناخبين الاتراك. ولا يضمن هذا المستوى من الدعم مقعد الرئاسة لإردوغان بأي حال من الأحوال. بيد أن تحالفاً مع حزب الحركة القومية القومي لتعزيز الأعداد قد يأتي أيضاً على حساب خسارة الأصوات الكردية المحافظة. وقد قال بهجة لي في الخطاب ذاته الذي ساند فيه إردوغان، أن بلدة عفرين "ينبغي إما ان تُدمَّر كلياً، أو أن يُحرَق الإرهابيون هناك". وهذه اشارة إلى البلدة ذات الكثافة السكانية الكردية بشكل كبير في شمال سوريا، وهي موقع التدخل العسكري التركي على أساس أن البلدة كانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة تهديداً وجودياً للأمة. وهذه هي النقطة المركزية في تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية السابق للانتخابات، الذي أطلق اسم تحالف الشعب على نفسه. وتركز الحجة الرئيسية لبيانه على التهديدات تجاه تركيا مثل الإرهاب أو الانقلابات. تحالف الشعب هو الحل الوحيد، كما يدعي، متهماً معارضيه بخدمة مصالح أعداء الدولة. تحالف رخو عندما أُعلِن عن الانتخابات المبكرة، أعار الحزب المعارض الرئيسي حزب الشعب الجمهوري (CHP) 15 نائباً للحزب الجيد لضمان أهليته للانتخابات بموجب اللوائح الانتخابية.  وقد كانت هذه المحاولة لالتقاط دور محوري حركة مفاجئة من قبل حزب الشعب الجمهوري. ليس لمجرد أن الحزب كان عرضة للنقد المتكرر لكونه يتصرف برد فعل أكثر من كونه فعالاً عندما يتعلق الأمر بحزب العدالة والتنمية، بيد أن ذلك أيضاً لأن "الحزب الجيد" كان يُعتبر منافساً.  

صورة للسياسي صلاح الدين ديمرتاش زعيم  حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في تركيا.  (photo: DW/B. Karakas)
يعتمد نجاح المعارضة على حزب الشعوب الديمقراطي: جمع الحزب المؤيد للأكراد 10.8 بالمئة من تصويت الانتخابات السابقة في عام 2015، إلا أنه من غير المؤكد إن كان سيتجاوز العتبة هذه المرة. وإن عجز عن ذلك، فستذهب تقريباً كل المقاعد في المناطق الناطقة بالكردية لحزب العدالة والتنمية. تشير التوقعات إلى أن فشل حزب الشعوب الديمقراطي بالوصول إلى البرلمان، سيُترجم بما يقارب من 60 مقعدا إضافيا لحزب العدالة والتنمية.

بيد أن الأكثر مفاجئة هو قرار حزب السعادة، ممثلاً حركة الرأي الوطني الدينية وجذور حزب العدالة والتنمية، برفضه دعوة من قبل تحالف الشعب، مختاراً بدل ذلك الانضمام للمعارضة. فحزب السعادة، الذي يفتقر إلى التمثيل البرلماني، كونه غير قادر على تجاوز عائق العتبة الانتخابية الـ 10 بالمئة، قد يلعب دوراً حاسماً، فيجذب الناخبين المتدينين الحانقين على حزب العدالة والتنمية. وقد تعاون حزب السعادة مع حزب الشعب الجمهوري و"الحزب الجيد" في سبيل العثور على مرشح رئاسي مشترك. بيد أن الوقت كان قصيراً وأثبتوا عدم قدرتهم على الوصول إلى اتفاق. ورغم اختيارهم تسمية مرشحهيم الخاصين بهم، إلا أنهم اتحدوا لتشكيل تحالف الامة. أما نائب رئيس الوزراء بكير بوزداغ فقد أطّر هذا التعاون بين الأحزاب المعارضة بوصفه "تحالف الغضب"، مدعياً أن "ما يحفزهم ليس مصالح تركيا، أو مستقبلها أو الأشياء التي يمكن القيام بها، بل ببساطة معارضة رجب طيب إردوغان".ويعِدُ البيان الرسمي لتحالف الأمة بفصل السلطات استناداً إلى تشريعات قوية في البرلمان. كما يؤكد على مفاهيم دور القانون والتوافق والحقوق المدنية، لا سيما حرية التعبير والإعلام المستقل. بيد أن تحالف الأمة استبعد ثالث أكبر حزب في البرلمان، أي حزب الشعوب الديمقراطي (HDP). وبينما أشار حزب الشعب الجمهوري وحزب السعادة إلى أنهما قد يكونان على استعداد لضم الحزب المؤيد للأكراد، إلا أنهما أثبتا عدم قدرتهما على إقناع "الحزب الجيد" القومي بذلك.  يعاني تحالف الأمة من تعدّد مرشحيه. والهدف هو الفوز بتذكرة للجولة الثانية، في حال فشل إردوغان بالفوز أو بكسب أكثر من 50 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى. غير أن الاستراتيجية الحالية تعني أن مرشحي تحالف الأمة لا يتنافسون ضد إردوغان فقط، بل أيضاً ضد بعضهم البعض. 

 بيد أن المعارضة تملك في ذهنها أكثر من هدف واحد: فحتى لو عجزت عن تحقيق هدفها المتمثل في الرئاسة فهي ترمي إلى كسب أغلبية برلمانية على الأقل. أما نسبة الإقبال على "الحزب الجيد" فغير معروفة، لأن هذه أول انتخابات له، وفي حين كانت نسبة حزب السعادة أقل من 1 بالمئة في الانتخابات الأخيرة، غير أنها تزداد بالتأكيد. أما الناخبون المترددون لكل حزب فيفكرون بالأمر ذاته: "التحالف يعني أن صوتي لن يضيع؛ نستطيع تجاوز العتبة الانتخابية". بيد أن نجاح هذه الخطة يعتمد على أداء حزب الشعوب الديمقراطي. لقد جمع 10.8 بالمئة من التصويت في الانتخابات السابقة في عام 2015، إلا أنه من غير المؤكد إن كان سيتجاوز العتبة هذه المرة. وإن عجز عن ذلك، فستذهب تقريباً كل المقاعد في المناطق الناطقة بالكردية لحزب العدالة والتنمية. تشير التوقعات إلى أن فشل حزب الشعوب الديمقراطي بالوصول إلى البرلمان، سيُترجم بما يقارب من 60 مقعد إضافيا لحزب العدالة والتنمية. توجد مقولة في تركيا: الحسابات التي تُجرَى في المنزل ليس بالضرورة أن تطابق السوق. وفي 24 حزيران/يونيو 2018، تركيا على موعد لمعرفة أي من تخمينات التحالفات السابقة للانتخابات قد أثبتت دقتها.   عائشة كاراباتترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de