مقال بحثي: حوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر

تعتبر فكرة «حوار الحضارات» من الأفكار والمفاهيم الأساسية التي انتهى بها القرن العشرون الميلادي، حيث أصبحت تحتل مكان الصدارة في قائمة الاهتمامات لدى العلماء والنخب الفكرية والسياسية، ومراكز البحوث المختلفة والمؤسسات الدولية.
كما أصبح هذا الموضوع مطروحاً بقوة على جدول أعمال الكثير من اللقاءات الدولية الثقافية والسياسية وأيضاً الاقتصادية. لاسيما بعدما أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2001م، عاماً للحوار بين الحضارات. وكرّس منتدى دافوس الاقتصادي العالمي قبلها جلسة خاصة في جانفي 2000م، لتناول موضوع حوار الحضارات.
وإذا كانت هذه الفكرة، قد اتخذت شكلاً معيّناً بعد الحرب العالمية الثانية تحت رعاية اليونيسكو، وبعض المنظمات الدولية والإقليمية؛ فإنها في نهاية القرن العشرين الميلادي، تغيرت تطبيقاتها بصورة جذرية، لاسيما مع تطور العلاقات الدولية.


تشير نظريات علم اجتماع المعرفة أن ظهور مفهوم معيّن أو سقوطه، لا يتم بمحض الصدفة، بل نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية، ومن هنا فإن ظهور مفهوم حوار الحضارات كان محصلة لعوامل كثيرة منها:


- انتهاء الصراع الأيديولوجي مع سقوط المعسكر الشرقي.
- صعود دور الأديان.
- الثورة المعلوماتية، وتطور وسائل الإعلام والاتصال.


ولعل أهمها، ظهور مقولة «صدام الحضارات» التي أطلقها صموئيل هنتنغتون. فتحولت من شعار إلى استراتيجية، وسلّطت الأضواء على مجموعة من الثوابت الجيوسياسية والتطورات العالمية.
جاءت مقولة الصدام بوصفها رؤية فكرية وفلسفية جديدة ذات أبعاد سياسية، حاولت ملء الفراغ الذي استشرى في الدوائر الفكرية الغربية، وصياغة خطاب استراتيجي جديد للغرب. لاسيما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، بما يمكّنها من تكريس هيمنتها على العالم، وتحقيق مصالحها في ظل الأحادية القطبية، لاسيما في العالم العربي والإسلامي الذي جعلته مقولة الصدام في موضع مصدر التهديد للغرب ومصالحه، ثم في موضع المتهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.


أمام خطاب النفي المُؤسَّس على الصراع، سعى الفكر العربي والإسلامي في البحث عن المنهجية الشاملة التي تمكّنه من امتلاك آليات الصمود ومنه الإمكان الحضاري. حيث تغيرت نظرة العرب والمسلمين إلى مسألة الحوار الحضاري، كانعكاس حتمي للتغيرات والتحولات الكبيرة التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة. فشهدت الساحة الفكرية العربية والإسلامية، تصاعد وتيرة الاهتمام بالحوار تنظيراً وتأسيساً من خلال جهود فردية أو مؤسسات أخذت على عاتقها دعم مشروع حوار الحضارات. فأصبح بذلك الحوار مطلباً عربيًّا وإسلاميًّا، ولم يبق مجرد مطلب غربي كما كان في العقود الماضية. خاصة أن الحوار لا يتنافى مع مفهوم الإسلام للتعارف بين الناس والتدافع بينهم.
تعتبر الدعوة إلى «حوار الحضارات» في الوقت الراهن إحدى أكبر الإشكاليات  المطروحة في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، المثيرة للجدل. والتي أثارت بدورها الكثير من الإشكاليات الجديدة، وجددت طرح أخرى قديمة، لعل أهمها: العلاقة بين الخصوصية والكونية، ومفاهيم الهوية، وقضية النقد الذاتي، والعلاقة مع الآخر (الغرب) بفكره وحضارته وغيرها. فأصبح الحوار في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، يحمل في طياته الكثير من التساؤلات. لاسيما في ظل العولمة التي تسعى إلى إعادة تشكيل الآخر وفق ثقافة منمّطة وموحّدة يفرضها الطرف المهيمن.


فهل اتفق الخطاب العربي والإسلامي في النظر إلى الحوار بين الحضارات؟ المزيد في المقال البحثي التالي؟

ملف خاص من موقع قنطرة حول الحضارات

http://ar.qantara.de/dossier/lhwr-byn-lthqft