كيف يمكن كسر دوامة العنف في الشرق الأوسط؟

يعتبر الباحث المغربي موحى الناجي أنه لا يمكن كسر دائرة العنف في العالم العربي من دون حل النزاعات الإقليمية والتخفيف من حدة الصراعات الموجودة داخل عوالم الإسلام. ولكن للوصول إلى تلك النتيجة، يجب على حكومات المنطقة أن تسعى على وجه الاستعجال إلى تبني استراتيجية تتعامل بحكمة مع البيئة الحاضة للإرهاب .

الكاتبة ، الكاتب: Moha Ennaji

أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في شهر تموز / يوليو الماضي النصر على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل ثاني أكبر مدن البلاد التي استولى عليها التنظيم منذ ثلاث سنوات.

وفقد تنظيم داعش أيضا مدينة الرقة في سوريا، عاصمة الخلافة المزعومة، التي أعلنها التنظيم بنفسه - وآخر مدينة حقيقية تحت سيطرته. لكن هذه الهزائم لا تعني سقوط داعش، أو نهاية الإرهاب الإسلاموي، أو أن الصراعات الأكثر حدة في الشرق الأوسط سوف سيتم فكها في وقت قريب.

ومن المؤكد أن حلم الخلافة الإسلامية الذي بدأ يتلاشى سُيضعف قدرة داعش والجماعات الإرهابية الموالية على تجنيد الشباب الساخط. وقد هبطت وتيرة تدفق الجهاديين الأجانب القادمين من تركيا إلى سوريا للانضمام إلى داعش، من 000 2 شخص شهريا إلى حوالي 50 شخصا.

سر جاذبية الأيدولوجية الجهادية

ولكن لا تزال هذه الجماعات تتمتع بقدرة قوية لجذب الشباب. والأهم من ذلك، أنها تستطيع جعل الشباب، الذي يُحس بخيبة أمل، يشعر بالإحساس بهدف في الحياة وبروح الانتماء. ولهذا الغرض يمكنهم القيام بأعمال القتل والإرهاب ونشر الفوضى، مما يجعل هذا التنظيم الإرهابي أكثر جاذبية في أوساط الشباب المحبَط والمستاء.

تحرير الرقة، العاصمة السابقة لدولة الخلافة الداعشية المزعومة الصورو بيكتسر أليا سو د ب ا
ويذكرنا تاريخ تنظيم القاعدة أنه حتى لو انهارت دولة تغذي جماعة إرهابية، فإن الفكر الراديكالي يمكن أن يستمر في تأجيج العنف في البلدان المجاورة والبعيدة. ويمكن لقادة هذه المجموعات الإرهابية أن يُكيفوا ببساطة أساليبهم، من أجل مواصلة اجتذاب المجندين والتخطيط لهجمات من خارج دولة صديقة ذات سيادة.

وعلى الرغم من النكسات الأخيرة، فإن إغفال أو شطب التهديد الذي يشكله داعش لا مبرر له كما هو سابق لأوانه. ويذكرنا تاريخ تنظيم القاعدة أنه حتى لو انهارت دولة تغذي جماعة إرهابية، فإن الفكر الراديكالي يمكن أن يستمر في تأجيج العنف في البلدان المجاورة والبعيدة. ويمكن لقادة هذه المجموعات الإرهابية أن يُكيفوا ببساطة أساليبهم، من أجل مواصلة اجتذاب المجندين والتخطيط لهجمات من خارج دولة صديقة ذات سيادة.

توظيف الطائفية

ولتحقيق هذه الغاية، ستستمر الجماعات الإرهابية في العراق في استغلال الطائفية التي قسمت البلاد قبل فترة طويلة من غزو الولايات المتحدة لها في عام 2003. وعلى نطاق أوسع، يمكن أن تستفيد من تصاعد التوترات بين المسلمين السنة والشيعة لجذب الشباب الذين نفرهم المجتمع.

وتظهر هذه الدينامية الخطيرة على نحو متزايد في قرار مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بسبب علاقاتها المزعومة مع الجماعات الإرهابية الإقليمية وإيران، المنافس الرئيسي للمملكة العربية السعودية على النفوذ الإقليمي. كما أنها واضحة في الحرب المدمرة بالوكالة في اليمن، التي أصبحت ساحة معركة رئيسية في الصراع على السلطة بين السعودية و إيران.

على هذه الخلفية، من المرجح أن داعش، انطلاقا من قواعدها المنتشرة في شبه جزيرة سيناء في مصر والعراق وليبيا واليمن، سوف يكون قادرا على مواصلة تخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط وخارجها. ولكن هناك طرق لتجنب مثل هذه النتيجة - أو على الأقل لتقليل الضرر.

تجفيف منابع الإرهاب

بادئ ذي بدء، يجب على الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية في العالم العربي قطع جميع العلاقات المالية مع الجماعات الإرهابية. بالإضافة إلى قط التحويلات الرسمية، يعني ذلك وقف الجهود الخاصة التي يبذلها المواطنون الأفراد لتمويل الإرهاب. ولدى دول المنطقة بالفعل قوانين قاسية؛ يجب على الحكومات أن تنفذها بفعالية أكبر ضد من يمولون الإرهاب.

وفي الوقت نفسه، يجب على القادة الدينيين والسياسيين أن يدينوا بصوت عال الأيديولوجية الإسلاموية العنيفة التي تغذي الحركات الجهادية، بنفس القوة التي يحتجون بها على معارضيهم ومنافسيهم على السلطة. السكوت علامة الرضي ( أو الصمت يعني الموافقة)، وفي هذه الحالة، يشجع السكوت القبول الضمني للجهات الإرهابية، مع سيكون لذلك من نتائج مميتة.

قوة المجتمع المدني في تونس تتظاهر ضد الإرهاب. الصورة: ساراة ميرس
المجتمع المدني ضد الراديكالية والإرهاب: الباحث المغربي موحى الناجي يطالب الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية في العالم العربي بقطع جميع العلاقات المالية مع الجماعات الإرهابية.

لقد أصبحت بلدان الشرق الأوسط مرتبطة بالإيديولوجيات المتطرفة وبالإرهاب في جميع أنحاء العالم. وإذا أريد لها استعادة سمعتها واسترجاع صحة مجتمعاتها واقتصاداتها، فعليها التصرف بحزم لإضعاف جاذبية المجندين الإرهابيين. وقد اتخذت كل من الجزائر والمغرب وتونس تدابير هامة في هذا الاتجاه، لكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها.

ومثل هذه البلدان، يجب على الآخرين في الشرق الأوسط ألا يسمحوا لأنفسهم بالتخلي عن مكافحة الإرهاب حتى بعد سقوط داعش المفترض ككيان إقليمي.

وفي نهاية المطاف، فإن السبيل الوحيد لكسر دائرة الإرهاب والعنف في العالم العربي هو حل النزاعات، والصراعات الموجودة داخل الإسلام. ولكن للوصول إلى تلك النتيجة، يجب على حكومات المنطقة أن تسعى على وجه الاستعجال إلى اتباع استراتيجية ذات شقين تتمثل في محاربة الإرهاب وإدانته.

موحى الناجي

موحى الناجي باحث جامعي بفاس؛ وهو مؤلف لعديد من الكتب، بما فيها "المغاربة المسلمون في أوروبا". نُشر في الولايات المتحدة عام 2014.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2017