البطلة العربية زنوبيا...من أسيرة الرومان إلى "سبية داعش"

تشتهر مدينة تدمر السورية - التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية - بملكتها العربية الأسطورية زنوبيا، التي حكمت هذه المدينة في العصور القديمة (القرن الثالث الميلادي) وباتت في عصرنا الحالي ملهمة للقوميين والمثقفين العرب وأيقونة للحركة النسائية، ورمزا للتحرر من المستعمرين الرومان. ولذلك فلا عجب من وصف هذه الملكة في وسائل الإعلام العربية على أنها "أسيرة في قبضة داعش". جوزيف كرواتورو يسلط الضوء لموقع قنطرة على الملكة زنوبيا في تعليقه التحليلي التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Joseph Croitoru

أثار استيلاء جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة تدمر حالة من الذعر والفزع في العالم العربي أيضًا. ويعود ذلك إلى أسباب من بينها أنَّ شخصية الملكة الأسطورية زنوبيا، ملكة تدمر - المدينة القديمة المعروفة بهذا الاسم عند العرب، كانت تثير منذ عدة قرون من الزمن وعلى نحو غير منقطع أعجاب الكتَّاب والمؤلفين العرب.

لقد أفرد لها أوائل المؤرِّخين العرب، الذين منحوها اسم "الزباء"، فصولاً كاملة تم فيها وصف هذه الملكة على أنَّها حاكمة شجاعة ومثقفة. بيد أنَّ صعود الملكة زنوبيا إلى أوَّل بطلة عربية في التاريخ حدث في أواخر القرن التاسع عشر. فقد غدت حينها هذه الملكة الأسطورية مصدر إلهام بالنسبة للمثقفين السوريين واللبنانيين في بحثهم عن هويتهم القومية العلمانية.

في عام 1871 نشر الكاتب اللبناني سليم البستاني رواية تاريخية حول ملكة تدمر. وبعد ثلاثة أعوام وصف إلياس مطر - الذي يعدُّ الأب المؤسِّس للتأريخ القومي السوري - مملكة تدمر في عهد زنوبيا على أنَّها مهد الشعب السوري، في كتابه الأساسي حول بدايات المملكة السورية "العقود الدررية في تاريخ المملكة السورية". ولكنه اضطر بسبب الخوف من الرقابة العثمانية إلى الامتناع عن الإشارة إلى طموحات أبناء جلدته ومساعيهم الرامية إلى الاستقلال.

لوحة الفنان غياندومينيكو تيبولوس رسمها عام 1717 : زنوبيا أمام الإمبراطور الروماني أورليانوس. Foto: picture-alliance
Später Aufstieg zur nationalen Ikone Syriens: Zenobia, unter arabischen Historikern auch Az Zabba genannt, gewann erst im 19. Jahrhundert historische Bedeutung als arabische Heldin. Ilyas Matar, Gründer der nationalen syrischen Historiographie, machte Palmyra unter der Herrschaft Zenobias zum Ursprungsort des syrischen Reiches.

وعلى الرغم من أنَّ الحرب العالمية الأولى قد حرَّرت العرب من سيطرة العثمانيين، إلاَّ أنَّ ذلك لم يمنحهم الحرية السياسية المنشودة. فقد حلت حينها القوى الغربية محل الأتراك في العديد من المناطق العربية.

أيقونة الحركة النسائية العربية

تحوَّلت زنوبيا في صورها العربية الأدبية والتأريخية الشعبية إلى متمرِّدة مناهضة للإمبريالية، كان يتم فهم كفاحها من أجل التحرِّر من الطغاة الرومانيين كرمز لطموحات العرب الوطنية. وكذلك لقد اكتشفت الحركة النسائية العربية الناشئة رمزًا لها في هذه الملكة الشجاعة، التي يُقال عنها بحسب الروايات إنَّها كانت على قدر خرافي من الجمال وكانت تجيد عدة لغات.

وفي المجلات النسائية المصرية والسورية كانت تتم الإشادة بها حتى حقبة الثلاثينيات من القرن العشرين باعتبارها قدوة للمرأة القومية العربية العصرية. كما أنَّ الصحفيات العربيات كنَّ يُفضِّلن العودة إلى اسمها العربي "الزباء"، وذلك من أجل الابتعاد عن استغلال اسم زنوبيا استغلالاً تجاريًا متزايدًا وعن إضفاء الطابع الرومانسي عليها في صناعة الترفيه الغربية.

وكذلك خلال فترة ازدهار حركات الوحدة العربية ظلت ملكة تدمر المحاطة بالأساطير شخصية محبوبة من قبل العلمانيين العرب الساعين إلى تحديد مصيرهم، حيث كان يتم استغلالها في سوريا بصورة خاصة من قبل نظام البعث بزعامة حافظ الأسد باعتبارها إيقونة رمزية، وذلك من أجل إضفاء المزيد من الشرعية على مشروعه القومي العربي العلماني، الذي كان في الوقت نفسه يدعو على الأقل ظاهريًا إلى تحرِّر المرأة العربية.

محاربة شجاعة حاربت الإمبراطورية الرومانية

إنَّ تصوير زنوبيا كأوَّل بطلة عربية وبالتالي تصوير سوريا أيضًا كأوَّل دولة عربية مهمة قبل الإسلام، ساهم هنا أيضًا في ترسيخ مطالبة دمشق بالقيادة في المنطقة. ومن هذا المنظور تم عرضها في أوائل السبعينيات في مسلسل تلفزيوني من إنتاج التلفزيون السوري.

Gemälde von Luigi Sabatelli aus dem Jahr 1803: Zenobia stirbt durch die Hand Rhadamists. Foto: picture-alliance/ Luisa Ricciarini/ Leemage
Zenobia, die antiimperialistische Rebellin: Auch zu Zeiten des Panarabismus stand die Herrscherin Palmyras für säkulare, arabische Selbstfindung. Besonders das Baath-Regime nutzte die Stilisierung der Königin zur Nationalheldin für sich. Sie war u. a. Symbol für einen weltlichen, arabischen Nationalismus, "zumindest nach außen hin", kommentiert Coitoru.

وفي عام 1985 تم تصويرها بلهجة شديدة العداء للإمبريالية في صورة محاربة شجاعة حاربت الإمبراطورية الرومانية الغربية، وذلك ضمن كتاب لم يقم بتأليفه شخص أقل شأنًا من العماد مصطفى طلاس، الذي كان لفترة طويلة وزير الدفاع السوري بالإضافة إلى كونه كاتبًا والذراع اليمنى لحافظ الأسد.

في كتابه التاريخي الشعبي، الذي صدر في البداية باللغة العربية وبعد عام باللغة الفرنسية تحت عنوان "زنوبيا - ملكة تدمر"، تم تصوير الرومان على أنَّهم همجيون للغاية، بينما رفع هذا الكتاب تمرد زنوبيا إلى مستوى حرب تحرير عربية ضدَّ "البرابرة والمستعمرين" الرومانيين.

وعلى الرغم من دوافعه الإيديولوجية في عملية تعريب شخصية الملكة زنوبيا، إلاَّ أنَّ مصطفى طلاس التزم بتلك الفقرات المقتبسة من الروايات المتواترة ضمن مجموعة النصوص القديمة في كتاب "تاريخ أوغستا"، التي اعتمد عليها أيضًا تكوين الأساطير الغربية.

ومنذ ذلك الحين كثيرًا ما كان يتم في سوريا استخدام قصة زنوبيا باعتبارها واحدة من الروايات المفضلة في ثقافة الدولة، فقد تم إخراجها في مسلسل تلفزيوني وفي أعمال موسيقية ومسرحيات. وكان يتم عرض تلك المسرحيات بشكل منتظم في تدمر ضمن إطار مهرجانات ثقافية، كانت حتى اندلاع الحرب الأهلية السورية تجتذب الزوَّار من جميع أنحاء العالم العربي.

وعلى الرغم من جميع التصنيفات القومية العربية لشخصية ملكة تدمر الأسطورية، إلاَّ أنَّ المؤلفين السوريين العلمانيين التزموا في نهاية المطاف بالروايات الغربية إلى حدّ كبير، وقد أرسلوا بذلك إشارات تدل على انفتاحهم على العالم. وهذه هي بالذات العناصر الخاصة بالثقافة العربية العلمانية الحديثة التي يريد تدميرها جهاديو تنظيم "الدولة الإسلامية". ولذلك فلا عجب من أنَّ التعليقات الأخيرة في وسائل الإعلام العربية كانت تحمل وعن قصد عناوين مثل "زنوبيا في قبضة داعش"، أو كذلك "زنوبيا تحارب داعش".

 

 

جوزيف كرواتورو

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de