المسلمون واليهود في ألمانيا: معاً ضد العنصرية وثقافة الكراهية
في الآونة الأخيرة تعرَّضتُ أنا الحاخام يهودا تايشتال مع ابني سويةً في الشارع للبصق وشتائم باللغة العربية، لأنَّنا يهوديان. وقبل عام واحد على وجه التحديد، أقدمت مجموعة من الغوغائيين المَرْمُوز لهم باللون البُنِّي [أي النازيين الجدد] على الصراخ بغضب أمام مطعم "شالوم" بمدينة كيمنتس [في شرق ألمانيا] وقذفوا المطعم بالحجارة وهم يهتفون بشعارات الكراهية.
وقبل وقت قصير من عيد الميلاد سنة 2017، قام رجلٌ مسنٌّ كان يرتدي ملابسَ جيِّدةً بشتم وبسبِّ صاحب مطعم يهودي في حيّ شونِبيرغ في برلين، وقال له: "ماذا تريدون هنا بعد عام 1945؟". ثم قاله له شيئًا لا يمكن احتماله: "عودوا كلكم إلى غرف الغاز الغبية الخاصة بكم". وفي حيّ برينتسلاوَر بيرغ في برلين، تعرَّض قبل فترة غير طويلة شخصٌ يهوديٌ للضرب بحزام من قِبَل أحد اللاجئين السوريين، لأنَّه كان يرتدي على رأسه الـ "كيباه" [القُبَّعَة] اليهودية.
وجميع هذه الحوادث كانت مرعبةً وقد أثارت غضبًا واحتجاجًا شعبيًا عارمًا. أسفر ذلك عن تغطية إعلامية واسعة وخروج مسيرات شموع والوقوف دقائق صمت وإلقاء خطابات وكلمات تضامن. ومن ثم ساد الهدوء لفترة طويلة، إلى أن وقع الحادث التالي. يجب علينا أن نتوخَّى الحذر من عدم وقوعنا في حالة قلق روتيني.
بطبيعة الحال من المهم ومن الضروري في الديمقراطية أن يتظاهر المجتمع ويُعبِّر عن رفضه واستنكاره. لقد ترك إيجاد الرئيس الألماني الاتِّحادي كلمات واضحة بخصوص الحادث الفظيع الذي وقع في الآونة الأخيرة أثرًا جيِّدًا. وتصريحه بأنَّ أي شكل من أشكال التطرُّف يعتبر بمثابة السُمّ لمجتمعنا الحرّ والمنفتح هو تصريح صحيح وسليم. غير أنَّ الكلمات وحدها لا تكفي.
تقع في الوقت الحالي في ألمانيا وبشكل يومي هجماتٌ على أشخاص بسبب النظر إليهم على أنَّهم مختلفون؛ من قِبَل أشخاص معادين للسامية وعنصريين وكارهيين للأجانب والمثليين والإسلام. ومثلما هي الحال مع اليهود، يتعرَّض أيضًا المسلمون كثيرًا وفي كلّ مكان للشتم والتهميش والإهانة. حيث تُخْبَطُ الكيباه اليهودية من رأس مُرتَدِيها ويُنتزع الحجاب من رأس مُرتَدِيَتِه. وذلك بسبب الأحكام المسبقة المتجذِّرة بعمق. يجب أن ينتهي هذا. نحن نحتاج إلى أكثر من مجرَّد بيانات تضامن يتم تكرارها بشكل منتظم وتبقى دون نتيجة.
نحن بحاجة إلى انتفاضة المحترمين
نحن بحاجة إلى استراتيجية لكيفية تعاملنا مع تزايد رفض الآخر - الغريب. نحن بحاجة إلى انتفاضة يومية من قِبَل الأشخاص المحترمين: في المقاصف وفي أندية كرة القدم وأثناء الدردشة بعد الصلاة وفي مترو الأنفاق وفي الحدائق. عندما يحكي شخصٌ ما نكتةً غبية عن اليهود أو عن المسلمين أو عن اللاجئين، ويلقي بأحكامه المسبقة الجارحة مثل دلو من الروث والبراز، وعندما يتم تهديد الصبي الغجري المُتسوِّل، عندما تتم إهانة المرأة الجالسة على المقعد بالجوار في الحافلة لأنَّها محجَّبة، عندما يتعرَّض صِبْيَة يهود للشتم لأنَّهم يرتدون الكيباه، فعندئذ يجب الوقوف والرفض.
يشعر المحرِّضون بالقوة فقط عندما يكون لديهم انطباع بأنَّ أحدًا ما يتبعهم. لكن عندما يواجهون رياحًا معاكسة، فعندئذ يصمتون بسرعة. من السهل دائمًا الانطلاق من مجموعة لمهاجمة أفراد. ولكن عندما تنهض مقصورة قطار وتُظهر أنَّه لا يمكن التسامح مع الكراهية والهجمات، فعندئذ يكون لذلك تأثير. طبعًا، هذا بحاجة إلى شجاعة. ولكن يجب علينا أخيرًا أن نستجمع هذه الشجاعة.
لم يكن البصق والشتائم في برلين قبل بضعة أيَّام هجومًا على الأب اليهودي مع طفله - بل هجومًا على مجتمعنا المنفتح. لقد كان هجومًا على الزوجين المثليين وعلى الإمام المسلم، وعلى الشخص المصاب بشلل نصفي الجالس على كراسي متحرِّك وعلى الشاب البنك ذي الشعر الملوَّن وعلى لاعبة كرة القدم ذات البشرة السوداء وعلى الأسرة الغجرية المشرَّدة وعلى الصبي اللاجئ الصغير الذي لا يوجد لديه أبوان ويعيش لدى أسرة حضانة.
الاقتداء بالقيم الدستورية
إنَّ ما يُوَحِّدنا جميعًا هو قانوننا الأساسي (دستورنا) وقيمنا وأخلاقنا - ومسؤوليتنا أمام الله. التلويح بالإصبع فقط لن يساعدنا، ولا حتى فقط إنزال عقوبات قاسية بالمحرِّضين مثيري الاشمئزاز. نحن بحاجة إلى إعادة تفكير. إعادة تفكير من خلال تعايش أكبر.
يجب علينا أن نبدأ بذلك في وقت مبكِّر جدًا. مَنْ كان لا يريد الإسلامويين والمعادين للسامية والنازيين الجدد والمتطرِّفين اليساريين، فيجب عليه أن يبدأ في أصغر الصغائر بعيش قيم دستورنا وحسنات المجتمع المتعدِّد الأشكال والألوان المنفتح العالمي. يجب علينا أن نهتم أكثر بكثير بالتعليم، بالتعليم المتسامح والديمقراطي. من رياض الأطفال وحتى مدارس تعليم الكبار الشعبية.
قبل عام ونصف، اقترحتُ أنا رائد صالح هنا في هذا المكان نفسه إعادة بناء كنيس يهودي تاريخي للمرة الأولى في التاريخ الألماني. كدليل على أنَّ الديانة اليهودية كان لها وجود مركزي للغاية في ألمانيا، وكدليل على تحديد مكاننا اليوم من جديد. وها هو هذا النصُّ يصبح مشروعاً ملموساً جدًا، صار يتم الحديث حوله من واشنطن إلى طوكيو وهو في أفضل طريق نحو تنفيذه قريبًا.
فقد تم جمع أوَّل مليونَيْ يورو. وأعلنت بعض المساجد البرلينية عن جمع تبرُّعات من أجل إعادة إعمار الكنيس. وهذه من وجهة نظر يهودية لفتة رائعة. وفي داخل المبنى، من المقرَّر أن يتم أيضًا تأسيس روضة أطفال، يلعب فيها سويةً أطفالٌ يهود مع أطفال مسلمين ومسيحيين وغير مؤمنين، ويتعلَّمون سويةً قيمنا الدستورية الرائعة.
التعايش من خلال اللقاء والحوار والتبادل
ينطبق هذا أيضًآ على الحرم الجامعي اليهودي، الذي يتم بناؤه حاليًا في حيّ فيلمرسدورف في برلين. نحن الاثنان نعمل سويةً منذ أعوام من أجل تمكين هذا المشروع الهام من النجاح، كي يصبح حقيقةً عن قريب. وهكذا فقد تمكَّنا من جمع مليونَيْ يورو ووضع حجر الأساس. وعلى الرغم من أنَّ المشروع لا يزال ينقصه ستة ملايين يورو، لكنه بات ينمو كلَّ يوم.
في هذا الحرم الجامعي، سيتواصل قريبًا شبابٌ منحدرون من مختلف الأديان والبلدان بعضهم مع بعض، ويتشاركون في التعليم واللعب وممارسة الرياضة. وهكذا فقط يمكن أن ينشأ التعايش من الاختلاف - من خلال اللقاء ومن خلال الحوار والتبادل.
لم يعد يوجد بعد نحو ثمانين عامًا على المحرقة (الهولوكوست) سوى عدد قليل جدًا من المتضرِّرين، الذين عايشوا هذه الكارثة الإنسانية. نحن - أخيرًا وليس آخرًا - مدينون لهم بفعل أكثر من مجرَّد اتِّباع الكلمات واللفتات إلى الأعمال الفظيعة. دعونا نبدأ بذلك اليوم!
رائد صالح وَ يهودا تايشتال
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: صحيفة فرانكفورتر ألغماينه / موقع قنطرة 2019