تسجيل نادر لمحاضرة طه حسين ألقاها في تونس سنة 1957عن ثقافة المدينة في صدر الإسلام

من التراث: كيف قاومت ثقافة المدينة تحجر الأمويين.

دافع طه حسين بقوة عن الموقف الحداثي نفسه. بل وحتى قبل التحاقه بالجامعة الفرنسية كان خلال دراسته بالجامعة المصرية منغرسا في الفكر والأدب الأوروبيين، ولهذا لم تكن رحلته عبر المتوسط برحلة إلى عالم غريب عنه. لم يشعر بتناقض بين الثقافتين. ففي كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" الصادر سنة 1938 ينتقد الخطاب الذي يقول بالاختلاف بين الحداثة الغربية والتقاليد الشرقية وإن الحداثة لا علاقة لها بالمجتمعات الإسلامية. فبين مصر وأوروبا لا وجود بنظره لحدود ثقافية. بل العكس هو الصحيح، فالمنطقتان تشتركان في ثقافة متوسطية، ذات مشارب مختلفة يونانية ورومانية ويهودية وفينيقية وعربية وتركية وصليبية.

وقد طبع هذه الثقافة كل من الفلسفة اليونانية والقانون الروماني والتوحيد الإبراهيمي، وهو ما يجب فهمه كقنطرة نحو الآخر وليس كحدود تحول دون اللقاء بين الضفتين. فالحدود الحقيقية للثقافة المتوسطية تمثلها جبال الألب شمالا والصحراء جنوبا. وعبر دفاعه عن هذا الموقف يدعو طه حسين العرب إلى تجاوز عقدة النقص من التفوق الغربي. إنه يرى أنه من الواجب على المصريين بعد الحصول على الاستقلال التام بناء نظام ديمقراطي وتحديث المجتمع وتجاوز الفكرة الرائجة التي تقول بأنهم مختلفون عن الأوروبيين. ويمثل التعليم في هذا السياق الطريق الذهبي إلى تحقيق هذه الأهداف والتحول إلى شريك يقف على قدم المساواة مع الأوروبيين.

المزيد حول مشروع طه حسين الحداثي....دفاعاً عن التنوير والديمقراطية والوسطية