الدفع باتجاه ذلك الكِبْر يوفر النفقات، فهو أرخص بكثير من إنشاء مكتب للمراسلين أو دفع رواتب لموظفين محليين بشكل دائم في منطقة صراع ما، كالمترجمين والمساعدين الذين يظهرون كل عام على قائمة القتلى التي تصدرها منظمة "مراسلون بلا حدود" – شهداء على مذبح الإعلام الغربي.

عندما قمت بتحضير نسخة منقحة من كتابي "عن محاولة الكتابة بشكل غير أبيض" بعد ست سنوات من صدوره، اندهشت من قلة التغيير الذي حصل منذ ذلك الوقت. بالطبع، ظهرت الأخبار المزيفة وصيغ جديدة للكتابة، ولكن ما بقي على حاله هو التطاول الثقافي المزدهر في الصحافة الغربية.

من التنميط إلى التزوير

من النادر أن تتم مكافأة التواضع، إلا لو كان تواضعاً مصطنعاً، مثل ما كان ريلوتسيوس يظهره، وليس التواضع الذي يكشف الكسور والعيوب والقصور. بدلاً من ذلك، تُكافَأ جماليات تقمُّص عواطف الآخرين، والتي تحمل أحياناً ملامح استعمارية.

 

جنود الجيش الألماني - في كوليكورو مالي - وهم يدربون وحدات عسكرية من جيش مالي.  Foto: picture-alliance/dpa
عن التفاعل بين العادات الصحفية المعتادة في وصف سكان دولة ما بطريقة معينة، وبين الاستراتيجيات السياسية والعسكرية المرسومة لتلك الدولة: التقارير الصحفية عن مالي مكتوبة بشكل شبه حصري من وجهة نظر الجيش الألماني.

 

{التقارير الصحفية الألمانية من دولة مالي كانت تروي بشكل شبه حصري وجهة نظر الجيش الألماني. لم يعتذر أحد للماليين على ذلك، مثلما لم تعتذر مجلة "شبيغل" للمسلمين في ألمانيا عن صور أغلفتها التخويفية من الإسلام. فأسلمة ألمانيا كانت مادة دسمة للعناوين الصحفية حتى قبل سنوات من ظهور حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي الكاره للمسلمين. - الكاتبة الألمانية شارلوته فيديمان}

 

هل يمكننا فعلاً سرد القصة من منظور ربة منزل يمنية أو راعية في بوتان  [على أطراف جبال الهيمالايا] أو صياد سنغالي مسنّ، وكأننا جلسنا في عقولهم وقلوبهم وعرفنا ما يكفي كي نضع أنفسنا في مكانهم؟ اليمنية والراعية والصياد المسنّ – لعلَّ هذه الفكرة لن تخطر على بال أي منهم، لأنهم يحترمون حدودهم. لكننا لا نحترم حدودنا، وهذا أحد معالم نمط الكتابة الأبيض.

ثم هنالك التفاعل بين العادات الصحفية المتبعة في وصف سكان دولة ما بطريقة معينة، وبين الاستراتيجيات السياسية والعسكرية المرسومة لتلك الدولة. فالتقارير الصحفية من مالي تروي بشكل شبه حصري وجهة نظر الجيش الألماني. متى، إذاً، يتحول التنميط إلى تزوير؟

لا أحد يعتذر للماليين على ذلك، مثلما لم تعتذر مجلة "شبيغل" للمسلمين في ألمانيا عن صور أغلفتها التخويفية من الإسلام. فأسلمة ألمانيا كانت مادة دسمة للعناوين الصحفية حتى قبل سنوات من ظهور حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي الكاره للمسلمين.

في هذه الأيام، هناك حديث عن عولمة ما بعد الاستعمار. وها هم علماء الأعراق والمتاحف بدأوا يدركون اضطرارهم للتخلي عن أحقيتهم في تحديد المنظور المحوري للأمور. لكن ما الذي ستتخلى عنه الصحافة البيضاء؟ لا شيء. فهي لم تحضِّر نفسها كما يجب للمستقبل.

 

 
شارلوته فيديمان
ترجمة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

 

شارلوته فيديمان كاتبة ألمانية بارزة مخضرمة

 

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة