هل حياة العرب أقل قيمة من حياة غيرهم؟

في جميع أنحاء العالم سادت حالة الحداد على ضحايا هجمات باريس الإرهابية - ولكن ماذا عن أولئك الضحايا الذين يتم تمزيقهم أشلاءً في أنحاء العالم العربي بسبب هجمات إرهابية؟ الطبيب والمدوِّن اللبناني البيروتي إيلي فارس يضغط على عصب حساس من خلال مقال نشره في مدوِّنته حول ضحايا الإرهاب.

الكاتبة ، الكاتب: Elie Fares

إيلي فارس طبيب ومدوِّن يعيش في بيروت ويبلغ عمره ستة وعشرين عامًا. في اليوم (التالي لهجمات باريس التي وقعت) الجمعة 13 / 11 / 2015، عبَّر من خلال موضوع نشره في مدوِّنته عمَّا يجول في داخل الكثيرين من العرب: "العالم يعلن الحداد على ضحايا باريس، في حين أنَّه يتجاهل ضحايا الإرهاب في الدول العربية". تمت مشاركة هذا النص ونشره على موقع الفيسبوك أكثر من ربع مليون مرة، وآلاف المرات في موقع تويتر - على الرغم من أنَّ المراقبين الآخرين لا يعترفون بأنَّ وسائل الإعلام قد تجاهلت (مثلاً) الهجوم الإرهابي الذي وقع في بيروت 12 / 11 / 2015.

***

عندما قال لي بعد منتصف الليل أحد الأصدقاء، يجب عليَّ أن أشاهد الأخبار القادمة من باريس، لم تكن لديَّ في البداية أية فكرة عن أنَّني سوف أشاهد خريطة مدينة أحبُّها، غير أنَّ هذه الخريطة كانت تُظهر مسرح جرائم العديد من الهجمات الإرهابية المتزامنة. بدأت بتقريب الخريطة وتكبيرها أكثر. وقد كان أحد مسارح الجريمة يقع هناك بالضبط، حيث كنت أعيش في عام 2013، في الشارع نفسه.

وكلما كنت أقرأ أكثر، كان عدد القتلى يزداد أكثر. لقد كان ذلك فظيعًا؛ كان عديم الإنسانية. لقد كان أمرًا ميؤوسًا منه تمامًا وبشكل غير قابل للنقض: ها هي سنة 2015 انتهت مثلما كانت قد بدأت - بهجمات إرهابية وقعت في لبنان وفرنسا تقريبًا في الوقت نفسه - قامت بتنفيذها مخلوقات جنونية، تنشر الكراهية والخوف والموت، حيثما تذهب.

استيقظت هذا الصباح وكانت هناك مدينتان مكسورتان. أصدقائي في باريس، الذين سألوني في الأمس فقط، عمَّا قد حدث في بيروت، تعرَّفوا الآن فجأة على الجانب الآخر. كلا عاصمتينا مكسورتان ومشوَّهتان. ربما كانت هذه بالنسبة لنا هنا أخبارًا قديمة، ولكنها بالنسبة لهم تجربة جديدة.

أكثر من مائة وتسعة وعشرين شخصِا من المدنيين الأبرياء من باريس لم يعودوا معنا. وفي الأمس خمسة وأربعون مدنيًا أبرياء من بيروت لم يعودوا معنا. أعداد الضحايا ترتفع، غير أنَّنا على ما يبدو لا نتعلم.

IS-Anschlag am 12.11.2015 in Beirut, Libanon; Foto: picture alliance/ZUMAPRESS/N.Lebanon
"Als meine Leute am 12. November auf den Straßen Beiruts in Stücke gesprengt wurden, lautete die Schlagzeile: 'Explosion in Hisbollah-Hochburg', als könnte der politische Hintergrund einer urbanen Gegend den Terror irgendwie in einen Kontext einordnen", schreibt Elie Fares in seinem Blog.

نحن في الواقع غير مهمين

في وسط هذه الفوضى وجميع المآسي، تقض مضجعي فكرة لا تريد مغادرة رأسي. إنَّها نفس الفكرة التي تدور في رأسي بعد وقوع كلّ حادث من هذه الأحداث، التي ومع الأسف بات يتكرَّر حدوثها كثيرًا: "نحن في الواقع غير مهمين".

عندما تم في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015 تفجير أبناء شعبي وتمزيقهم إلى أشلاء في شوارع بيروت، كان العنوان الرئيسي في وسائل الإعلام: "انفجار في معقل حزب الله"، وكأنَّما يمكن للخلفية السياسية في منطقة حضرية معيَّنة أن تُصنِّف الإرهاب بطريقة ما ضمن سياق معيَّن.

عندما توفي أبناء شعبي يوم الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر (2015) في شوارع بيروت، لم ينهض قادة العالم ليستنكروا هذا العمل. ولم تصدر أية بيانات تعبِّر عن التعاطف مع الشعب اللبناني (ملاحظة من المحرِّر: في الواقع أدانت هذا الهجوم الأممُ المتَّحدة ومجلس الأمن الوطني الأمريكي وغيرهما). لم يكن هناك غضب دولي لأنَّ أشخاصًا أبرياء، كان خطأهم الوحيد هو وجودهم في الوقت غير المناسب وفي المكان غير المناسب، لا يجوز أن يحدث لهم أبدًا شيء كهذا، أو لأنَّ أسرهم لا يجوز أبدًا أن يتم تدميرها بمثل هذه الطريقة. لا يجوز أن يتم الحكم على شخص ما بسبب دينه أو خلفيته السياسية بأن يكون عرضة للإرهاب وأن يتم حرق جسده فوق الأرض الإسمنتية.

هجوم استهدف استقرار لبنان

مهاجمان انتحاريان قتلا في العاصمة اللبنانية بيروت أشخاصًا كثيرين. ومن جانبه يقيَّم وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير هذا الهجوم على أنَّه هجوم يستهدف استقرار لبنان.

في حين أنَّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يصدر أي بيان يُعبِّر عن أنَّ موتهم كان جريمةً بحقِّ الإنسانية؛ ولكن ما هي الإنسانية يا ترى إن لم تكن تعبيرًا شخصيًا من المفترض أنَّه يحدِّد قيمة كائن بشري معيَّن؟

وفي المقابل لقد أعرب سيناتور أميركي مغرور عن مدى سعادته لأنَّ أبناء شعبي قد لقوا مصرعهم، وأنَّ عاصمة بلدي قد تم سحقها، وأنَّ أشخاصًا أبرياء قد فقدوا حياتهم وأنَّ هؤلاء الضحايا هم أشخاص من مختلف المشارب والخلفيات.

عندما لقي أبناء شعبي حتفهم، لم يشعر أي بلد بالانزعاج ليضيء معالمه بألوان العلم اللبناني. وحتى موقع الفيسبوك لم يكلف نفسه عناء وضع إشارة من أجل التأكيد على أنَّ شعبي "آمن"، على الرغم من أنَّ ذلك أمر تافه. وهنا علامتكم الخاصة بالسلامة على موقع الفيسبوك: لقد نجونا حتى الآن من جميع الهجمات الإرهابية في بيروت.

أعدّوا أنفسكم على زيادة الإسلاموفوبيا

عندما لقي أبناء شعبي حتفهم، لم يدخل العالم في حالة حداد. ولم يكن موتهم أكثر من مجرَّد بقعة غير ذات أهمية في دورة الأخبار العالمية، بل كان مجرَّد شيء حدث للتو في تلك الأصقاع من العالم.

وهل تعرفون ماذا: هذا الأمر لا فرق فيه عندي. ففي العام الماضي بدأت أرضى بأنَّني أعيش حياة من تلك الحيوات غير المهمة. وقد تعلمت تقبُّل ذلك والعيش معه.

Solidarität mit Frankreich: in den französischen Nationalfarben illuminiertes Brandenburger Tor; Foto: Getty Images/AFP/T. Schwarz
"Als meine Leute starben, hielt es kein Land für nötig, seine Sehenswürdigkeiten in den Farben seiner Flagge zu beleuchten und es hat die Welt auch nicht in Trauer gestürzt. Der Tod meiner Leute war nicht mehr als ein irrelevanter Tupfen im internationalen Nachrichtenzyklus, etwas, das eben in diesen Teilen der Welt passiert", so Elie Fares.

أعدّوا أنفسكم على أن الإسلاموفوبيا ستزداد في الأيَّام المقبلة مرة أخرى في العالم. وأعدّوا أنفسكم على مقالات تفيد بأنَّ التطرُّف لا دين له، وعلى أنَّ أعضاء تنظيم "الدولة الإسلامية" ليسوا مسلمين حقيقيين، وبالتأكيد هم ليسوا كذلك، لأنَّه ليس هناك أي إنسان لديه حتى لو ذرة من الأخلاق سوف يفعل مثل هذه الأشياء. تنظيم "الدولة الإسلامية" خطط لردود فعل معادية للإسلام، يمكنه بعد ذلك استغلالها لكي يمد إصبعه الجهنَّمي ويقول لكلِّ امرئ متلقٍ ينصت لهذا التنظيم: اُنظر، إنَّهم يكرهوننا. والقليلون فقط قادرون على الترفُّع عن ذلك.

أعدّوا أنفسكم على أنَّ أوروبا سوف تحاول في الأيَّام القادمة التعامل برفض متزايد مع اللاجئين الذين يتدفَّقون إلى دولها، وسوف تُوجِّه أصابع الاتِّهام إليهم وسوف تتَّهمهم بأنَّهم مسؤولون عن أحداث ليلة (مساء) الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في باريس. يا ليت أوروبا تعرف فقط أنَّ كلَّ ليلة في العامين الماضيين بالنسبة لهؤلاء اللاجئين كانت مثل ليلة الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر في باريس. ولكن الليالي الطوال هي مهمة فقط عندما تستطيع دولتك أن تجعل العالم برمَّته يضيء بألوان علمها.

إذا كان هذا هو الوضع الطبيعي فليذهب إلى الجحيم

ولكن لقد كان الأمر الأكثر فظاعة في ردود الفعل على هجمات باريس الإرهابية، هو أنَّ بعض العرب واللبنانيين كانوا حزينين على ما حدث في باريس أكثر من حزنهم على ما حدث في الأمس في عقر دارهم. وحتى بين أبناء شعبي يسود شعور بأنَّنا غير مهمين إلى ذلك الحدّ وأنَّ حياتنا لا قيمة لها، وأنَّنا لا نستحق أن يتم الحداد بشكل جماعي على موتانا - حتى لو قليلاً - وأن يُصلِّي العالم من أجلهم.

ربما يكون من المنطقي أنَّ اللبنانيين الذين يزورون باريس أكثر من الضاحية (ملاحظة من المحرِّر: الضاحية هي منطقة تقع جنوبي بيروت، تضم أيضًا حي برج البراجنة الذي كان مسرحًا للهجوم الإرهابي في بيروت)، يهتمون أكثر بباريس من اهتمامهم بهذه الضاحية، غير أنَّ الكثيرين من الأشخاص الذين أعرفهم والذين تدمَّروا بسبب الفوضى في باريس، لا يعبؤون بما حدث في مكان يقع على بعد خمس عشرة دقيقة من مكان سكنهم لأشخاص ربما التقوا بهم ذات مرة عندما كانوا يسيرون في الشوارع المألوفة.

بإمكاننا أن نطلب من العالم أن يعتبر بيروت ذات أهمية تمامًا مثل باريس، أو أن يقوم موقع الفيسبوك بوضع علامة "التحقق من السلامة" لنا نحن، حتى نتمكَّن من استخدامها كلَّ يوم، أو أن نطلب من الناس أن يهتموا بشأننا. ولكن في الحقيقة نحن شعب لا يهتم حتى بنفسه. نحن نسمي ذلك عادة، ولكنها ليست حقيقية. نحن نسمي ذلك "وضعًا طبيعيًا جديدًا"، ولكن إذا كان هذا هو الوضع الطبيعي فليذهب إلى الجحيم.

في هذا العالم الذي لا يأبه بحياة العرب، يقف العرب في الجبهة الأمامية.

 

إيلي فارس

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de

تم ترجمة هذا النص إلى العربية عن ترجمته الألمانية بتنسيق بين موقع قنطرة وصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية