
نساء ليبيا في ظل الحرب وجائحة كوروناالمرأة تدفع الثمن الأبهظ للصراع والوباء في ليبيا
بمجردِ أن أُعلِنَتْ في ليبيا حالةُ الطوارئِ بسبب وباء كورونا، بدأت الحكومةُ في طرابلس صرفَ الأموال المخصصّصةِ لمكافحةِ وباء فيروس كورونا. الكثير منها غرقَ في صفقاتٍ فاسدةٍ أو استُخدِمت لإسكاتِ مخاوف العامةِ. في نهايةِ المطافِ، يدركُ الليبيون تمامَ الإدراكِ أنّه إن أثّرت فيهم الأزمة الصحية، فلن يكون لديهم أيّ مكان ليذهبوا إليه.
كان الليبيون يسافرون إلى تونس من أجل الحصولِ على المعالجةِ الطبيّةِ لوقت طويل قبل عام 2011. وعلى الرغمِ من أنّ إغلاقَ الحدود بسبب فيروسِ كورونا يمنعُ السفرَ الآن، إلّا أنّ القيودَ المفروضةَ على سفرِ النساءِ ليست بشيء جديدٍ. فبسببِ انهيارِ جهاز الأمن، باتت النساء اللواتي قُيِّد سفرهن نتيجةً لذلك غير قادراتٍ على السفر بالمركبات بمفردهن بحريةٍ بين المدنِ للوصولِ إلى الخدماتِ، بما في ذلك الخدمات الصحيّة.
وغالباً ما يكونُ الأمن على الطرقِ غير مستقرٍ. إذ لا يمكنُ أن تندلع النزاعاتُ المسلحةُ في أيّ لحظةٍ فحسب، بل أنّ الطرقَ مليئةٌ أيضاً بنقاطِ التفتيشِ الوهميةِ حيث غالباً ما يُختطفُ المواطنون الليبيون، ويُحتجزون في سبيلِ الحصولِ على فديةٍ.

النساءُ محاصراتٌ بين النزاعِ والصحّةِ
وقد تفاقم الوضعُ في غربِ ليبيا بسبب الحربِ الدائرةِ هناك، إذ تُستهدفُ المستشفياتُ والمرافقُ الصحيّة والعاملون في القطاعِ الطبّي بسهولةٍ. ففي السابعِ من نيسان/أبريل 2020، أصابَ قصفٌ عنيفٌ من قبل القوات المسلحة العربية الليبية قسمَ العنايةِ والولادةِ في مستشفى الخضراءِ، مما أدّى إلى إصابةِ عاملٍ صحي وإلحاقِ أضرارٍ بالمستشفى. ومستشفى الخضراء هي أحد المرافق الصحيّة المخصّصة لاستقبالِ مرضى فيروس كورونا المحتملين.
كما دُمِّرَ مستشفى رويال التخصصي في طريقِ الشوك في جنوبِ طرابلس في أواخرِ نيسان/أبريل 2020. إضافةً إلى أنّ المستشفيات تفتقرُ للمعدّاتِ، والمياهِ والأسرّةِ لاستقبالِ تدفّق محتملٍ للمرضى. وهذا من شأنهِ أن يُعرِّضَ الطاقمَ الطبي، الذي تشكِّلُ النساءُ فيه غالبية طاقمِ التمريضِ، لخطر الإصابةِ بالعدوى.
وفي مستشفى الجلاءِ للأطفالِ، استقبلت طبيبةٌ مريضاً يُشتبه بإصابته بفيروسِ كورونا وكان عليها أن تضعَ نفسها في الحجرِ الصحي بعد ذلكَ. ويمكنُ أن تؤدي حالات كهذه إلى وصمِ العاملين في القطاعِ الصحّي. ويمكن لهذا أن يؤثّر على النساء بالتحديد، ليؤدي بدوره إلى نتائج اجتماعية وخيمة في مجتمعٍ يستخدمُ الإضرار بالسمعةِ للسيطرةِ على النساء أكثر بكثيرٍ من الرجالِ. حينها قد تشعرُ النساءُ بالميلِ إلى الانسحابِ من القطاعِ الصحيّ بأكملهِ.
ونظراً إلى الانقسامِ السياسي الليبي على أسسٍ جغرافيةٍ، فقد طوّر كلّ جانبٍ آلية خاصة به للاستجابةِ للوباءِ. إذ حاولت السلطاتُ في الشرقِ السيطرةَ على أي أصواتٍ معارضةٍ تنتقدُ، ولو قليلاً، ظروفَ نظامِ الرعايةِ الصحيّةِ وإسكاتها. بينما اتّخذت الحكومةُ في طرابلس -المنشغلةِ بالقتالِ في جنوبِ العاصمةِ- إجراءات وقائية وفرضت ساعات حظرِ تجولٍ صارمة، إضافةً إلى تغريمِ أي مخالفٍ. وقد أدّى ذلك إلى تمكينٍ أكبر لقوّاتِ الأمنِ المتمتعة بحصانة مسبقة في عملها بالعاصمةِ.
وفي حين أنّ حظرَ التجوّلِ قد يساهمُ بالفعلِ في تسطيحِ منحنى فيروس كورونا، إلّا أنّه لا يأخذُ بالحسبانِ الأثرَ الإنساني على العائلاتِ التي تكافحِ بالفعلِ بسبب عقدٍ من النزاعِ. وقد كان التأثيرُ على النساءِ أكبرَ. فهؤلاء النساء الأكثر تعرضاً للخطر -بمن فيهنّ النازحات داخلياً، والنساء ذوات الدخلِ الضعيف، أو النساء اللواتي يعشن في مناطق نائية ويتولين إعالة أسرهن بمفردهن- هنّ في وضعٍ مأساوي مادياً ولوجيستياً.
فلا تتمتعُ العديد منهنّ برفاهيةِ التوقّفِ عن العملِ، ويحتجن إلى الحصولِ على دخلهمِ اليومي وحرية الوصولِ إلى المواصلاتِ العامةِ. أما سياسةُ الحكومةِ، فلم تقيِّم هذه الحساسيات الخاصة بالمرأة بصورةٍ خاصة ولم تأخذها بعين الاعتبارِ، سواء عند تخصيصِ المواردِ أو في إجراءاتِ الإغلاقِ.
الحكومةُ ليست شاملةً للجنسين
حين أعلنت اللجنةُ العليا لمجابهةِ فيروس كورونا، بعضاً من خططها، كان من الواضحِ مباشرةً أنّ الآثارَ المترتبة على الوباءِ بالنسبةِ للنساءِ، من منظورٍ جنساني، لم تُؤخذ بعين الاعتبار. وردّاً على ذلكَ، وقّعت 14 منظمة محليّة، تدعمُ حقوقَ المرأةِ، رسالةً مفتوحةً إلى المجلسِ الرئاسي، تحثّه فيها على إدراجِ بعض التوصياتِ المراعيةِ للاعتباراتِ الجنسانيةِ في خطّة عملهم لمواجهةِ وباء كورونا.